انتخابات لن تُغني ولن تُسمن من جوع
تفصلنا عن الانتخابات النيابية مدة قصيرة. ومع اقتراب ساعة الصفر، يندفع المرشحون، ومن يقف خلفهم من قوى إقليمية، صوب رفع نسبة الاقتراع، في محاولة أخيرة لإضفاء شرعية شعبية على مكوّنات السلطة التي ثار ضدها الشعب اللبناني على مرحلتيْن: في العام ٢٠١٥ مع انفجار أزمة النفايات، وفي العام ٢٠١٩ مع الإعلان عن نية الحكومة فرض ضرائب إضافية على الاتصالات وانهيار القطاع المصرفي.
ووسط إعراب عدد كبير من اللبنانيين عن رغبتهم في مقاطعة الانتخابات، يستخدم المرشحون عناوين كبيرة وخطيرة لتشجيع الناخبين على الاقتراع، كمواجهة الاحتلال الايراني (وهو في الواقع حضورٌ طاغٍ منذ العام ٢٠١١ بالحد الأدنى) وحماية المقاومة ومواجهة المؤامرة الصهيو- أميركية، (التي لا نرى دوراً لها في الانتخابات)، ناهيك عن التهجم على دول الخليج والمملكة العربية السعودية، رغم ما أرسله السعوديون والإيرانيون من إشارات إيجابية عقب جولة المفاوضات الخامسة بينهما في العاصمة العراقية، بغداد.
عناوين طنانة لشعب ما زال جزء منه يعيش حالة من الإنكار، والأهم أنّها عناوين يطلقها من تعمّد ذبح هذا الشعب على مدى عقود طويلة، بنصل حاد سُنَّ مع إتمام صفقات ومحاصصات «سوناطراك»، و«سوليدير»، و«سوكلين» واتفاقات استيراد الغاز والنفط والقمح والدواء وتأمين الكهرباء وغيرها بل إنّ القائمة لا تنتهي.
في السادس عشر من أيار، سيجلس معظم اللاعبين إلى طاولة الحكم فرحين بما حققوه من عودة ميمونة، أُسْبِغَت عليها شرعية شعبية أريد لها أن تدفن كل تأثيرات الانتفاضة الشعبية. وبعدها، ستبدأ مسيرة الآلام التي تنطلق مع المفاوضات الجدية مع «صندوق النقد الدولي» والقرارات الموجعة التي ستطال، رغم سوء الوضع الراهن، جوانب الحياة المختلفة، هذا إذا ما تم الاتفاق على برنامجه، أو نحو إمعان في الانهيار إذا لم يُبرم هذا الاتفاق.
أمّا بعد، فيُخشى من فورات وهبات شعبية بين أبناء الطبقات المتوسطة التي خسرت ودائعها ومداخيلها، إلاّ أنّ الخشية الأكبر تبقى من اندلاع ثورة الفقراء التي قد تفجر غضباً ترقبه ساسة البلاد في المرحلة السابقة، لكنهم أحسنوا التعامل معه واحتواءه مستغلّين سوء إدارة انتفاضة 17 تشرين الأول وسوء توظيفها، أضف إلى ذلك غرور شخصيات نُصبت منها قيادية في «صفوف الثورة».
إذن، ضاعت فرصة 17 تشرين الأول التي كان بالإمكان استغلالها لتحقيق خرق طال انتظاره بعد الانهيار الشامل الذي يعيشه اللبنانيون على الصعد كافة، إلاّ أنّ الفروقات بين من يطلقون على أنفسهم قوى المعارضة كانت أكبر من أن تُردم، من دون أن نغفل نجاح الأحزاب التقليدية في ركوب موجة الثورة، وفي تعزيز وجودها وحضورها مستغلين حاجة اللبنانيين إلى الخبز والدواء والمازوت. فكيف سيكون مصير ثورة الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل بعدما اندثرت الطبقة المتوسطة وهاجر أبناؤها؟
الشهور القليلة التي تلي صدور نتائج الانتخابات ستحمل الأجوبة لا شك. وإذا ما أخذنا مدة تشكيل حكومة جديدة والانهيار الاقتصادي المتسارع، يمكن القول إنّ لا شيء يدعو إلى التفاؤل بغدٍ أفضل مع من عودنا واعتاد على القول إنه «وقت الحزة بيعرف يلمّ البلد، أو الناس، أو الطائفة»… لا فرق.