طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

ما الذي سيضعه الناخبون في صناديق الاقتراع؟

بداية، أود توجيه التهنئة للقيمين على جريدة «التمدن»، ولا سيما الأستاذ فايز سنكري، هذا الانسان المؤمن بطرابلس وشعبها، والذي لا يقبل الاستكانة، بل أعاد إطلاق مسيرة جريدته في مدينة تشكل لي نقطة ضعف، حيث كانت بالنسبة لجيلنا المدرسة والمستشفى والسوق ودار السينما، وفوق كل هذا وذاك مدينة التلاقي والعيش المشترك بين كل أبناء الشمال.
وفي عودة إلى موضوع الساعة، أي إلى أزمة لبنان من جهة، والانتخابات النيابية من جهة أخرى. أعترف بأنني لم أكن يوماً متشائماً، بل كان يحدوني الأمل بأن مستقبل أولادنا في هذا البلد سيكون بألف خير، ولماذا الهجرة وترك الوطن، ولهذا لا أذيع سراً إن قلت بأنني تنازلت عن «الغرين كارت» الأميركي منذ أكثر من سبع سنوات، وذلك تأسيساً على تفاؤلي بمستقبل هذا البلد. لكن للأسف أخطأت وإن تداعيات «حركة تشرين 2019»، أسقطت كل أوراق التين التي كانت الطبقة السياسية تستر من خلالها عوراتها، وسقط البلد وانهار اقتصاده والقوة الشرائية لعملته، والأنكى من كل ذلك ان الناس سُلِبت مدخراتها، ومُدخرات أولادها الذين يشقون في زوايا العالم الأربعة!
فأين الأمل والمستقبل، ولماذا هذا الصدام بين اللوائح الانتخابية للفوز بالانتخابات النيابية التي بدأنا العد العكسي لإجرائها – والتي نأمل ان تتم، لكي لا يوصم لبنان بما ليس له القدرة على تحمله – وماذا ننتظر بعد 17 أيار؟
هنا تعود بي الذاكرة إلى انتخابات 1968 التي لم أشارك فيها، لعدم بلوغي يومها السن القانوني للانتخاب، حيث سمعت من كبار بلدتي، انه كان هناك مفاجأة في صناديق الاقتراع في قريتَي «برغون وبدبهون» المتاخمتين لبلدتي انفه، ويسكنها آل الأيوبي الكرام. والمفاجأة انه وُجِدَ في صناديق الاقتراع أوراق انتخابية مدون عليها (طريق – ماء – كهرباء) كون القريتين كانتا محرومتين من هذه الخدمات البديهية التي من المفترض ان تكون الدولة قد أمنتها لناس تدفع الضرائب والرسوم وتخضع للقانون.
نعم أستذكر هذه الواقعة لأسأل تُرى ماذا على الناخب ان يضع في صناديق الاقتراع غداً؟ وهل سيكون الداخلون الجدد إلى جنة الحياة النيابية، قادرين على تلبية مطالب هذا الشعب الرازح تحت خط الفقر، بسبب نهب أمواله وجنى عمره!
الحقيقة ليس لدي جواب على سؤالي! وما هي أولويات الناخب لكي يُسقطها في ورقته، الكهرباء – الطبابة – التعليم – القوة الشرائية – الاقتصاد، أم انه يبدأ بالمطالبة باستعادة ما سُرِقَ منه، كمدخل أساسي لاستعادة أمله بالحياة. أي حياة يتوقعها اللبناني في وطنه، وهل هناك من شاهد على معاناة هذا الشعب، أكثر من رقود عشرات النساء والأطفال والشباب في قعر بحر طرابلس، ذنبهم انهم أرادوا الهروب من هذا الوطن الذي اُقفِلت فيه سبل العيش، وهل من برنامج واضح لكل المرشحين، لوضع حد لهذا الانهيار ومنع تكرار كارثة لبنان والشمال التي فُرِضت على من ركبوا مخاطر السفر حتى من دون أية احتياطات تقي الركاب خطر الغرق؟ فلو لم يكن أمان البحر أكثر من أمان البر الذي يعيشون عليه، لما ركبوا المخاطر!
ان متابعة المواقف بين المتنافسين وتصاريحهم، لا يؤمل منها الخير، إذ نجدها بعيدة كل البعد عن أي خُطّة مُقنعة قد تُحقق الأمان والعيش الكريم لشعبنا خاصة في الفيحاء، وأنا واحد من الذين تعلموا في ثانوياتها، ومن خدموا فيها سنين طوالاً ومُدرك مدى العوز – حتى ما قبل انهيار الليرة – الذي ترزح تحته نسبة عالية من شعبها، الذين دأبوا على التمسك بإيمانهم بأن الخلاص لا بُدَّ آتٍ ويُمهد لحياة كريمة لهم!
لن أطيل شرحي لأنني فعلاً لست مقتنعاً بأن الوجوه الجديدة في البرلمان ستتمكن من إنتشال لبنان من كبوته، التي لا نغالي إن قلنا عنها، كبوة مُميتة، وهذه تداعيات الغرق خير شاهد على ذلك.
ولن أستغرب ان تتضمن صناديق الأقتراع أوراقاً تتطالب بمحاكمة كل من ساهم في نهب البلد وإنهياره، شرط ان تكون المحاسبة من الأعلى إلى الأدنى، آملين تحقق ذلك، كما تحققت مطالب قريتي «برغون» و«بدبهون».
على هذا الأساس نختم هذه المقالة بالأمل المحدود بأنه ربما سيستعيد اللبناني جنى عمره، وذلك من خلال تشكيل طبقة حاكمة جديدة تسعى لخير البلد، لكن اللهم أبعد عنهم مقولة «ما دخلت السياسة شيئاً إلاّ وأفسدته». وبالرغم من كل ذلك علينا ان نتمسك بالإيمان برب العالمين، لأنه وفق ما نراه، لا أمل إلاّ من خلال قدرته، ألسنا نؤمن بأن الله قادر على كل شيء!!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.