طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

د. مصطفى علوش: برنامج سياسي واقتصادي

في النظام والدستور
إن القاعدة الممكنة لوحدة لبنان ما تزال ترتكز على استكمال بنود الدستور الذي أُقر في وثيقة الوفاق الوطني في الطائف. هذا يشمل ما هو مرتبط بإنشاء مجلس شيوخ والتوجه نحو إلغاء الطائفية السياسية على مختلف المستويات بعد بحث معمق في طريقة الوصول إلى هذا الهدف. من هنا، فإن استكمال بنود الدستور يكون أيضاً بتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة لضمان تسريع الخدمات للمواطنين وإعطاء أدوار مركزية للسلطات المحلية لتخطي الإهمال المركزي وبطء التجاوب مع الحالات الملحة بسبب الروتين الإداري. إن مسألة الفيدرالية التي قد يتحدث عنها البعض كمخرج للانفصال العمودي الوطني في المسائل الأمنية والسياسية الأساسية، يجب أن تكون محوراً لحوار وطني – دولي يؤدي إلى حصر سلطة استعمال السلاح في السلطة الشرعية لكون هذا الأمر الأساس الأول لنشأة الكيانات السياسية. عدا ذلك، فإن كل الأمور تبقى مفتوحة لحوار في ظل استقرار وطني خال من الهيمنة الأمنية من قبل أي من القوى المحلية أو الدولية.
إن النظام الديمقراطي البرلماني هو أساس النظام السياسي في لبنان ومن الواجب تطويره ليضمن صحة التمثيل والمساواة بين المواطنين. إن ضمان وجود معارضة وازنة وصلبة في البرلمان هو السبيل الأمثل لضمان المحاسبة وضمان تداول السلطات. كما أن ضمانة الديمقراطية هي حرية الفرد في الاختيار، تأليف التجمعات السياسية المدنية ورفض أي ضغوطات مذهبية أو طائفية أو ترهيبية. إن أي قانون انتخابي لا يراعي التوجهات لتخطي منطق العشائر الطائفية والمناطقية يبقى قاصراً عن تحقيق مبدأ الديمقراطية الصحيحة.
إن لبنان بلد عربي يرى في مصالحه وتاريخه أن الالتزام بهذا البعد الثقافي ضمانة إقليمية ودولية لوجوده من خلال التعاون المتبادل والمصالح المشتركة ومن خلال المساهمات العديدة في إنماء ومساعدة لبنان على مدى عقود. لذلك فإن لبنان لا يمكن أن يخون تاريخه ومستقبله ولن يكون إلّا سنداً وحليفاً لمن وقف معه في أوقات محنته.
إن حل الميليشيات المسلحة، أكانت داخلية الولاء أم خارجية، هو عدا كونه جزءاً من الدستور اللبناني، لكنه أيضاً منصوص في القرارات الدولية المرتبطة بلبنان. إن هذا الأمر ممكن بالتوافق إن صفت النيات من قبل قادة الميليشيات، لكن إن لم يتم التوافق فهذا يعني الذهاب إلى حلول جذرية الطابع لفصل سلطة الميليشيات عن رافضيها.

الاقتصاد والمال
النظام الاقتصادي الحر المتحرر من هيمنة السلطة والمتسلطين هو الركيزة الأولى لخروج لبنان من حال الانهيار الاقتصادي إلى احتمال الازدهار. لكن هذا النظام يحتاج إلى التخلص من المعوقات الإدارية والقضائية والفساد الفاقع والمذهبية والطائفية. في لبنان مقومات وميزات هائلة تمكننا من الخروج من كبوتنا الكبرى نحو الازدهار، لكن ذلك يحتاج إلى سلطة شفافة ومتخصصة وخلاقة قادرة على استنباط الحلول واستغلال عناصر القوة المتاحة.
إن مسألة علاج الوضع المالي المنهار من خلال الخطة المطروحة من قبل الحكومة (كابيتال كونترول) تسودها شوائب عديدة وخطيرة تجعلها قاصرة عن الحلول الناجعة. إن الشريك الأول في تحمل الخسائر يجب أن تكون الدولة مع المصارف وذلك لضمان إعادة الثقة بالاقتصاد وإعادة السيولة بيد المواطنين لتمكينهم من تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. إن جملة من التعديلات على مشروع القانون يمكنها أن تجعله أكثر قبولاً وفائدة لانطلاقة جديدة. لا جدوى من إرضاء «صندوق النقد الدولي» من أجل قروض محددة إلّا إذا كان الهدف إطلاق عجلة الاقتصاد.
إن الاستقرار السياسي والتشريعي والقضائي والأمني هي ركائز ضمان الاستثمارات، والأجدى هو علاج هذه الأمور حتى تعود تلك الاستثمارات للاستفادة من الفرص المتاحة، وبالتالي فتح باب العمل للمواطنين.
إن طرابلس بالذات يمكنها بمنشآتها الكثيرة غير المستغلة أن تتحول إلى حاضنة للاقتصاد والأعمال في حال تأمين التشريعات اللازمة لتفعيل تلك المنشآت بشكل لامركزي عن طريق التعاقدات مع مؤسسات مالية استثمارية يمكنها تغطية النقص الوطني في التمويل مع ضوابط قانونية تضمن مصالح لبنان. يمكن هنا تعداد بعضها المعروف من المرفأ والمنطقة الاقتصادية الخاصة والمعرض الذي يحتاج إلى تبديل وجهة دوره ومجرى «نهر أبي علي» والمنشآت الرياضية والجزر والواجهة البحرية والأسواق الداخلية والإرث الثقافي… كلها يمكن أن تكون مدخلاً لتغيير وجهة الاقتصاد المحلي وربطه بلبنان والعالم إذا تحلينا بحسن الإدارة والاقدام.
اعتماد جدي وشفاف وحر لمبدأ الشراكة بين القطاع العام والخاص في كل القطاعات الخدماتية والإنتاجية لجعل المواطن شريكاً في الحفاظ على المؤسسات ومراقبة النوعية ووضع مبدأ التنافس المراقب بدقة كقاعدة للشراكة مع القطاع الخاص. هذا يشمل الطاقة والمياه والمواصلات والاتصالات وغيرها من الأمور الممكنة.

