طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

هل تنهض بلدية طرابلس من كبوتها؟

رئيس بلدية طرابلس الجديد د. رياض يمق

لا يمكن لمتابع لشؤون مدينة طرابلس إلاّ ان يلاحظ التراجع الحاد الذي يصيبها في كل ما يتعلق بالشأن البلدي للمدينة وهو تراجع بدأ بقوة منذ أكثر من عشر سنوات وكان أحد أهم أسبابه الخلافات الحادة بين أعضاء المجلس البلدي وبين قسم كبير من هؤلاء الأعضاء ورئيس البلدية، يضاف إلى ذلك التدخل الذي كان أحياناً فاضحاً للسياسيين لخلق مراكز قوى داخل المجلس البلدي، أو لتعطيل عمل هذا المجلس، من زاوية تفشيل هذا الفريق لذاك أو ذاك لهذا.
دفعت المدينة ثمناً غالياً للفشل البلدي المذهل الذي سيطر طوال ما يقارب العقد من الزمن، وربما أكثر من هذه المدة. فلقد عجزت مجالس بلدية متعاقبة عن فهم ماهية العمل البلدي، فاعتقد البعض أن هذا العمل يمكن ان يكون جزءاً من وجاهة أو باباً لدور سياسي أو مسرحاً لتجاذب القوى بين النافذين في المدينة وأبعد منها نحو المركز، أي نحو العاصمة. لم يفهم هؤلاء أن ما يريده المواطن الذي يعيش على هذه البقعة من الأرض هو ببساطة أشياء محددة يمكن اختصارها بكلمات قليلة هي: الطريق المزفت، الرصيف المبلط، الوسطيات وجوانب الطرق المشجرة، الإنارة العامة، تنظيم السير، تزيين الساحات بالزهور، النظافة العامة، إزالة المخالفات والتعديات والتشويه، الاهتمام بالأبنية التراثية والآثار، فرض احترام المباني الجديدة والقديمة للسلامة العامة والشكل المتناسق والصيانة المستدامة، تنظيف مجاري مياه الأمطار ومنع هذه المياه من التجمع في الطرقات ونحو الأرصفة والأماكن المأهولة، تكرير مياه الصرف الصحي حماية لمجاري الأنهر ومياه الشتاء ومن اجل نظافة الشواطىء البحرية، فرض رقابة صارمة على الشركات التي تتعهد مشروعات في المدينة كي تلتزم بالمواعيد والمواصفات المفروضة وضبط الاحتقار الذي يمارسه مجلس الإنماء والإعمار للمدينة وهو كان المجرم الأكبر فيها، تأمين بيئة حاضنة تجذب السائح والمواطنين من خارج المدينة إليها، الاهتمام بالمدينة القديمة وأسواقها التاريخية وخاصة المتخصصة منها وتأمين سهولة الدخول إليها والخروج منها، تأمين مواقف عامة في أمكنة مدروسة وبمساحات كافية لتسهيل زيارة المدينة لتكون زيارتها والدخول إليها سهلين على الآتين من خارجها وحتى على القاطنين فيها خارج الدائرة التاريخية القديمة، الاهتمام بالشأن الاجتماعي الذي يركز على المدارس الرسمية وصحة الطلاب وسلامتهم وتأمين حاجاتهم، ويركز ايضاً على مساعدة الجمعيات الجدية التي تعمل في هذا المجال وكذلك يشمل هذا الشأن إيجاد حلول لمشكلات التسول والتشرد على الأرصفة وفي الطرقات.

رياض يمق رئيساً
الآن، تم انتخاب الدكتور رياض يمق رئيساً للبلدية ليكمل السنوات الثلاث المتبقية من عمر ولاية المجلس البلدي الحالي، فهل يوجه يمق البوصلة بالاتجاه الصحيح، وهل يركز هو وأعضاء المجلس البلدي على الشؤون البلدية الحقيقية التي ذكرناها أعلاه، وهل يستطيع ان ينهض ببلدية طرابلس من كبوتها التي طال أمدها، وهل يستطيع بسط الوئام والتوافق والتفاهم والتعاون داخل المجلس البلدي وبين أعضائه الذين بدوا في مرحلة تجديد الثقة أو سحبها منقسمين بل ربما متخاصمين؟
حتى الآن ما يقوله يمق ما زال في العموميات، وهذا طبيعي لشخص يستلم رئاسة البلدية للمرة الأولى ولم يتجاوز عمر وجوده في هذا الموقع مدة العشرين يوماً. لذلك هو في مرحلة الاستكشاف والاطلاع والاجتماع بمن لديهم علاقة بالشأن البلدي، سواء كانوا من داخل الكادر الوظيفي والهيكلية الإدارية أو من المجتمع المدني الطرابلسي عموماً.
لكن مقابلة إذاعية أجراها، قبل تسعة أشهر، الاعلامي عماد العيسى مع يمق، عبر برنامج «ساعة حوار» في إذاعة «التوحيد الإسلامي»، تكشف بعضاً من الأفكار التي يحملها رئيس البلدية الجديد، وهو كان يومها رئيساً للجنة الطبية والرياضية في البلدية.
