من يريد شطب السنّة من المعادلة الوطنية؟
كان رياض الصلح يتنقل بين جنيف، حيث كان يدير مكتباً الى جانب شكيب ارسلان والشيخ رشيد رضا، لمتابعة المفاوضات الاوروبية حول مستقبل المشرق العربي، وبين فلسطين، ساعياً عبر اتصالاته للحدّ من توسّع اليهود شمالاً، وبين سوريا لإقناع قيادتها الوطنية بالتخلّي عن المطالبة بضمّ طرابلس الى الدولة السورية التي كانت على وشك الولادة، وبين القيادات الفرنسية ومن ثم البريطانية، من اجل انجاز الاستقلال اللبناني، وهو ما ظفر به بعد إصرار المندوب الإنكليزي على ذلك ورغم انف الفرنسيين.
وبعد سنوات، قُتل رياض الصلح في الأردن، وقيل أن من قتله هم من السوريين القوميين الاجتماعيين، إثر إعدام زعيم حزبهم انطون سعادة، بعد اتهامه بالتمرد ومحاولة قلب النظام.
ولم يُشطب السنّة من المعادلة الوطنية.
في خمسينيات القرن الماضي، هبّت رياح القومية العربية مع الرئيس جمال عبدالناصر. وبرز الزعماء السنة من جديد. فهم الامتداد الطبيعي للامّة الكبرى والبيئة الحاضنة للقضية المركزية. نزل صائب بك سلام الى الشارع، واعتلى منبر البرلمان تُزيِّن ياقته القرنفلة، رجولة وأناقة. تظاهر ضد المكتب الثاني وخاض مع الخائضين الثورة ضد الرئيس كميل شمعون، وفرض نفسه رجل وحدة وطنية للخروج من الأزمة. وبعد سنين عديدة، تمّ طرده من بيروت واختزال كل تاريخه، لأنه في مكان ما رفض احتلال النظام السوري للبنان ولعبه بالمعادلات فيه.
ولم يُشطب السنّة من المعادلة الوطنية.
في الشمال، كان الرئيس رشيد كرامي يحافظ على إرث العائلة الوطني. وحدة لبنان اولاً والتحاور مع السوري ثانياً والبعد العربي دائماً. قائد لمدينة طرابلس، يلاعب الاحزاب والقيادات الفلسطينية والحركات الإسلامية، يراقب ويحتسب ويتنهد ويقول جملته الشهيرة «لعمري ان الوضع صعب». جمع بيض لبنان، وجلس عليه علّه يفقس يوماً ما، فانفجر تحته لغم في طائرة هليكوبتر.
ولم يُشطب السنّة من المعادلة الوطنية.
كان الرئيس السوري حافظ الاسد يحافظ على توازن دقيق في المعادلات مع مصر والسعودية. توازن حفظ الوضع الاقليمي في حدوده الدنيا، وحفظ وضع الطائفة السنية في لبنان. أتى رفيق الحريري لإعادة إعمار لبنان، في وقت كانت تهبّ رياح السلام على المنطقة. أتى محمّلاً بالمال السعودي والرؤية العربية، حول ضرورة انتاج قيادات سنية تستطيع مقارعة المتطرفين الإسلاميين الذين بدأوا يتمددون بقوة في المنطقة، وكان بظهره دعم غربي وشرقي قلّ نظيره. حاول جاهداً ان يعيد بناء الدولة، لكنه أدرك أن الرئيس الأسد بدأ استراتيجية مختلفة، تبدأ في طهران وتنتهي في لبنان، وأهمّ أسبابها الاستمرار في السيطرة على الحكم. تمّ قتل رفيق الحريري بألفَي كيلوغرام من المواد المتفجرة.
ولم يُشطب السنّة من المعادلة الوطنية.
فأبناؤها، وأبناء الطوائف الأخرى، نزلوا إلى الشارع، وأجبروا، بعد ضغط اميركي قوي، الرئيس السوري بشار الأسد على الانسحاب من لبنان، وهو حلمٌ لم يظن أحد أنه قابل للتحقق. ولم يخالف الاجماع اللبناني إلا «حزب الله» والمنضوون تحت عباءته، وهم ليسوا قليلين.
بقي السنّة في قلب المعادلة الوطنية كما كانوا دائماً.
ماذا حدث بعد ذلك؟
هل هو التصدّع الإقليمي، تحت ضغط التمدّد الايراني؟ هل هو احتلال سوريا وتشريد أهلها؟ هل هو ضرب العراق ضامن التوازنات التاريخية؟ هل هو خيار استراتيجي أميركي بإضعاف أتباع هذا المذهب وشيطنتهم ومحاربتهم بعد التمادي في لصق تهمة الارهاب بهم وتعميمها. هل هو تحالف ما في لبنان يريد إعادة رسم السلطة فيه على حساب السنة؟ أم هي قيادات ضعيفة وتائهة وتابعة، لا تملك من أمرها شيئاً. أم أن ما حدث هو كل هذه الأمور مجتمعة.
المهم، هو أن الطائفة السنّية صارت اليوم خارج المعادلة الوطنية.