طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

لبنان إلى الانتخابات… طرابلس تُقاوم تسلُّل «حزب الله»

يشهد لبنان كلّه، من شماله إلى جنوبه إلى بقاعه، تحضيرات حثيثة تمهيداً للمنازلة الانتخابية الكبرى في 15 أيار المقبل.
وفي كل دائرة من الدوائر الانتخابية الخمس عشرة، على مستوى لبنان كله، هناك في هذه الانتخابات معنى تاريخي حقيقي لا يمكن تجاهله، خاصة في هذه الأيام العصيبة والمصيرية من حياة لبنان.
في ما يلي قراءة في طبيعة المعارك في مختلف المناطق، وفي العناوين التي تحملها هذه المعارك:
الدوائر ذات الغالبية الشيعية
في دائرة البقاع الثالثة (بعلبك – الهرمل)، ودائرة الجنوب الثانية (صور – قرى صيدا)، ودائرة الجنوب الثالثة (النبطية – بنت جبيل –مرجعيون وحاصبيا)، وهي دوائر ذات غالبية شيعية، تُخاض معارك ذات عنوان واحد «مواجهة الهيمنة والاستبداد والقمع والفساد والتسلط والأحادية والابتزاز والزبائنية واستغلال النفوذ والاستقواء والترهيب». انها معارك حقيقية وصادقة وشجاعة تُخاض في هذه الدوائر، في وجه «ثنائي القمع والفساد».
الدوائر ذات الغالبية المسيحية
أما في الدوائر ذات الغالبية المسيحية، فتتخذ المعارك أشكالاً أخرى، فهي تحمل بمعظمها عنواناً مشتركاً وهو «مواجهة العهد الذي قام، مع «تياره»، بتسليم البلد وسيادته بالكامل لفريق خارج إطار الدولة، وساهم بعزل لبنان عن محيطه ومداه العربيين وعن العالم، وأرهق حياة الناس، بالكيدية والنفعية، والأنا المتضخمة والمصالح الخاصة والحزبية، وسرّع في انهيار الدولة ومؤسساتها عبر سياسات «اقتصادية» فاسدة وكارثية، خاصة في قطاع (الكهرباء المهزلة – المسخرة – المنهبة – الدكانة)، ولم يُقدم أي حلّ لأي مشكلة (خارج «الحلول» التي لها وظائف ذاتية لا تنفع إلّا في تعبئة جيوب المقربين والمحازبين والمفاتيح الانتخابية)».
في المقابل، إن أفظع ما يتّسم به خطاب «التيار الوطني الحر» حالياً، هو القول إن المسبب لفشله المريع ولفشل العهد الحالي هو الذي «ما خلّانا نعمل بسبب إمساكه بوزارة المال»، فيما يعقد هذا التيار مع هذا «الذي ما خلّاه» تحالفاً انتخابياً في معظم الدوائر المشتركة، ويخرج علينا رئيس «التيار» جبران باسيل، بديماغوجيته المعهودة، قائلاً: «نحن معهم في قطار، وعندما نصل إلى المحطة يذهب كلّ في طريق». فهل من استخفاف بعقول الناس أكثر من هذا الاستخفاف، وهل من وضاعة سياسية أسوأ من هذه الوضاعة. فإذا لم «يخلوك»، لماذا تتحالف معهم من جديد؟
إفطار حارة حريك
أما إفطار حارة حريك، عند أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، والذي حضره باسيل والوزير السابق سليمان فرنجية، فهو فصل آخر من الاستجداء الباسيلي، مستعيناً بمونة نصرالله، من أجل تحييد فرنجية قدر الامكان في دائرة الشمال الثالثة (زغرتا – الكورة – البترون – بشري)، لمعرفة باسيل بجدية القوى التي يواجهها، والمتمثلة خاصة بلائحة القوات «نبض الجمهورية القوية» وبلائحة معوض «شمال المواجهة».
وقد قيل إن باسيل، في هذا الإفطار، أعطى فرنجية تعهدات كاذبة جديدة، على شاكلة تعهداته الكاذبة السابقة في معراب، والتي كان قد وقّعها، ثم «لحس» إمضاءه قبل صياح الديك.
الدوائر ذات الوجود الدرزي الوازن
في ما يتعلق بالدوائر ذات الوجود الدرزي الوازن، وخاصة في دائرة الشوف – عاليه، فإن المعركة لها عنوان مختلف هو عملياً «الزعامة الجنبلاطية»، وفي كل الأحوال، وأياً تكن النتائج، فهي لن تؤثر بشكل كبير على هذه الزعامة، نظراً لحضور الأخيرة القوي في الساحة الدرزية، من جهة، وللمرونة السياسية للنائب السابق وليد جنبلاط (إن لم نعطهِ توصيفاً آخر)، من جهة ثانية، وللعلاقة العضوية التي تربط جنبلاط بالرئيس نبيه بري، من جهة ثالثة، مما يتيح لجنبلاط مساحة للحركة مستقبلاً مهما جرى.
