طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

قراءة في الآية 60 من «سورة الأنفال» (5)


}وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِيسَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ{ (الأنفال 60).
آية كريمة في «سورة الأنفال»، سماها بعض العلماء «سورة الجهاد»، نزلت في «غزوة بدر الكبرى»، وهي أولى معارك المسلمين في قتالهم مع المشركين. ولعلي لا أبالغ إذا قلت بأن هذه الآية، هي المقصد الأساس من مقاصد السورة، وما فيها من أحكام متعلقة بالجهاد والغنائم والعهود وغيرها.
وفي الآية الكريمة التي نحن بصددها محوران أساسيان:
– المحور الأول: محور الإعداد وهو المحور الأول والأهم:
}وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ{.
فالقوة جاءت في لفظها مطلقة شاملة لكل أنواع القوة. وأهمها القوة الإيمانية والقوة المادية.
– فالقوة الإيمانية هي قوة العقيدة السليمة والأخلاق القويمة.
– وأما القوة المادية فهي في العدد والعدة والسلوك المستقيم والعمل الصالح.
ويقول الكاتب شوقي أبو خليل في كتابه «الحضارة العربية الإسلامية»:
«والتنكير الذي في كلمة (قوة) يُفيد استغراق الجنس، ويجعل إرادة التطور في مفهوم القوة باختلاف العصور واجبة. كما توجب الآية تقصّي الاستطاعة إلى أبعد مداها لإعداد الوسائل الصناعية والفنية لإنتاج القوة، وذلك ما أدركته العقلية الإسلامية حين رأت شيئاً جديداً، وواجهت أمراً واقعاً لا سبيل إلى دفعه إلا بوسائله، فانصرفت إلى إعداد جيوش لها كل ما للجيوش الحديثة من صفات الطاعة والنظام وآلات القتال، وإلى إعداد أساطيل بحرية كالتي يملكها البيزنطيون وأجود.
والآية: }وَأَعِدُّوا لَهُم{ تقرر أيضاً أمرين اثنين:
– قانون الدفاع الاستراتيجي، ويرسمه الإعداد والتسليح والتدريب، للحفاظ على الوجود.
– الوقاية السلمية، لأن القوة تردع الأعداء، فالقوي لا يطمع بالقوي، إنما يغريه الضعيف استجابة لشريعة الغاب التي غلبت على الطبائع البشرية، إن التوازن يؤلف عنصراً رئيسياً للتخفيف من المواجهة والصدمات، بل يُلغي الحروب أحياناً، لأن نتائج المعركة غير مضمونة إذا قامت ضد دولة قوية ومسلحة، في حين يسهل اجتياح الدولة الضعيفة التي لا تقدر على الدفاع، لأنها تخلت عن الإعداد والتهيؤ».
(الحضارة العربية الإسلامية ص 360 – 361)
وإيمان الرعيل الأول الذي تخرّج من «أكاديمية القادة» التي أسسها رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام في «مكة المكرمة»، كان إيمان القادة بأنهم أصحاب رسالة ربانية سامية، يريدون نشرها في العالم. هذا الإيمان القوي جعلهم يهزمون عروش «كسرى» و«قيصر»، وجعل الإسلام ينتشر في بقاع العالم شرقاً وغرباً.
وبفضل هذا الإيمان الصادق وهذه القوة الروحية، كان المدد من الله تعالى:
}إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ{ (الأنفال 65).
وجاء في الآية التي بعدها إشارةٌ لافتة إلى عون الله ومدده للمخلصين الصادقين الصابرين، بعد أن ساورَ المؤمنينَ شكٌّ في عددهم وإعدادهم وقوتهم، أمام جحافل العدو، ليقول لهم ربهم:
}الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ{ (الأنفال 66).
بفضل هذه القوة الإيمانية التي وقرت في القلب، كان حرصهم على الشهادة أقوى من حبهم للحياة، حتى يكون النصر للمسلمين وينتشر هذا الدين.
وبفضل هذه القوة الروحية، سجّل التاريخ الإسلامي بطولات نادرة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لما يزيد على ثمانين بطلاً من «أبطال الإسلام – في موكب النبوة الخالد»، جمعها الكاتب والمفكر الإسلامي محمد فاروق البطل في أربعة مجلدات ناهزت الألفي صفحة، يروي فيها قصص أشبال وشباب، ملأ الإيمان قلوبهم، فقاتلوا المشركين أشد قتال:
– فمنهم من «قُطعت ساقاه في المعركة، فجعل يحبو على ركبتيه، ويقاتل وتطؤه الخيل حتى غلبه الموت».
