الحريري ــ ميقاتي: صفحة جديدة عمادها تحصين موقع رئاسة الحكومة

«أحيّي فيك احترامك للدستور ولاتفاق الطائف وللصلاحيات الممنوحة لك، على أمل أن يلاقيك الآخرون في مسعاك لتشكيل الحكومة وحفظ الإستقرار في البلد».
بهذه الكلمات توجّه الرئيس نجيب ميقاتي الى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، مباشرة بعد إنهاء الأخير مؤتمره الصحافي، الذي أراده ان يكون الردّ الاول والأخير على الخطاب الفوقي للسيد حسن نصرالله، واعتداده بفائض القوة، لفرض مواقف له من تشكيل الحكومة، جاءت في الشكل وكأنها أوامر لا تُخالَف، لإجبار الرئيس المكلّف ان يُوزِّر اتباعاً لـ «حزب الله»، من «سنة 8 آذار»، في الحكومة التي يجري تشكيلها، ولو كانت كتلتهم مستحدثة ومصطنعة، ولو كانوا من كل كتلة، أو من كل وادٍ، عصا.
وكان قد سبق «تغريدة» ميقاتي استعانة الحريري بالتفاهم السري، الذي كان قد عقده قبل فترة مع رئيس الحكومة الاسبق، ونصّ على توزير سنّي من فريق ميقاتي في الحكومة، ليبرهن انه لا يريد الاستئثار بالحصة السنية، وانه يعترف ان هناك سنة ليسوا من تياره السياسي، والابرز بينهم الرئيس ميقاتي الذي نال 21000 صوتاً سنياً في الانتخابات الاخيرة، التي شهدت معركة قاسية في طرابلس، وخاصةً بين «المستقبل» و «العزم».
مبادرات ميقاتي
كيف حدث هذا التقارب، ومن ثم «التفاهم الحكومي» بين الرجلين؟
انها سياسة «مدّ اليد» التي اعتمدها ميقاتي بعد الانتخابات، وكان قد أسبقها قبل أكثر من عام بمبادرات مماثلة، كان أولها دعوته الحريري لرعاية افتتاح «جائزة العزم لحفظ القرأن الكريم» والقول خلالها: «لا عداوة بيننا ولن تكون»، ووقوف ميقاتي إلى جانب الحريري في مواجهة الذين تعدّوا على مقام رئاسة الحكومة امام السراي.
وحتى قبل عدة أيام من الانتخابات النيابية الأخيرة، بادر ميقاتي، خلال الحوار الذي أجرته معه «التمدن» إلى مدّ اليد باتجاه من يُفترض انه خصم عنيد له في المدينة، عندما قال في الحوار: «بالنسبة لي أنا اعتبر نفسي وغيري فريقاً واحداً، ويا ريت نضع أيادينا بعضا مع بعض. تاريخي وسلوكي ومواقفي تشير إلى أنني لا أحب أن أقطع مع أحد، ليس مهماً من يكون في الحكم فهذا كله زائل، المهم ما الذي نستيطع ان نفعل في البلد. وأعود وأقول ان يدي ممدودة للجميع دون استثناء». وشدد في الحوار نفسه على أنه «اليوم قبل الانتخابات وبعد الانتخابات أمدّ يدي إلى الجميع على صعيدين: على الصعيد الوطني وعلى صعيد مدينتنا، ومن يوصلنا إلى ما نريده فنحن معه، نحن لسنا من أنصار «عنزة ولو طارت»». كذلك، يُسجّل لميقاتي موقفه، خلال المهرجان الذي أقامته «لائحة العزم» قبل الانتخابات، عندما رفض بشدة وغضب الصيحات السلبية التي أطلقها البعض من الجمهور، عندما ذكر اسم الرئيس سعد الحريري، وقال لهم: هذا رئيس حكومتنا وعلينا احترامه واحترام موقعه. ودعاهم الى التصفيق للحريري.
ثم جاء، خلال معاناة تشكيل الحكومة، اللقاء الاول الذي عُقد في «بيت الوسط» وضمّ الرئيس المكلف سعد الحريري الى رؤساء الحكومات السابقين: نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، وكانت العلامة الفارقة، في اللقاء حضور الرئيس نجيب ميقاتي دعماً للرئيس الحريري في مهمته، وتضامناً مع مقام رئاسة الحكومة في ظل محاولات جادة للتعدي على مقامها وصلاحياتها ودورها المحوري في السياسة اللبنانية.
ثمّ تتالت لقاءات زؤساء الحكومة السابقين، والداعمة للرئيس المكلّف، والبعض منها جرى في منزل ميقاتي في بيروت. وكل ذلك أسفر تقارباً أثمر تفاهماً على توزير سنيّ من حصة ميقاتي في الحكومة المنتظرة، وأثمر أيضاً فتحاً لصفحة بيضاء جديدة بين الرجلين على المسرح السياسي اللبناني في ليل الازمة السياسية المستفحلة حالياً في لبنان، وقد أدى ذلك الى تقوية موقع رئيس الحكومة، من جهة، والى ارتياح كبير عمّ الشارع السني، وخاصةً في طرابلس، وبالاخص عند قواعد الرئيسين.
من هو وزير ميقاتي؟
لكن من هو الوزير الذي سيمثّل ميقاتي في الحكومة؟
أُطلقت في سماء طرابلس إشاعات حملت اسماء عديدة اصحابها من غير المسيسين، بل لا علاقة لهم من قريب او بعيد بالعمل العام، فنُظر اليها كبالونات اختبار أطلقها من هم بعيدون اساساً عن مطبخ التأليف، وعن أجواء الرئيسين الحريري وميقاتي. حتى ان موقع «المدن» الاكتروني اعتبر انه في ظل الظروف الحالية لا يمكن ان يكون الاسم المتفق عليه إلا «شخصيّة تحظى بحضورٍ سياسي وشعبيٍ وازنين في طرابلس، يكون عارفًا بحاجاتها، وداعمًا لحقوقها، وصوتها العالي في الحكومة العتيدة والمنتظرة».
أما آلية التفاهم بين الرئيسين فشرحتها أوساط تيار «العزم» لموقع «النشرة» الالكتروني وهي كما يلي:
«لم يضع ميقاتي على الحريري أيّ شرط قد يصعّب مهمته، لا لناحية طائفة أو مذهب المقعد الوزاري، ولا لناحية نوع الحقيبة وحجمها، بل وسّع لرئيس الحكومة المكلّف مروحة الإحتمالات، كل ذلك بهدف تسهيل مهمة التأليف لا عرقلتها». وفي هذا السياق كشفت معلومات «النشرة» أن ميقاتي وخلال لقائه الحريري في الإستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الأخير في مجلس النواب بعد تكليفه، قال له وبصراحة، «خياراتنا مفتوحة ونحن كتلة متنوعة طائفياً، أولاً نحن مع توزير النائب جان عبيد وثانياً مع توزير النائب نقولا نحاس وثالثاً إذا كان المقعد سنياً فسيمثلنا خلدون الشريف».