فالمعركة هناك معركة زعامة محلية، قبل أي شيء آخر. وبالمحصلة يمكن الظن انها لن تكون أكثر من معركة على مقعد النائب المستقيل مروان حمادة في الشوف، علماً ان أرسلان ووهاب قد تركا مقعداً درزياً شاغراً على لائحتهما في قضاء الشوف، وجنبلاط من جهته ترك مقعداً درزياً شاغراً على لائحته في عاليه.
أما المقعد الدرزي في بيروت فتُقرِّر مصيره نسبة المشاركة السنية في العاصمة.
الدوائر ذات الغالبية السنية
في الدوائر ذات الغالبية السنية، وخاصة في المدن الثلاث: بيروت وطرابلس وصيدا، يبدو أن للمعركة عنواناً واحداً هو «مواجهة هيمنة الدويلة ومحاربة الفساد».
ولا شك ان اعتكاف الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل»، لجهة الترشيح، قد أرخى بثقله على الساحة السنية، نظراً للحضور الذي مثله هذا «التيار»، خاصة بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري.
لكن ما العمل؟ هل تُترك الساحة لحلفاء «حزب الله»؟
بيروت
في دائرة بيروت الثانية لن تكون مهمة إنجاح شعار «مواجهة هيمنة الدويلة ومحاربة الفساد» سهلة جداً، نظراً لقلة الرموز السياسية في العاصمة، إذ كان الحريري هو القوة الأساسية والمحورية فيها.
لكن هناك محاولات جادّة وحثيثة لتشكيل سدّ، يمنع إلغاء الروح السياسية للمدينة وإسقاط قدرتها على تحقيق توازن وطني فعلي. ومن هذا المنطلق تم تشكيل لائحة «بيروت تواجه» برئاسة الوزير السابق خالد قباني.
صيدا
وبالنسبة إلى صيدا يسعى المسؤول السابق في تيار «المستقبل» يوسف النقيب إلى ملء الفراغ الذي تركته النائبة بهية الحريري، عبر لائحة «وحدتنا في صيدا وجزين» التي يرأسها ويتحالف فيها مع «القوات اللبنانية» في جزين، علماً أن هناك ثقلاً صيداوياً أساسياً آخر يتمثل بلائحة «ننتخب للتغيير»، التي تضم عن المقعدين السنيين في صيدا النائب أسامة سعد والدكتور عبدالرحمن البزري.
وستكون مهمة هاتين اللائحتين المجابهة على جبهتين: جبهة «العهد الفاشل» من جهة، وجبهة الذين «ما خلّونا» من جهة ثانية.
طرابلس
أما في طرابلس ودائرة الشمال الثانية، فلقد ضيّع «المجتمع المدني» و«المنادون بالتغيير» فرصة العمر، بسبب عدم توحّدهم حول مشروع واحد ورؤية واحدة وبرنامج واحد، وبسبب عدم قدرتهم على نسج تفاهم مشترك يحدد الأهداف، التي يحتاج تحقيقها إلى التخلي عن الأنا، من أجل الكل وفي سبيل القضية.
فتشرذمت هذه القوى وانتشرت على عدة لوائح، مما أضعف إمكانية الخرق وبالتالي ضيّع فرصة التغيير، إذ لا يمكن الذهاب إلى معركة مشتركة وربحها، فيما كل طرف يأخذ اتجاهاً مغايراً عن اتجاه الطرف الآخر.
ومن هذا المنطلق يبقى التعويل على كثافة الاقتراع وعلى رفع الحاصل، وعلى ان تنتخب طرابلس والضنية والمنية بنَفَسٍ سياسي مصيري، وأن يدرك ناخبو دائرة الشمال الثانية ان اقتراعهم له قيمة عالية، علماً أن هناك لوائح عديدة موجودة في دائرة الشمال الثانية قد رفعت بوضوح شعار مواجهة هيمنة الدويلة وتسلُّل «حزب الله»، من جهة، ومحاربة الفساد، من جهة ثانية.
المهم الآن هو ان تبقى طرابلس عصيّة على من يريدون مصادرة قرارها، وتجيير هذا القرار لصالح محور التدمير والاستقواء والفساد، بكافة أنواعه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.