– ومنهم من كان يطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، «مرة بعد مرة، وغزوة إثر غزوة، لكي يدعو له بالشهادة، فلا يجيبه الرسول الكريم إلى طلبه، بل كان يدعو له ولإخوانه بالسلامة والفوز والغنيمة».
– ومنهم الزبير بن العوام رضي الله عنه الذي هجم على حصن الكفار بمفرده ليفتح باب النصر للمسلمين،
– ومنهم ضرار بن الأزور رضي الله عنه الذي هجم على جيش الروم بمفرده،
– وخالد بن الوليد رضي الله عنه الذي هجم على صفوف الكفار واختطف قائدهم وعاد إلى صفوف المسلمين، وخاض مئة معركة ولم يخسر واحدة منها،
– ومنهم جعفر الطيار رضي الله عنه الذي حضن راية الجهاد بعدما تقطعت يداه، ومنهم ومنهم ومنهم…
أولئك الذين أيّدهم اللهُ تعالى بجنودٍ لم يروها، وجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
وقد ورد في الحديث الشريف: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها، ما زُويَ لي منها» (رواه مسلم).
ولم يكن ذلك بقوة السيف وحده، بل وبالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالقدوة الصالحة، وبالعدل والعلم، وبكل ما جاء به الإسلام الحنيف من قيمٍ وأهدافٍ وسلوك. فقد اقتنع زعماء القبائل في المدينة المنورة بالإسلام، وبايعوا النبي الكريم في «بيعة العقبة» الأولى والثانية بدون معركة ولا قتال. وكذلك حينما دخل التتار في دين الإسلام، وكانوا قد تفوقوا على المسلمين عسكرياً واحتلوا بلادهم، في سابقة لم يعرف التاريخ مثيلاً لها، إذا بالمنتصر يدخل في دين وعقيدة المهزوم، أي في دين الإسلام.
وهذا هو الجزء الثاني من القوة، أي القوة المادية أو العمل الصالح بكل متفرعاته، فـ «الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل»، كما يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام. فالإعداد المتكامل يقوم بداية على العدد والعدة. وهذا ما يرمز إليه الشق التالي من الآية:
}وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ{،
التي ترمز إلى القوة المادية التي كانت في حينها أشدّ تعبيراً، ومظهراً أساسياً من مظاهر القوة في الحروب. «والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف». (رواه مسلم 2664)
ورباط الخيل آلة الحرب، وهي تحتاج خبرة ودراية وعلماً، من هنا، فإنها رَمَزَتْ إلى أنواع الإعداد الأخرى من إعداد علمي واقتصادي وسياسي وبيئي وتربوي وتنموي وصحي ورياضي و…. ومن تخطيط وإدارة وتنسيق ودراية و…
فالإعداد العلمي يوجب علينا الحرص على البحث العلمي أي على الزيادة في طلب العلم، كما يقول تعالى: }وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا{ (طه – 114)، لا سيما ونحن في عصر سِمَتُه العلم والتطور العلمي، وبالأخص العلم النافع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه دائماً:
«اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما». (أخرجه الحاكم 510/1)،
وهذا الدعاء أشبه ما يكون بـ «كرة الثلج» التي كلما دارت دورةً زاد حجمها وأثرها الإيجابي الكبير في المجتمع. أضف إلى ذلك أن الصراع بين الأمم أصبح في التكنولوجيا الحديثة يأخذ بعداً كبيراً جداً في أيامنا الحاضرة، حتى وصلنا إلى ما يسمى بحروب التكنولوجيا. فالطائرات المسيّرة بدون طيار أصبحت جزءً رئيساً في حروب اليوم، وشلُّ أجهزة التواصل الحديثة عند العدو أصبحت هدفاً في كل معركة، هذا بالإضافة إلى تطور أسلحة القتال التي تحمل كل يوم «إنجازاً» علمياً متزايداً في قوة القتل والتدمير.
أما الأهداف الاقتصادية في صراعات الأمم فأصبحت تهدف إلى التفوق الاقتصادي واستنزاف ثروات الشعوب الفقيرة تحت ستار العولمة الاقتصادية، التي تحمل في بذورها الغلبة للأقوى، وتزيد في غنى الغني، وإفقار الفقير، وهي تزداد ضراوةً يوماً بعد يوم، وهجرة الأدمغة من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية أصبحت أكثر يسراً وسهولة من ذي قبل. وأصبح اقتصاد المعرفة ينمو ويتزايد في أيامنا الحاضرة ليشكل في المستقبل القريب حجر الزاوية في دورة الاقتصاد العالمي، وهو لا يحمل في أهدافه أي بُعدٍ إنساني شامل.
