طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

لماذا لم أترشح للنيابة؟

من خلال تجربتي السابقة كمندوب عن وزارة الداخلية، وأحياناً عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ومن خلال مُشاركتي في اللجان النيابية المختلفة، وحتى مع اللجان المُشتركة، أدركت تمام الادراك من خلال ثقافتي القانونية، ومن التجارب الميدانية، ان المجلس النيابي يصدر قراره من فوق أي بالتوافق بين الكتل النيابية، وبالتلي طرح النقاش في اللجان حول مضمون القانون وغاياته، ليست سوى آلية – كي لا أقول مسرحية – يُمكن للنائب طرح رأيه القانوني والهادف، لكن ما هو متفق عليه لن يتوقف أمام هذه المداخلة أو تلك، إذ يمكن إذا كثرت الآراء المخالفة، ان يرفع رئيس اللجنة الجلسة للمزيد من التشاور وتحديد موعد آخر للمناقشة، ولا أغالي إذا قلت يبقى ما أتُفِقَ عليه هو الذي سيُقر، وفي الجلسة العامة، أسهل كلمة هي «صُدِّق». وإذا انحشرت الكتل النيابية في الهيئة العامة، يُسحب المشروع أو الاقتراح ويُعاد إلى اللجان المختصة! كم وكم من المتابعين قد هللوا وانتظروا ولادة قانون «السلطة القضائية» الذي يُتيح لهذه السلطة، ان تتجسد استقلاليتها وفق المادة 20 الدستور، وإذ بسحر ساحرٍ سحب المشروع، وعاد إلى الأدراج. وقانون «الكابيتال كونترول» ومسيرته السلحفاتية منذ بداية تحرك 17 تشرين، ولا يزال قيد التمحيص والدراسة، إذ على ما يبدو هناك فئة من الطبقة السياسية والنافذة، لم تستكمل سحب أرصدتها من المصارف! بربكم كفى غش الناس يكفي انكم سرقتموهم، ولماذا لا تصارحون الناس بما ارتكبتم من جرائم بحقهم، وحق أولادهم ومستقبلهم في هذا البلد!
تُرى هل أقبل على نفسي الترشح ودخول البرلمان، وأنا مُدرك إنطلاقاً من تلك التجارب بأنني لن أستطيع تغيير أي شيء ولن أسمح لنفسي ببيع الوعود لمن سينتخبني في حال فزت عن دائرة الكورة، بل أفضل طريقة وجدتها هي عدم الترشح، لأن الواقع ينطبق عليه مقولة «فالج لا تعالج» والتغيير لا يمكن إلاَّ من خلال تغيير ما بالأنفس كما تقول الآية الكريمة.
أنا لا أريد ان أزرع اليأس في نفوس المتطلعين لبلوغ الخلاص من هذا الواقع، لأن الحلم شيء والواقع شيء آخر. فعلاً نحن في الشمال وفي كل لبنان سنبقى رازحين تحت تداعيات ما حصل في لبنان، وانهيار الليرة اللبنانية، ويبقى المواطن همّه الأساسي كيف يؤمن حياته بالحد الأدنى! وعلى هذا الأساس نقول إذا حصلت الانتخابات في موعدها، سيتفاجأ المراقبون بتدني نسبة المشاركة في التصويت – إلاَّ في حالة ظهور الفريش دولار – لأن الناس كفرت ولم يعد لديها الحد الأدنى من الثقة بأن المجلس الجديد سيقيم لبنان من كبوته، حيث يعيش لبنان موت سريري، وفق التوصيف الطبي للإنسان الموجود في غرفة العناية، قلبه ينبض لكن أعضاءه البيولوجية في حالة توقف! ليكن الله في عوننا جميعاً، ولننتظر معجزة ربانية للنهوض بلبنان، لكن وبصراحة قد تكون مؤلمة، لا بارقة أمل بالنهوض طالما ان النسق السياسي سيبقى على حاله، وأختم بالقول «من جرَّب المُجرب كان عقله مُخرب». فعلاً نحن بحاجة إلى تغيير جذري في تفكير الناس، لكي يصل إلى البرلمان، من يريد فعلاً مصلحة لبنان وشعبه، لا ان يكون هدفه المحاصصة وتبادل المنافع بين الكتل النيابية. اليد الواحدة لا تُصفق، ولهذا اعتذرت عن الترشح.
في الختام أتمنى ان تُفهم مصارحتي هذه بأنها قناعة شخصية، متمنياً من الله ان أكون مُخطئاً في استشرافي للمستقبل داخل البرلمان لا سيما لجهة إعلاء مصلحة لبنان العليا على المصالح الفئوية والمناطقية! راجياً من الله ان لا يُترك لبنان وشعبه الطيب في مصيره القاتم، والمستقبل الضائع، لأن غالبيتنا تؤمن بك يا الله وبقدرتك على خلاصنا.

*رئيس هيئة الأركان الأسبق في قوى الأمن الداخلي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.