طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

مواجهة اعلامية بين الحريري ونصرالله: «الشيخ» يتفوّق على «السيد»

الرئيس المكلّف سعد الحريري خلال مؤتمره الصحافي

اتّسم الخطاب الأخير للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بالعنف الكلامي المزعج جداً شكلاً ومضموناً.

فلقد كانت نبرة الخطاب منفّرة وطغى عليها الصراخ والتهويل ورفع الاصبع والاستعلاء والفوقية والتقليل من احترام المقامات على اختلافها، سياسية ودينية وغيرها، فلم يظهر «السيد» فقط كمرشد للجمهورية، بل ايضاً كمؤنّب لها يتطاول يميناً ويساراً، ويفرض شروطا، بدا وكأنه إذا لم يؤخذ بها سوف تُفتح ابواب جهنم على المعاندين، وسوف يُهدم كل ما بُني لنعود الى المربع الاول.

 وفي خطابه هدّد نصر الله باعتماد العدّ (في بلد حساس جداً كلبنان)، متناسياً ان الانتخابات النيابية في العامين 2005 و2009 قد اسفرتا عن فوز كبير لخصومه، ولم يهدّده أحد وقتها بالاستبعاد، وتمثّل هو وحلفاؤه في الوزارات المتعاقبة خير تمثيل، الى درجة انه استطاع إسقاط الحكومة في العام 2011، بعدما كان قد «أسقط» البلد في اجتياح بيروت في 7 ايار 2008.

وهنا لا بد من تذكّر ان السيد نصرالله قبل انتخابات 2009 كان قد اعلن ان الانتخابات هي الفيصل، ومن يفوز فيها يحكم منفرداً، رافضاً فكرة «حكومة الوحدة الوطنية». وعندما هبّت رياح الانتخابات عكس ما كانت تشتهي سفنه، وشكّل مع حلفائه اقلّية في المجلس النيابي، عاد وانقلب على ما كان قد وعد به، واصرّ على تمثيل فريق «8آذار» خير تمثيل، فكان له ما أراد ولم يهوّل عليه أحد. وعلى الرغم من ان «اتفاق الدوحة» للعام 2008، كان قد نصّ على عدم اسقاط الحكومات عبر استقالة الثلث المعطل، فعل ذلك دون ان يرفّ له جفن.

ما الرسالة التي اراد نصرالله توجيهها عبر خطابه؟

لكن على الرغم من الاستفزاز الزائد عن الحدّ المقبول، والذي ساد طوال خطاب نصر الله (في شقّه اللبناني)، سجّلت اوساط سياسية متابعة ومطلعة  اربع ملاحظات اساسية على الخطاب، خلصت عبرها الى أن امين عام «حزب الله» رغم العدائية (في كل الاتجاهات) التي ابداها، ترك الباب مفتوحا على حلولٍ يمكن الوصول اليها لمسألة النواب السنّة الستة من فريق «8 آذار»، والذين تجمعوا بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، وبعد الاستشارات غير الملزمة، التي أجراها رئيس الحكومة المكلّف، في إطار «تشاوري»، أسموه «لقاء السنة المستقلين»، بعدما كانوا كلهم قد حضروا الى الاستشارات، إما ضمن كتل نيابية تمّ تمثيلها في الحكومة التي كانت على وشك ان تعلن، وإما منفردين، ثم فجأة اتُّخذ القرار بتشكيل «كتلة» مصطنعة رُكب معظمها عبر استعارة نواب ينتمون أصلاً الى كتل نيابية موجودة وممثلة، كالكتل النيابية لـ «حزب الله» و«حركة أمل» و«تيار المردة».

اربع ملاحظات على خطاب نصرالله

ماذا في الملاحظات الاربع للاوساط المتابعة والمطلعة؟

جاء فيها ما يلي:

1- خطاب السيد نصرالله التصعيدي، الى هذا الحد، هدفه فتح باب الحل، فأمام جمهوره واتباعه من «سنة 8 آذار» اراد تثبيت فكرة في رؤوسهم وهي انه وفيّ ولا يترك من يقفون معه وهو يقوم بكل ما يلزم لتوزير احد النواب الستة، فلا يبدو ضعيفاً امام جمهوره، ولا يبدو ناكراً للجميل امام النواب من «سنة 8 آذار»، وهنا انتهى دوره العلني ولن يخرج للتكلم في الموضوع بعد اليوم، فالفكرة وصلت ولا داعي لتكرارها، إذ في المرة الأولى تصيب، وعندما تتكرر تصبح مملّة وغير ذات قيمة او جدوى. لكن كيف فتح باب الحل؟ الجواب في الملاحظة الثانية.

