طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

مَن يستطيع أن يَضْمَنَ «حزب الله»؟

وانا اكتب هذه المقالة، تتنازعني رغبتان:

الاولى هي  في التعبير عن دعمي وتأييدي لمواقف سعد الحريري، الذي يبدو انه وبعد سنين من التجارب، التي خاض خلالها العمل السياسي، إثر استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، قد بلغ مرحلة النضج الكافي لادراك خفايا اللعبة السياسية واسرارها، وبلغ مرحلة الوعي الكافي لادراك حجم المخاطر التي تحيط بهذا البلد الصغير ومكوناته. وفي هذه المرحلة بالذات، حجم المخاطر التي تتعرض لها طائفته، سواء بابتزاز يقوم على اتهامها بالارهاب، وبالتالي رفع اي غطاء عنها عند اي محاولة تقدم سياسي، او بمحاولة إلغاء للدور الى درجة التطهير، ويكفي ان تنظر الى ما يحدث في العراق وسوريا لمعرفة حجم هذا الخطر.

لقد اثبت الحريري انه قادر عن فهم النصائح التي تأتيه من كل حدب وصوب، وقادر على استيعاب الظروف المحيطة، والأهم انه قادر على اجتراح المبادرات، التي يستطيع عبرها ان يحدث حراكاً سياسياً حقيقياً في البلد، فيذهب في العمق الى منع التدهور في الوضع الداخلي، كما فعل عندما اصرّ على انتخاب رئيس للجمهورية، بغض النظر عن موقعه السياسي، أملاً بان تعمل الآليات الطبيعية الى اخذ الرئيس المنتخب الى موقعه الطبيعي، اي رئيس للدولة اللبنانية، بما لذلك من اهمية في منع انهيار الدولة وتقهقرها امام القوى الموازية لها.

لكن، في المقابل، هناك رغبة ثانية تتنازعني مع الرغبة الاولى، وهي في التصريح بأن الاستقرار ومهما كان ضرورياً، لا يستمر بناءً لرغبة طرف واحد، بل يحتاج الى طرفين يصرّان على التمسك به دوماً، وليس حسب الظروف، فيبدو الامر وكأننا نعطيك بعضاً منه بقدر ما يناسب حاجاتنا، ونتملص منه عندما نريد المزيد من المكاسب، خاصة لصالح مشروع خارجي.

بمعنى آخر فإن «حزب الله» ينزع الآن الى الاستقرار، لانه مشغول بقضايا اكثر اهمية ،ولكن لا تعلم ماذا سيحدث عندما سيتفرغ لكم تماما، وخاصة ان «حزب الله» وكل حزب او تنظيم على شاكلته، هو تنظيم لا يمكن ان يتأقلم مع الاستقرار، لان البيئة في حالة الاستقرار تحتاج الى أمور اخرى غير ايام الفوضى والاضطراب والحروب. ففي ايام الاستقرار تحتاج البيئة الى العمل والزواج والسكن والتعليم، وبالتالي الركون الآمن والهادىء الى المستقبل، بينما «الحزب» لا يمكنه العيش بلا خوض لحروب دائمة، من أجل تحقيق اهداف ايديولوجية سماوية الهية او سمِّها ما شئت.

لذلك فهو يتعامل مع الاطراف اللبنانية الداخلية كما تتعامل اسرائيل مع الدول العربية، بحيث يأخذ ما يريد عن طريق القضم، وكل مرة يوسِّع طلباته فيما هو يمهد للسيطرة الشاملة والكاملة على البلاد، مع إبقاء أبناء بيئته في حالة اليقظة الكاملة، لمواجهة اي خطط تزعج ايران في الداخل او الخارج.

أعلم ان الكثير من اللبنانيين تتانزعهم هاتان الرغبتان، ولكنهم في الوقت نفسه بحاجة الى اجابات عن اسئلة تؤرقهم وترتبط بالاستقرار وضمانات الحفاظ عليه.

هل يستطيع سعد الحريري ان يعطيهم هذه الاجابات او الضمانات؟

فعلى الرغم من الحرص على الاستقرار والتنمية، وهي مسائل حياتية اساسية وضرورية، إلا ان كل هذا يمكن ان ينتهي.

فَمَن يستطيع ان يَضْمَنَ «حزب الله»، وماذا إن  قرَّر، هو أو إيران، الذهاب الى مواجهة اقليمية او داخلية اخرى؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.