التعليم
– لا يوجد أولوية تفوق هذا القطاع، فهو الملاذ الوحيد لتغيير مستقبل الأبناء والخروج من الدوران في حلقة الفقر واليأس المفرغة. من هنا فالدأب يجب أن يكون على تأمين التعليم وضمانه منذ المراحل الأولى وإنشاء حضانات متخصصة في المناطق الشعبية لتأمين أفضل الظروف لدخول الأولاد إلى مراحل التعليم الابتدائي. كما يجب تأمين وسائل الدعم المدرسي ما بعد الدوام في تلك المناطق لإعطاء الفرص الممكنة للأولاد بدل الإهمال.
– النهوض بالتعليم بمختلف مراحله ومراجعة وتصحيح الأخطاء المميتة ووضع هذا القطاع تحت المجهر الإصلاحي الأكاديمي.
– تحرير «الجامعة اللبنانية» من السلطة السياسية واتباع المعايير الأكاديمية دون غيرها في التعيين والترقية.

الرياضة
بعيداً عن الحديث عن دور الرياضة في المسائل الترفيهية والشبابية والصحية، وهي مسائل شديدة الأهمية، لكن الرياضة يمكن أن تكون مجالاً رحباً للمداخيل ولإعطاء الفرص للموهوبين للترقي وتحقيق إمكانياتهم. من هنا فعلى السلطات أن تقوم بدورها في البحث وتأطير المواهب وتوجيهها إلى تعليم وصقل للمهارات بشكل مميز من خلال معاهد متخصصة.
هذه المعاهد يمكن أن تشكل أيضاً مدخلاً للسياحة الرياضية التي قد تجلب العديد من الفرق العربية والدولية لإقامة المعسكرات الرياضية تحت إشراف مدربين وأطباء ومعالجين فيزيائيين. المنشآت الرياضية المهملة في طرابلس قد تكون الأكثر تأهلاً لهذا الدور.
– إعادة مادة الرياضة كمادة إلزامية في المدارس، إلّا في حال وجود موانع صحية. هذا يستدعي إصلاح وتأهيل وإنشاء ما يلزم من ملاعب ومعدات في المدارس الرسمية.
– دعم ومراقبة النوادي الرياضية الشعبية بناءً على التزامها بالقواعد الرياضية الصحية ومنع استعمال المنشطات والهرمونات بكافة أصنافها وتجريم مستخدميها.
– إعادة النظر في تركيب الاتحادات الرياضية ومراجعة صحة مسارها ووجودها والتعاون مع الخبرات الدولية بهذا المجال.
– تحرير الشواطئ من التعديات وصيانتها لتكون مسابح عامة حسب الإمكان والمتاح.

القضاء
– تحرير سلطة القضاء بشكل كامل من السلطة السياسية واستعمال معايير دقيقة في هذا السلك من حيث التعيينات والترقيات.
– إعادة النظر في إصلاح شروط الانتساب لنقابة المحامين مع توحيد المعايير بين النقابتين في مسائل قبول الانتساب.
– تطوير السجون وتحسين الظروف فيها وإيجاد حل سريع لقضية المسجونين العالقة عن طريق عفو عام معدل حسب تصنيف الجرائم والتهم.

