طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

المستثمر… في زيارة المدينة

المال جبان والدولة مفلسة وهذه فرصة للاقتصاد الحديث الذي أساسه النشاط الفردي والابتكار.
قصة خيالية:
سمع المستثمر، من بلاد ناجحة وبعيدة، ان على البحر المتوسط مدينة جميلة في موقع مميّز، يربط البحر بالداخل البري لعدة بلدان، وأنها مدينة تفوح منها رائحة طيبة، بفضل أشجارها، وانه من حُبّ أهلها للعلم دُعيت مدينة العلماء.
قرر المستثمر التعرّف عليها، علّه يفيدها ويستفيد منها، فذهب إلى مكتب السفريات في بلده، طالباً تذكرة سفر إليها، فقيل له إن لا مطار فيها، وإن عليه الذهاب إلى العاصمة، ومنها إليها. فاغتبط فرحاً مفكراً ان مشروع مطار سيكون من أول اهتماماته.
وصل صاحبنا إلى العاصمة وهناك سأل عن محطة القطار للذهاب إليها، فكان الجواب أن القطار ومحطاته توقفا منذ عشرات السنين، ولكن هناك مديرية عامة للنقل تُشرف على المحطات والقطارات المتوقفة، وهنا سال لعابه وقال: بعد المطار لا بد من تشغيل ما توقف من محطات وقطارات وسيكون لهذا مردود عالٍ.
استقلّ سيارة أجرة، من المطار إلى مدينة أحلامه، راجياً السائق ان يوصله إلى أحسن فندق فيها، فأجابه السائق أن الفندق مغلق، وأقرب فندق للمدينة في منتصف الطريق، على بعد عشرات الكيلومترات. وهنا أيضاً، جال في ذهنه الربح الوفير الذي سيجنيه إذا استثمر ماله في فندق حديث.
في الطريق من العاصمة إلى المدينة المنشودة، أخذ يحلم بالمشروع المتكامل، الذي يجمع المطار ومحطة القطار والفندق، لجلب السياح، لزيارة آثار المدينة والتمتع برائحتها الفائحة العابقة.
وحين اقتربت السيارة من المدينة، بدأت تهتز وتنطّ فسأل عن السبب، فأخبره السائق أن الأوادم الذين شقوا الطريق الدولية جعلوا فيها حُفراً ومطبات للحدّ من سرعة السيارات الوافدة، حفاظاً على السلامة العامة.
وأخيراً وصل صاحبنا إلى منتجع قريب من المدينة ليمضي ليلته الأولى، وأراد ان يستمتع بنزهة على شاطئ البحر، فقيل له إن الكهرباء ستنقطع ليلاً وعليه ألا يبتعد كثيراً، فعاد باكراً واستلقى على فراشه يحلم بكل هذه الأشياء، وانقطع التيار الكهربائي، وفجأة سمع هدير مولد الكهرباء، ورائحة المازوت تملأ غرفته، فنام…
في الصباح استقلّ تاكسي متوجهاً إلى الفيحاء، وكلّما اقترب منها اشتمّ رائحة غريبة تفوح وتملأ رويداً رويداً أنفه. فسأل عن السبب، فأُجيب إنه جبل عمره أربعون عاماً وعلوّه حوالي أربعين متراً، أقامته بلدية المدينة المنتخبة من سكانها للدخول في مجموعة غينيس للأرقام القياسية، فابتسم صاحبنا وقرر التجوّل في المدينة فوجد أرصفة مكسرة، وحُفراً عميقة، وعواميد إشارات سير مخلوعة، وكبائن هاتف لا زجاج لها ولا هواتف فيها، إضافة إلى سيارات تسير بعكس الاتجاه المقرر، الخ…. الخ.
وأخذ يتساءل هل هو حقاً في مدينة العلم والعلماء فقيل له: نعم قم بجولة داخل الأسواق القديمة، وسترَ آثارنا الدالة على من نحن.
فدخل ليشهد ما تبقى على ضفاف نهر تحوّل إلى مزبلة جارية، إضافة إلى آثار مهملة تنعى من بناها، فتعجب لما جرى للعلم، وقرّر مغادرة المدينة.
وقبل مغادرة المدينة نصحه أحد الناشطين، علّه يغيّر رأيه، بزيارة أحدث معلم في المدينة، والذي له دلالة على أن المدينة تنظر إلى المستقبل بأمل كبير، والمعلَم هو التحفة التي بناها أحد أهم مهندسي العصر الحديث، إنه المعرض، فسرعان ما اكتشف أن هذا المعلم بدوره يتهاوى ويندثر لعدم الصيانة. فذهب إلى المنتجع ليأخذ قسطاً من الراحة. وفي هذه الأمسية الأخيرة له، سمع إطلاق نار كثيفاً كأنه هجوم صاعق على المدينة، فهرول يختبىء متعجباً أنه كان الوحيد المضطرب فيما لا أحد غيره كان يحتاط أو يلجأ إلى ملاذ، وعندها علم ان سبب إطلاق النار قد يكون متعدداً: إما ان بعضهم يفرح بزفاف، أو يحزن لموت، أو يحتفل بنجاح… والله أعلم. تعددت الطلقات والرصاص واحد.
عندها فهم صاحبنا الواقع، وقفل راجعاً، لا إلى بلده، ولكن إلى مدينة منتصف الطريق بين العاصمة ومدينة الروائح، وقرّر ان يستثمر فيها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.