فهو قد عزا وقتها الفوضى في المشاريع وفشل البلدية في الرقابة على الكثير من هذه المشاريع، إلى غياب التجديد في الهيكلية البلدية، معتبراً ان «المشاريع الكبرى أو المعقدة على مستوى تخطيط المدن مثالاً إذا لم يكن لدينا في البلدية أصحاب خبرات من المهندسين في متابعة هذه الأعمال سيبقى الحال على ما هو عليه»، واعتبر يمق في المقابلة الاذاعية عينها انه «من المفترض على البلدية ان تكون حامية لخدمات ومشاريع البلد وان تتحمل المسؤولية» رافضاً «التلزيم في المشاريع من الشركات المتعهدة إلى شركات أخرى بالباطن».
وشدد على ان أعضاء المجلس البلدي «غير راضين عن أداء مجلس الإنماء والإعمار»، معتبراً ان على المسؤولين في طرابلس ان يتحملوا مسؤولياتهم ومشيراً إلى ان «الخلافات الموجودة بين الأعضاء ورئيس البلدية (المهندس أحمد قمرالدين وقتها) تؤثر على مصالح المواطنين بشكل مباشر، وخاصة من خلال عدم وجود جلسات للمجلس البلدي». وفي مشروع «الإرث الثقافي» رأى يمق ان «هذا المشروع قد فشل في تقديم الأفضل للمدينة في أهم بقعة منها تتضمن القلعة وأهم الآثار والأسواق القديمة».
إنطلاقة ايجابية
في المقابل اتسمت اللقاءات التي بدأها رئيس البلدية الجديد، ومنذ اليوم الأول لاستلامه منصبه، بالجدية والشمولية والتنوع، مع أطراف عديدة لها علاقة مباشرة بالشأن البلدي الطرابلسي. وهذا النوع من النشاط بداية يمكن اعتباره انطلاقة ايجابية على ان يتم تثمير هذا الجهد وتفعيله وايجاد الأطر اللازمة لانجاز الأفكار والمشروعات التي تضمنتها هذه اللقاءات.
فلقد شهدت الأيام العشرون الأخيرة توافداً إلى مكتب رئيس البلدية من قبل وفود ومؤسسات حملت أفكاراً بناءة أو هي تنفذ مشروعات اجتماعية من شأنها المساهمة في تحسين الوضع العام في الفيحاء.
فلقد استقبل مثلاً، وفداً من «مؤسسة رينيه معوض» يشرف على مشروع دعم الشباب من خلال التعليم ودعم الفرصات وتوفير فرص العمل، والتقى وفداً من «نادي طرابلس الرياضي» الذي يعوّل عليه في إعادة الاعتبار للمجد الطرابلسي في كرة القدم، واستقبل وفداً من الأمن العام في طرابلس، ووفداً من فعاليات جبل محسن بحث تنمية ونهضة أحياء الجبل، ووفداً من نقابة أصحاب الأفران، ومن «تيار الكرامة»، ومن مجلس نقابة عمال بلدية طرابلس، وقد قال له يمق أن «للعمال حقوقاً وعليهم واجبات، ولهذا سنعتمد مبدأ الثواب والعقاب، ظلماً في السوية عدل في الرعية»، واستقبل قائد فوج الاطفاء، ووفداً من «منظمة التضامن الدولية»، كما استقبل أعضاء لجنة البيئة في «حركة التنمية والتجدد» الذين عرضوا نية اللجنة «إطلاق مشروع الفرز من المصدر في ساحة النجمة وصولاً إلى محيط مسجد العزم مع شارع العجم»، كما استقبل مدير «شركة لافاجيت» في طرابلس، ووفداً من «جمعية إنماء وتطوير السوق العريض»، و«لجنة بسطات سوق الخضار الجديد» في الزاهرية، وشدد يمق على «ضرورة ان يحافظ التجار وأصحاب البسطات على نظافة أسواقهم تحت طائلة المسؤولية وتنظيم انذارات تليها محاضر ضبط بحق المخالفين»، والتقى ضباط ورتباء وعناصر شرطة بلدية طرابلس الذين قال لهم «طلبي من جميع الدوريات الاخذ بالاعتبار وضع المدينة ومصالح أهلها والعمل على تنظيم البسطات في حال كانت في أماكن لا تضر بالمارة أو المواطنين»، والتقى وزير الدولة لشؤون الدولة والتكنولوجيا عادل أفيوني الذي طرح موضوع «البلدية الالكترونية»، واستقبل وفداً من «مؤسسة تريبوليزم» الذي طرح مشروع باصات النقل السياحي في طرابلس وأكد الوفد على «أهمية المشروع في طرابلس المدينة الأولى في لبنان في المواقع الأثرية والسياحية والتي تحتل مرتبة متقدمة عربياً وعالمياً، من دون الاستفادة من موقعها الريادي لجلب السياح العرب والأجانب»، وأعلن الوفد أنه «قام بطبع دليل سياحي متكامل عن طرابلس مع خريطة للمواقع والطرق باللغة الأجنبية وبجودة عالية وفاخرة»، والتقى وفداً من «جمعية ريبراندينغ تريبولي» وهي جمعية «تسوق طرابلس في لبنان