طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

مأساة نشرات الأخبار التلفزيونيّة في لبنان

ربيع داغر – البترون

إنّ المتابع لنشرات أخبار القنوات التلفزيونيّة العالميّة، يصدمه ما يشاهد ويسمع في نشرات الأخبار اللّبنانيّة، لما فيها من عدم احترافٍ وتحيّز.

وإنّ غياب المهنيّة، واكتظاظ تلك النّشرات الإخباريّة بالقيل والقال، وتضمينها التوجيه السياسي (لا بل الحزبي) الخاصّ بالمحطّة، يدفعنا إلى وصف تلك النشرات بالمأساة.

العناوين الغامضة

خلافًا لكلّ نشرات الأخبار المتعارَف عليها عالميًّا، تبدأ معظم النشرات عندنا بعناوين تحمل معانٍ باطنيّةً قريبةً من المدارس الفلسفيّة السريّة كالغنوصيّة أو حتّى القبلانيّة، بدلًا من أن تكون العناوين – كما هو معهود – اختصارًا للأخبار المشروحة في النشرة.

مقدّمات الأخبار التحليليّة

وفي البداية، هناك بدعة تُستهلّ بها نشرات الأخبار للتلفزيونات الأساسيّة في لبنان، وتدعى “المقدّمة”؛ وكأنّ الأخبار تحتاج إلى مقدّمةٍ، أو كأنّ الشعب اللّبناني من السذاجة بمكان، بحيث يتحتّم على المحطّة التلفزيونية أن توضح له وتشرح له وترشده إلى معاني الأخبار!

وهذه المقدّمات عادةً ما تنضح بالتّحاليل الغائصة في التعقيد والتشكيل والتركيب، لكأنّنا أمام معضلةٍ من معضلات الرياضيّات.

والهدف يكون دومًا نقد طرفٍ لا تواليه المحطّة التلفزيونية أو تريد اتّهامه في متن النشرة والنشرات اللاحقة، لأهدافٍ مكشوفة.

استهلال الأخبار بمأساة

وبعد الجهد الجهيد، والمعاناة التي يتكبّدها المشاهدون، يأتي أخيرًا دور عرض الأخبار، ولكن – عوضًا عن الأخبار – تعمد معظم المحطّأت إلى عرض تقريرٍ، لا علاقة له بالأحداث الحاليّة والمسائل العامّة الحاصلة، ولكن يكون محوره حادثة فردٍ منكوبٍ أو عائلةٍ وقعت فيها كارثة أو حلّت عليها نائبة، كمرض طفلٍ أو سقوط قتيلٍ بحادث سيرٍ أو وقوع جريمة قتلٍ أو اغتصابٍ أو أيًّا ممّا تحوي الحياة من مشاهد الرعب والذعر والفزع…

نشرة الأخبار المشوّشة

والآن، وبعد أن قاسى المتابع من وجع القلب وزاد على همومه همومًا، ينصت لعلّه يعلم ما حدث خلال الساعات الماضية على الساحة المحليّة والعالميّة؛ لكنّ التداخل بين الأخبار المحليّة والدوليّة، والخروج من هذه للدخول في تلك، والعودة إلى الدوّامة ذاتها في آخر النشرة، لا يدع للانتباه فرصةً لترتيب الأخبار أو استيعابها جيّدًا.

ومن جهةٍ ثانية، فإنّ بثّ الأخبار “البايتة”، التي تكون محطّات الأنباء العالميّة والعربية المحترمة قد عرضتها منذ أيّام، يفقد تلك المحطّأت اللّبنانيّة المزيد من المصداقيّة والمهنيّة.

وتأتي الطّامة الكبرى ألا وهي السريبورتاجاتز، التي تصبح مسلسلًا لا تنتهي حلقاته، وترتبط ببرنامجٍ أو أكثر في نفس المحطّة، فيدخل المشاهد في متاهة البرامج المسمّاة سياسيّةً والنّشرات المسمّاة إخباريّة.

إنّ ظاهرة “النشرات الإخباريّة الغريبة” في لبنان فيها تفاوت بين محطّةٍ (ولا أقول “قناة”) وأخرى، ولكنّ تلفزيون “الجديد” مثلًا يتصدّر القائمة…

فهل سيأتي يوم، نشاهد فيه نشرة أخبارٍ عاديّةً وواضحةً ومفهومة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.