القطاع الصحي
– توحيد كامل الصناديق المرتبطة بالدولة بخصوص قطاع الاستشفاء والطبابة والأمومة ووضع معايير موحدة بخصوص الاستشفاء بهدف أرشفة ومكننة موحدة وتخفيف الهدر وزيادة قدرات المستشفيات الحكومية على الاستيعاب بالتوازي مع التعاقد مع القطاع الخاص على أساس جودة الخدمات الصحية.
– تشجيع ودعم صنع الدواء في لبنان مع مراعاة دقيقة للشروط العلمية الدولية ووضع الصناعة تحت رقابة سلطة علمية مستقلة.
– إنشاء «هيئة رقابة الغذاء والدواء» بإدارة مستقلة عن السلطة السياسية.
– توسيع قدرات مراكز الرعاية الأولية انتشاراً ونوعية مع وضعها تحت رقابة جدية وتشجيع دور اختصاص طب العائلة ليأخذ دوراً محورياً في الرعاية الأولية.
– اعتماد الدواء «الجنريك» وتنويع المصادر مع الالتزام الكامل بشروط السلامة والجودة الدوليين.
– العمل على إعادة مستوى الطبابة والاستشفاء إلى حد المقبول وما فوق من خلال محاولة استعادة القدرات المهاجرة ووضع معايير علمية وأكاديمية صلبة لمنح إجازات معاطاة المهن الطبية واعتماد هيئة مستقلة علمياً لإدارة هذا الأمر.
الإدارة
– اعتماد مبدأ التعاقد الوظيفي في معظم القطاعات والمحاسبة المستقلة بناءً على الإنتاجية والاستقامة من خلال سلطة رقابية مستقلة عن السلطة السياسية.
– إخضاع مؤسسات الدولة وحساباتها للتدقيق المالي الخارجي وهو مشروع موجود أصلاً في أدراج المجلس النيابي (مرسوم رقم 17053 المادة 73).
– تحرير سلسلة الرواتب والأجور من الفوضى الشعبوية السياسية وربطها بالكفاءة والإنتاجية الفردية مع مراعاة مسألة القدرات المالية للدولة. (قانون رقم 717-1998 العودة إلى المواد المحذوفة من المشروع 5-7-8-9-10).
– الإصرار على جلسات مساءلة أسبوعية للحكومة بهدف ضمان الشفافية.
– إعادة النظر بكل الصناديق الخاصة ومعها مشاريع الهدر والمؤسسات غير الموجودة ووضع حلول نهائية لها.
– وضع جهاز أمن المجلس النيابي تحت المجهر وتحريره من السلطة المستولية عليه وإعادته إلى سلطة الأجهزة الأمنية المختصة.
– مكننة شاملة لإدارات الدولة وذلك لتسهيل المعاملات من جهة وقطع دابر الفساد في الدوائر الحكومية.
-اعتماد المكننة لامتحانات «مجلس الخدمة المدنية» وإنشاء بنك الأسئلة لتفادي التسريب والمحسوبيات.
معالجة الفائض والنقص في الإدارات العامة من خلال رؤى وخيارات ثورية ترفع الإنتاجية وتخفف الأعباء وتعطي فرصاً للكفاءات.

حول الثروات المكدسة والمال المنهوب
– ليس من الصعب العودة إلى بحث مصدر ثروات السياسيين ومن يدور في فلكهم من محسوبيات أدت إلى نهب منهجي للمال العام والأموال الممنوحة كمشاريع إنمائية. إن تطبيق القوانين المرتبطة بالإثراء غير المشروع وتطويرها وتحريرها من السلطة السياسية سيكون مطلباً أساسياً لتصحيح الخلل القاتل في الاقتصاد والمال العام. إن ضرورة المحاسبة بمفاعيل رجعية وبشفافية وحيادية كاملة لتفادي الاستهداف والاستفراد السياسي. إن هذا الأمر قد يتمكن من استرداد بعض المال المنهوب، لكن الأهم بأنه سيشكل عبرة للمستقبل ويفضح من يعتبرون أنفسهم خارج المساءلة.
– إن النظام الضريبي والإداري يجب أن يتوجه بشكل دؤوب نحو تأمين الفرص للطبقات الأكثر حاجة بما يراعي مبدأ الإنصاف. لكن هذا يجب أن يبقى في إطار الدعم الاجتماعي الذي لا يمنع مبدأ التنافس، لكنه يجعل من التنافس العادل أقرب إلى التحقق. ما يدخل في هذا الإطار هو الطبابة والاستشفاء والحق في التعلم وتطوير المهارات والدعم الاجتماعي والتمييز الإيجابي المدروس تجاه الفئات المهمشة.
– جعل مسألة القروض السكنية أولوية قصوى وإيجاد حل نهائي ومنصف لقضية الديون الإسكانية العالقة والإيجارات بما يراعي التوازن بين الفئات المستهدفة.
– إيجاد حلول منصفة لقضايا البناء غير القانوني كما تحرير الأملاك العامة والبلدية من التعديات.
– إعادة تقييم مسألة التعديات البحرية والبرية وإعادتها بشكل تدريجي كملك عام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.