والعالم، ومن أعمالها مشروع بعيونك أحلى»، كما استقبل وفداً من الهيئة الإدارية لـ «رابطة طلاب الشمال» الذي عرض مشروع حملة «بكتابي تعلم»، واستقبل يمق النائب ديما جمالي التي حضرت لبحث موضوع «الإدارة المستدامة للنفايات المنزلية في مدن الفيحاء»، كما استقبل رئيس «نادي المتحد» لكرة السلة أحمد الصفدي الذي أكد ان الوزير والنائب السابق محمد الصفدي و«مؤسسة الصفدي» إلى جانب البلدية وتضع كل امكانياتها بتصرف الرئيس يمق، وستكون هناك مشاريع مشتركة ولقاءات لتعزيز دور البلدية»، والتقى وفداً من «الرابطة الاسلامية العلوية» الذي وعده رئيس البلدية «بمعاملة منطقة جبل محسن، كما كل منطقة من مناطق طرابلس، بمساواة وعدل»، وترأس يمق اجتماعاً لمتعهدي الأشغال في المدينة، وقد تركز البحث على ضرورة استكمال الأعمال في مشروع الاشارات الضوئية، مشدداً «على اعتراضات الناس وصرخاتهم»، كما التقى يمق وفداً من إدارة «مرفأ طرابلس»، وزار «مركز جمعية الخدمات الاجتماعية» في أبي سمراء، وقال هناك «إن وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية مقصرتان في أداء واجباتهما في طرابلس»، واستقبل في البلدية رئيس «جمعية المدن المتحدة» مدير «المكتب التقني للبلديات اللبنانية» بشير العضيمي الذي بحث في «إنشاء وكالة تخطيط حضري وتنمية إقليمية لمحيط نهر أبو علي»، كما إستقبل مسؤولة أنشطة صحة البيئة في مكتب «منظمة الصحة العالمية» في لبنان نهال الحمصي حيث تم البحث في «إمكانية إعادة إحياء «مشروع طرابلس مدينة صحية» الذي كانت المنظمة الدولية قد وقعته مع البلدية سنة 2010» وتم الاتفاق على «البدء بمشروع فرز النفايات المنزلية من المصدر في المنطقة الواقعة بين شارعي المئتين وعزمي في أواخر الشهر الحالي على ان يتم تحضير مشاريع كبيرة ترتكز خصوصاً على دعم الصحة المدرسية في طرابلس ومنع التدخين في الأماكن العامة وإدارة النفايات»، ومن زوار يمق أيضاً المجلس التنفيذي لمجلس تجار الخضار والفواكه وتركز الحديث حول سوق الخضار القديم والاستعداد لافتتاح السوق الجديد، كما استقبل مديرة الشمال في المديرية العامة للآثار سمر كرم مستمعاً إلى شرح مفصل عند دور المديرية في طرابلس.
ماذا بعد؟
خلال احتفال الاستقبال لمناسبة انتخاب الدكتور يمق رئيساً للبلدية والمهندس خالد الولي نائباً للرئيس، وعد يمق بـ «العمل الجاد مع زملائه أعضاء المجلس البلدي لتحقيق الأهداف المرجوة، واطلاق ورشة الانماء، واعادة الدور القيادي لطرابلس، وحفظ كرامة أهلها».
هذا الكلام الذي قاله رئيس البلدية الجديد ايجابي جداً، مع الأمل بأن يتمكن من تحقيق هذه الأهداف، وبأن تستعيد البلدية دورها في المدينة، خاصة في الشؤون التي تعنيها والتي ذُكرت في مقدمة هذه المقالة.
ومن أجل الزيادة في التفصيل يمكن التشديد على أمور مباشرة هي جزء من قضايا أخرى كثيرة تعني بلدية طرابلس ووظيفتها، فلقد بات ملحاً ايجاد الحلول السريعة للمشكلات الكثيرة المرتبطة بالأمور التالية، على مثال سبيل المثال لا الحصر: مشروع «الإرث الثقافي»، منطقة سقف النهر، مشروع الإشارات الضوئية، الحفريات المنتشرة في كل طرقات المدينة، الحزام الشرقي في أبي سمراء، تشغيل محطة التكرير في منطقة رأس النهر، ايجاد حل لمكب النفايات، تسريع انجاز سوق الخضار الجديد، ايجاد حل لمشكلة المياه المبتذلة الآتية من بلدات الكورة والتي تصب في مجرى نهر هاب لتصل إلى البحصاص وتنشر الروائح الكريهة، تزيين الشوارع بالزهور والأشجار، معالجة الفوضى العارمة في منطقتي القبة وأبي سمراء، معالجة فوضى المدينة القديمة، الاهتمام بالأبنية التراثية، إنجاز «حديقة الشيخ زايد» في منطقة الضم والفرز، تفعيل عمل الادارة والموظفين ضمن هيكلية البلدية، تأمين نظافة المدينة وخاصة مجرى نهر أبي علي، الحرص على التضامن بين أعضاء المجلس البلدي ومنع تدخل السياسيين من أية جهة كانوا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.