طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

لمناسبة يومها العالمي في 18 كانون أول… اللغة العربية وعصر العولمة والمصير: لا خوف عليها

تحتفل بلدان العالم الناطقة بلغة الضاد، فضلاً عن الأسرة الدولية في «منظمة الأمم المتحدة»، بـ «اليوم العالمي للغة العربية»، في 18 كانون الأول من كل عام.

بقرار من الأمم المتحدة

وقد تحدّد الإحتفال، بهذا اليوم المميز والتاريخي، بناءً على قرار إتخذته «الجمعية العامة للأمم المتحدة» في نيويورك.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو:

لماذا اختارت «الأمم المتحدة» هذا اليوم بالتحديد؟

إن الهدف من هذه المقالة هو ان نبين، بالأرقام والحقائق، أهمية اللغة العربية في العالم، كما نتناول الأزمة التي تعانيها في عصر العولمة.

العربية إحدى اللغات الست في «الأمم المتحدة»

اللغة العربية هي إحدى اللغات الرسمية الست المعتمدة في «منظمة الأمم المتحدة»، وكان التوازن بين هذه اللغات، وهي:

الإنكليزية والفرنسية والروسية والصينية والإسبانية، شغلاً شاغلاً لجميع الأمناء العامين للمنظمة. وعليه، فمنذ العام 1946 (أي بعد سنة من تأسيس المنظمة في العام 1945)، وإلى يومنا هذا، تم اتخاذ عدة إجراءات، من أجل تعزيز إستعمال اللغات الرسمية، وذلك حتى تكون «الأمم المتحدة» وأهدافها، وأعمالها، مفهومة، لدى الجمهور من الناس على أوسع نطاق.

دعم تعدد اللغات والثقافات وتعزيزها

وفي إطار دعم تعدّد اللغات، أو الثقافات، إعتمدت إدارة «الأمم المتحدة لشؤون الإعلام»، قراراً عشية الإحتفال باليوم الدولي، الذي يُحتفل به في 21 شباط من كل عام، وذلك بناءً على مبادرة من «منظمة اليونيسكو» في «الأمم المتحدة»، للإحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست المعتمدة في «الأمم المتحدة».

لماذا 18 كانون الأول؟

وإعلان يوم 18 كانون أول من كل سنة «يوماً عالمياً للغة العربية» هو  لأنه كان اليوم التاريخي، الذي صدر فيه عن «الهيئة العامة للأمم المتحدة» القرار رقم 3190 تاريخ 18/12/1973.

وبموجب هذا القرار، قررت الجمعية العامة إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات (العمل) في «الأمم المتحدة».

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن اللغات الخمس الرسمية الأخرى كانت قد أُدخلت إلى «الأمم المتحدة» منذ تأسيسها عام 1945.

الغرض من اليوم، زيادة الوعي بين الموظفين

وكان الغرض، من هذا اليوم، زيادة الوعي، بين موظفي «الأمم المتحدة» الذين أتوا من جميع أنحاء العالم، بتاريخ كل لغة، من اللغات الرسمية الست، وثقافتها، وتطورها.

ولقد أعطيت الحرية للمسؤولين عن كل لغة، من اللغات الست، لإختيار البرنامج والأنشطة، التي يعدونها لهذا اليوم الخاص لها، بما في ذلك دعوة شعراء وكتّاب معروفين، بالإضافة إلى تطوير مواد إعلامية متعلقة بالحدث.

الأنشطة الثقافية تشمل دروساً وحلقات

وتشكل الأنشطة الثقافية، لهذا اليوم الخاص، الآتي:

فرق العزف الموسيقية، والقراءات الأدبية، والمسابقات الثقافية، وإقامة المعارض والمحاضرات، والعروض الفنية والمسرحية الشعبية.

كما تشمل أيضاً تجهيز وجبات الطعام التي تُعبّر عن التنوّع الثقافي للدول الناطقة باللغة المعنية، فضلاً عن إقامة عروض سينمائية، وحلقات دروس موجزة للراغبين في استكشاف المزيد عن اللغة المعنية.

العربية من أكثر اللغات إنتشاراً في العالم

ولا بد من الإشارة إلى ان لغتنا العربية هي أكثر لغات المجموعة السامية إنتشاراً، كما انها واحدة من أكثر اللغات إنتشاراً في العالم المعاصر.

422 مليون متحدث بها في الوطن العربي

– فهناك أكثر من 422 مليون نسمة يتحدثون بلغة الضاد.

– ويتوزع المتحدثون بالعربية في أقطار الوطن العربي الكبير، أي في 22 دولة، حيث انها اللغة الرسمية فيها، ومنها لبنان، بالطبع.

– وبالإضافة إلى هذه الدول يتحدث، أو يكتب بالحرف العربي، عدد من البلدان المجاورة للوطن العربي، وهي منطقة «الأحواز» العربية التي تحتلها إيران، وتركيا وإريتريا وتشاد ومالي.

* العربية لغة القرآن الكريم

وفوق كل ذلك، تتميز اللغة العربية، عن غيرها من لغات العالم، كونها لغة مقدسة، أي لغة «القرآن الكريم». وفي الإسلام الحنيف، لا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) إلاّ بإتقان قراءة آيات من القرآن الكريم باللغة العربية. وهي أيضاً لغة الكنائس العربية المسيحية في الوطن العربي.

