«الورم الانتخابي»
أريد ان أبدأ مقالي بما اعتبره في غاية الأهمية، وهو أنه بالرغم من كل شيء، وبالرغم مما سأكتبه في ما يلي، على الجميع التوجّه إلى صناديق الاقتراع، والإدلاء بصوتهم في الصندوق.
نحن نعيش في منطقة، تتميز بخنق حرية الرأي، وفي كثير من بلدانها مجرّد تفكير المواطن بانتقاد أو معارضة أو مخالفة رأي الزعيم الوحيد المفدى بالروح والدم، قد يودي به إلى السجن والتعذيب وربما الموت.
الحق يقال إن لبنان فريد من نوعه، في منطقة معظم نتائج انتخاباتها تكون أعلى من 90%.
بعد هذه المقدمة، أبدأ بما يدلّ عليه عنوان المقالة «الورم الانتخابي».
طرابلس، «عروس الثورة»، واقعها كالآتي:
– جبل النفايات المسرطن علّوه حوالي 40 متراً.
– الكهرباء مقطوعة إلى ما تسببه من انقطاعات في الماء وغيرها.
– وصول الفقر والعوز إلى درجة رؤية أناس يفرغون مستوعبات النفايات.
– الطرق كلها حُفر وحفريات.
– أرصفة مكسّرة.
– أدوية، إذا وُجدت، أسعارها خيالية.
– مستشفيات تطرد المرضى.
– الجامعة الوطنية المجانية مضربة.
– أسعار المحروقات خيالية، وسوق سوداء.
– أسعار الأغذية مخيفة.
– المصارف…أخ… أخ… أخ…!!!
– إلخ… إلخ…
في هذه الأثناء، بلغ عدد اللوائح في «عروس الثورة» 11 لائحة. أما عدد المرشحين في دائرة الشمال الثانية فبلغ 141 مرشحاً.
أما الأهم، بل المضحك المبكي، إذا قرأت «برنامج» كل لائحة وكل مرشح، يُخيّل إليك أن كاتب هذه البرامج هو نفس الشخص… فالبرامج كما يقال «نسخ ولصق» تغوص في بحر من العموميات والنوايا الحسنة، وهذا بيت القصيد.
وهنا نتساءل: «شو القصة!؟»، هنا يبرز لبنان الحقيقي، الذي هو مثل جبل الثلج العائم (Iceberg)، الظاهر منه أقل بكثير من المستور.
نحن بلد طائفي، وهذه الحقيقة ليتها لم تكن، لكنها الحقيقة، وفي هذا البلد ثلاثة أحزاب رئيسية عدداً، وحواشي تدور حولها. الأحزاب الثلاثة: حزب مسيحي، حزب شيعي، وحزب سني. وداخل هذه الأحزاب الرئيسية هناك معارك يتنافس فيها وجهاؤها على من يستلم زعامة الطائفة (عفواً، الحزب) ومنهم من هو مستند إلى تاريخ ورثه ويجدده مستقبلاُ لأبنائه، كذلك منهم زعيم جديد أخذ مكان الزعيم السابق الوارث، والذي أيضاً يُخطط لتوريث ولاية عهده لابنه أو صهره.
هذا وضع البلد، ما عدا الطائفة السنية، التي أسمح لنفسي القول إن أغطيتها قد طارت…!!!
وطرابلس، بكل صراحة، عيّنة عن هذا الوضع.
وهكذا يا قارئي العزيز، أصبح عندنا «ورم انتخابي»، لأن ما يسمونها «الثورة» لم تنتج زعيماً من نوع لينين، داخل حراكها الرومانسي المفعم بعاطفة «كلن يعني كلن» (إلّا… واحد منهم أحبّه!!!)
وفي النهاية أعود إلى مقدمة مقالي: يجب التوجّه إلى صناديق الاقتراع. هذا واجب مقدس لأنها المرة الوحيدة التي يتودد فيها المرشح إلى الناخب.
ولكن… ولكن… إذا كنت مثلي، يعني حالتك تعبانة مادياً، لكن لم تفطس بعد، وما زلت تستحلب بعضاً من نقودك وتدبّر أمرك، احمد الله، وانتخب حسب ضميرك، لأن بين المرشحين من هو جيد ويستحق ثقتك.
أما إذا كنت، لا سمح الله، ممن أخذ يقترب وضعهم من مستوعبات النفايات، أو أحسست أنك اقتربت من هذا الوضع، أو وصل سكين الدولار إلى حبل وريدك، عندها أنصحك بكل صراحة ان تبيع صوتك غالياً قدر الإمكان، ولكن… لكن… إنتبه إنتبه… ضع في الصندوق ورقة عبّر فيها عن رأيك بصراحة، مطبقً مبدأ «الضرورات تبيح المحظورات».
والله وليّ التوفيق.