قبل 15 أيار، بعد 15 أيار
قد يكون الصحافي الراحل مارك إسكندر الرياشي الذي نصح غسان تويني في 1971، عند استقالته من حكومة صائب سلام في بداية عهد سليمان فرنجية، بأن «يقطش قريعة» هو ذاته من وصف انتخابات أيار 1947، في عهد بشارة الخوري، بأنها «انتخابات أيارية». لم يكن لي أن استعير هذه الصفة الشهرية الملتبسة في ما كتبت عن دورتي 1992 و1996 في «النهار» ودورتي 2000 و2005 في «التمدن» ودورة 2009 في «المستقبل»، ولم يكن لي أن أطلقها على انتخاب فرعي في 1997 في دائرة الشمال بين مخايل ضاهر وفوزي حبيش، أو على انتخاب فرعي في الكورة في 2012 بين فادي كرم ووليد العازار. ولم أمنح هذه الصفة دورة 2018 ولن أمنحها دورة 2022. ولم يخطر في بالي أن أنعت أي حدث أو أية حادثة في أيار حتى «غزوة بيروت» بأنه أياري أو أنها أيارية إلّا انتخابات 1992 التي قاطعها قسم كبير من الشعب اللبناني فاحتلت السيدة مهى الخوري أسعد مقعد ريمون اده في جبيل بأربعين صوتاً.
في مقال لي في «النهار» الجمعة 29 أيار 1992 عن الدورة الانتخابية الأولى في عهد الطائف وعن اعتماد الشمال دائرة انتخابية واحدة وعما يدور بين عنجر (غازي كنعان) وكرم القلة (عمر كرامي) وبنشعي (سليمان فرنجية) توقعت أن يُعطى كل قضاء خصوصيته فلا يترشح أرثوذكسي من عكار عن أحد مقاعد الكورة الثلاثة. غير أن توقعي ظهور لائحتين واحدة موالية يقودها عمر عبدالحميد كرامي وثانية معارضة يقودها سمير حميد فرنجية أثار ضجة دفعت الضابط السوري العميد معين ظاظا إلى احتجازي أربع ساعات في مكتبه في «محلة الأميركان» في طرابلس وقوله لي «وليه فلعوص أنت بدك تقرر السياسة السورية في الشمال» ثم قوله لمن كان عنده «أول شب عرف يفتح الباب ويطلع» وقال لي الصديق المحامي راشد المقدم «فلعوص؟ هيدا منتهى الحضارة في التعبير السوري» وهدأت الضجة بعدما عزف سمير فرنجية ومن معه عن الترشح وأكملت تغطية دورة 1992 فأصرّ غسان تويني، استناداً إلى نجاحي على أن أتولى تغطية الدورة التالية. اكتفيت يومها بأن اقترعت بورقة بيضاء كما فعلت في 2018 وسأفعل في 2022. ولعلني أتوقع اليوم ان يبادر الكاتب الساخر في «نداء الوطن» عماد موسى الذي لديه عندي بعض من أسلوب اسكندر رياشي إلى أن يصف هذه الانتخابات بأنها انتخابات «أيارية»، أو أن يصف هذا النظام النسبي بأنه «أياري».
حدث في 1997 أن أصر علي القومي المؤسس في الكورة الشيخ نديم جواد عدره، رفيق غسان تويني في بداية انطلاقة أنطون سعاده، مع انني لست قومياً، على أن أكون معه ممثل جبران تويني في مأدبة غداء يقيمها المرشح الفائز فوزي حبيش في أحد مطاعم القبيات. عبثاً حاولت أن اعتذر «جبران وأنا كنا ضده مع مخايل ضاهر أحد النواب العشرة الذين رفضوا التمديد نصف ولاية للرئيس الياس الهراوي. لم يقبل اعتذاري وعند الأولى بعد الظهر اقتحم مكتب «النهار» في الطبقة الثامنة من «مجمع طرابلس» صائحاً «السيارة تحت وما في موقف» نزلت إلى تحت فإذا سائق السيارة مرسيدس 300 هو نجله جواد نديم عدره الذي أسس «الدولية للمعلومات» وانطلق بها كما لم يفعل أي رجل معلومات، وفي وقت لاحق أضاف الخبير الاقتصادي الشاعر ميشال مرقص أن عدره ولفيفه أنشأوا متحف «نابو» في قرية الهري.
سرّني في 2018 أن «اللقاء التشاوري» اقترحه الوزير الملك في حكومة سعد الحريري، وأسرعت إلى تهنئته، إنما أصابني بخيبة أن بعض أعضاء «اللقاء» كفيصل كرامي وعبدالرحيم مراد وجهاد الصمد عرقلوا طريقه، ولم ينتظر طويلاً فسُميت زوجته القومية الأرثوذكسية من «كفرحزير» كنة «كفريا» زينة عكر وزيرة الدفاع الوطني بالأصالة ووزيرة الخارجية بالوكالة. وقد لا ينتظر أكثر من شهر بعد 15 أيار ليكون دولة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الأخيرة في عهد عون.