 2- بعدما حمى صورته، وحفظ ماء وجهه ووجوه النواب السنة في «8 آذار»، رمى الكرة الى ملعبهم (وطبعاً هو من سيقول لهم لاحقاً، في السرّ وليس في العلن، اي في الاجتماعات المغلقة بينهم وبين الحاج حسين خليل، ماذا يفعلون بهذه الكرة)، وقال لهم علناً وبالفم الملآن بأنّ «القرار هو عند النواب السنة المستقلين وما يقبلون به، والموضوع بالنسبة الينا أخلاقي بالدرجة الأول»، وهذا يعني ان خطابه للاستهلاك داخل بيئته وعند النواب الستة. وهم سيخرجون لاحقا بعد محاولات عنادية قد تطول لاسابيع لشكر نصرالله على وفائه لهم، وسيقولون انهم «سيضحون من اجل البلد واقتصاده» وبالتالي سيقبلون بالمعادلة التي تنص على التالي: الرئيس ميشال عون يرضى ان يكون من حصّته وزير سني قريب من «8 آذار» وليس نائبا. ويتمّ ذلك عبر اقتراح «8 اذار» (ممثلة بالرئيس نبيه بري على الأرجح) ثلاثة او خمسة اسماء على الرئيس عون، يختار منها، بالتفاهم مع الرئيس الحريري، اسماً واحداً. وهكذا يكون رئيس الجمهورية قد »ضحى« ايضاَ.

 3- «حرق» السيد نصرالله النواب الستة بشكل كبير، في بيئتهم، فكيف يمكنهم مواجهة الناس بعد خطاب عالي النبرة واستفزازي  كهذا (بغض النظر عن هدف الخطاب).

4- اما «الحرق» الاكبر فلقد ناله النائب فيصل كرامي، لانه الوحيد، بين النواب الستة، ذكره نصرالله بالاسم في الخطاب، في معرض كلامه على «تضحيات بري وطيبته».

الحريري: لم أعد قادراً على اقناع حتى نفسي ، بإن أكون «أم الصبي»

في المقابل، جاء ردّ الرئيس المكلّف سعد الحريري على خطاب السيد نصر الله هادئاً وحوارياً ومنفتحا، وفي الوقت عينه صلباً ومتماسكاً وهادفاً. فلقد استعرض الحريري المسيرة التي سلكها، مستنداً الى الارث السياسي لابيه الشهيد، والقائمة على قاعدتين: الاولى ان «لا أحد أكبر من بلده»، والثانية ان تياره ومؤسساته المختلفة، من اعلامية وغيرها، قامت وتقوم وستقوم على التنوع الطائفي والمذهبي والمناطقي، فلا انغلاق او تشدد او عصبيات.

وتمكن الحريري عملياً، من خلال اسلوب الخطاب ونبرته (قبل الدخول في المضمون)، ان يُظهر صورة مناقضة تماماً للصورة التي بدا عليها السيد نصر الله في خطابه، وقد ربح المعركة سلفاً في هذا الاطار، وهو بدأ مؤتمره بالقول «ان هناك كلاماً بيجنن، وكلاماً بيجنن، وانا لن اقول ما يجنن».

اما العنوان الرئيسي لكلامه خلال المؤتمر فكان انه «لن يدفع الفاتورة مرتين»، الاولى عندما قبل بقانون انتخابي عرف سلفاً انه سيخسّره عدداً كبيراً من النواب، والثانية عبر القبول بتوزير من احتلوا مقاعد نوابه، وهم ليسوا بكتلة نيابية، ويتواجدون في كتل اخرى، وتبعيتهم عمياء لـ «حزب الله»، «فلقد صرت استصعب اقناع حتى نفسي بأن أكون «امّ الصبي»».

وحمّل الحريري «حزب الله» المسؤولية بتعطيل تشكيل الحكومة، وقال: «هناك حقيقة يجب أن تقال من دون قفازات، وهي أن تأليف الحكومة اصطدم بحاجز كبير يسميه البعض حاجز نواب سنّة الثامن من آذار، ولكني أراه أكبر من ذلك بكثير، وهو ما عبّر عنه بصراحة الأمين العام لحزب الله، وهو قرار من قيادة الحزب بتعطيل تأليف الحكومة».

كذلك نفى الحريري كل ما يتردد عن احتكاره للتمثيل السني في الحكومة بدليل أن هناك وزيرا سنّيا يسميه رئيس الجمهورية ووزيرا سنيا آخر اتفق عليه مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي أتى إلى الاستشارات على رأس كتلة نيابية. وقال: «أنا أب السنّة في لبنان وأعرف أين مصلحتهم»، مشددا على أن «السنّة طائفة أساسية في البلد ولا يمكن أن تكون في أي ظرف من الظروف طائفة ملحقة بأحد أو بحزب أو بمحور».

وقال الحريري: «إن الحكومة حاجة وطنية اقتصادية وأمنية واجتماعية وتأليفها ليس هناك أسهل منه إذا عدنا للأصول. هذه مهمة لدي ولدى فخامة الرئيس، هكذا يقول الدستور وهكذا تقول الاستشارات وهكذا تقول مصلحة البلد. أنا قمت بما عليّ والحكومة جاهزة وفخامة الرئيس عون ودولة الرئيس بري يعرفان ذلك، فليتفضل الجميع ويتحمل مسؤولياته ليسير البلد».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.