والعربية لغة رسمية في بلدان غير عربية

ولا بد من الإشارة إلى ان اللغة العربية هي لغة رسمية في إريتيريا وتشاد، وحتى في «إسرائيل» كلغة رسمية بعد اللغة العبرية.

العربية تتراجع في الأقطار العربية، ووزيرة خارجية النمسا القت كلمتها الرسمية باللغة العربية

بعد كل ما تقدم السؤال المطروح هو:

ما هو واقع اللغة العربية، في أقطار الوطن العربي، أي في عقر دارها؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى ان اللغة العربية تتقدم خارج بلدان الوطن العربي، وخاصة في كندا والولايات المتحدة الأميركية، وبعض بلدان أوروبا.

تصوروا ان وزيرة خارجية النمسا ألقت كلمة بلادها من على منبر «الأمم المتحدة» باللغة العربية في الخريف من عام 2018، وكانت مرتاحة في كلمتها، لأنها عاشقة للغتنا الأم.

ليتنا نتمثل بها، بحيث نتكلم بالعربية، برؤوس مرفوعة.

تراجع العربية في بلاد العرب على كافة الجبهات

وتعاني اللغة العربية من تراجع في إستعمالها، مما أدى إلى (إهمالها) بشكل مخيف في الجامعات والمدارس، والشركات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة وسواها.

جامعات في لبنان بالإنكليزية

في لبنان، على سبيل المثال، تزحف اللغة الانكليزية وتتقدم على نطاق واسع. فالجامعات بأكثريتها إعتمدت اللغة الانكليزية في مناهج التدريس وغيرها. ويأتي ذلك على حساب اللغة العربية، التي تتراجع مع الأسف الشديد.

… وأخرى بالفرنسية

وفي لبنان، هناك عدد من الجامعات تعتمد اللغة الفرنسية، لغتها الرسمية في التدريس والإدارة والاتصالات وسواها.

وبالإضافة إلى الجامعات، تتراجع العربية في كافة أوجه الحياة، وهذا التراجع مقلق للغاية.

وقد نبّهت عبر «التمدن» للمخاطر

والجدير بالذكر، أن كاتب هذه السطور نشر عدداً من الدراسات والمقالات في صحيفة «التمدن» وغيرها، حول تراجع العربية، المخيف،

وهناك من يقول ان «لا هوية دون لغة».

وإن «أمة تهمل لغتها تنتحر بسُمٍ بطيء».

* العامية تتقدم على الفصحى

وتراجع العربية لا يتقصر على الجامعات وغيرها، غير انها تعاني من تراجع اللغة الفصحى، فيما «اللهجة العامية» تتقدم بقوة مقلقة ورهيبة.

لا… لن تندثر كاللغة اللاتينية

وبعد كل ما تقدم، السؤال المطروح هو:

هل تندثر اللغة العربية، في عصر العولمة الزاحف بقوة؟

وأجيب فوراً: لا… هذه اللغة أبدية سرمدية حتى قيام الساعة.

لماذا إندثرت اللغة اللاتينية؟

كانت اللغة اللاتينية اللغة العالمية في العالم القديم، خاصة في أوروبا الغربية والجنوبية. إلاّ ان اللهجات المحلية، في مناطق أوروبية مختلفة، سيطرت على اللغة الفصحى اللاتينية.

فماذا جرى؟

لقد سيطرت اللهجات المحلية، وتغلبت على اللاتينية الفصحى، وأصبحت بعض اللهجات لغات قائمة بحد ذاتها، مما أدى إلى اندثار اللاتينية، كلغة كبرى. وعليه، انبثق من اللهجات التي تطورت، إلى لغات خمس، هي، الإيطالية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية والالمانية.

العربية لن تسقط وباقية إلى الأبد

ربما يعتقد البعض – وسيما الجماعة الشعوبية -، إن العربية على وشك الاندثار، كما جرى الحال باللغة اللاتينية،

غير اننا نقول،

ان العربية لن تندثر،

بل ستبقى إلى الأبد،

ولن يكون قدرها قدر اللغة اللاتينية،

لماذا؟

العربية كانت اللغة العالمية في العصر العباسي

بعد الفتح العربي، إستطاع العرب ان يستفيدوا من اللغات والثقافات السائدة في ذلك الحين فراحوا ينقلون ويترجمون علوم وآداب الإغريق والسريان والفرس والهنود وسواهم.

فترجموا أعمال اليونان العلمية،

وطوروا اللغة العربية من خلال مصطلحات أدخلوها إليها،

فأصبحت غنية بمفرداتها ومصطلحاتها،

وأصبحت لغة العلم والثقافة والآداب والدبلوماسية والتجارة.

والآن لا بد من القول أن ضعف العربية يأتي من الضعف السياسي للعرب، في هذه المرحلة.

وليس من عجزها، كلغة.

فاللغة، أي لغة، تتطور وتتقدم بشعبها، وبالدولة التي تستخدمها. إذا كانت الدولة قوية، تكون لغتها قوية، وبالعكس.

وهذه مراحل تمر بها الدول والأمم وتنتهي.

د. إيلي سالم: العربية باقية مع بقاء الإنسان

وبعد كل ما تقدم، اسمحوا لي ان أنقل ما كتبه د. إيلي أديب سالم، رئيس «جامعة البلمند» لمدة 25 عاماً، والذي إستقال في أواخر تموز 2018، في كتابه «القفز فوق الحواجز».

ومما قاله «صحيح ان اللغة العربية تعاني من مشاكل وأزمات صعبة في عصر العولمة، إلاّ انها باقية مع بقاء الإنسان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.