والقوة في السياسة تقضي بالانفتاح على جميع مكونات الأمة، إيماناً بأن «يد الله مع الجماعة»، ولا بد للجماعة من أن تختلف في فكرها وطروحاتها وإن تقاربت أو تشابهت في أهدافها. يقول تعالى:
}وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا{ (آل عمران 103)،
ويقول أيضاً:
}وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ{ (المائدة 2).
ويقول أهل الحكمة:
«في النقاش تولد الحقيقة»،
ورحم الله القائل:
«كَدَرُ الاختلاف خير من صَفْوِ الفُرقة».
فالاتحاد قوة، والاتحاد يقوّي القِلّة، والفُرقة تُضعف الكثرة. لذلك لا تكتمل القوة المادية إلا بالاتحاد والتكامل بين عناصرها ومكوناتها والعمل معاً على أهدافها الكبرى.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام:
– «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها،
– قالوا: «أمِن قلّة نحن يومئذ يا رسول الله؟
– قال بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل» (رواه أبو داود والإمام أحمد).
والإعداد التنموي يُبنى على مبدأ التنمية المستدامة، التي تعالج الفقر والعوز، وتؤمّن فرص العمل لجميع أبناء المجتمع. وترتكز على تنمية روح الريادة في الأجيال الصاعدة، وعلى الالتزام بفروض الكفاية التي شرعها الإسلام، والتي تسد حاجات المجتمع المتزايدة مع التطور العلمي النافع والمتواصل. والجهاد التنموي يقضي أيضاً بالتكافل الاجتماعي بين شرائح المجتمع المختلفة، لنصل بالمجتمع، إلى ما وصل إليه الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز عندما أراد أن يوزع مال الزكاة فلم يجد من يأخذها.
والإعداد في التربية على القيم والأخلاق، أصبح في أيامنا الحاضرة يشكل ضرورة ماسة، وأهمية بالغة في ظروف الانفتاح المعرفي الواسع، وفي مواجهة انتشار خطاب التطرف والغريزة والعصبية في معظم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وكل هذا يستوجب تربيةً حديثةً بوسائلها ومنطلقاتها، تُحسن مخاطبة الأجيال الصاعدة في مختلف مراحلهم العمرية وتزرع في نفوسهم القيم الإنسانية. كما أنه يتطلب إعداد المرأة إعداداً تربوياً حديثاً لتربية أولادها بما يتناسب مع الأهداف والقيم الإسلامية، ويتناسب أيضاً مع روح العصر.
ومع تنوع وجوه الإعداد في أيامنا الحاضرة، وجب علينا الإعداد القوي في العدد والعدّة، وفي كل هذه المحاور وغيرها من المحاور المستحدَثة، مع تطور العلوم وتطوّر الزمان، وتغيّر الظروف المحيطة، لتتحقق لنا الريادة في إدارة شؤوننا، والمشاركة في نماء الحضارة الإنسانية السليمة، التي كان لنا فيها دور كبير في ماضينا المشرق.
تجدر الإشارة في آخر هذا المحور إلى أن الله قد تعبّدنا في هذه الآية بالاستطاعة ولم يتعبَدْنا بالمماثلة (أي بمثل تعداد العدو وقوته)، وذلك في قوله }ما استطعتم{، فالتفوق مطلوب، فإن لم يكن مُستطاعاً، فالمطلوب هو الحد الأقصى من الاستطاعة، أي بكل ما أوتينا من قوة روحية ومادية وإمكانيات معنوية، ظاهرة وباطنة، وكلما كانت ظاهرة، كان ذلك أفضل حتى يتحقق لنا إرهاب العدو قبل مبارزته.
كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أنه مهما تعزّزت قوة المسلمين وبأسُهم، وزادت على قوة عدوهم فعليهم أن لا يغترّوا بذلك، لأن الغرور يؤدي إلى التكاسل وضعف الهمة، ودليل ذلك قول الله تعالى في معركة حنين، }وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ{ (التوبة – 25)، فالغرور يؤدي إلى الهزيمة.
– المحور الثاني:
}تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ{،
أي أن على المسلمين أن يبذلوا ما في استطاعتهم من الإعداد، عدداً وعدة، سلاحاً وعلماً، وتدريباً وإنفاقاً، وإيماناً صادقاً، حتى يتسنى لهم «إرهاب» العدو، ويكون في ذلك ردع ٌ له عن القتال، مؤمنين بأن الله عز وجل يقول، وقوله الحق: }وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنيَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{ (الحج – 40).
وكلمة «إرهاب» مشتقة من فعل «رَهَبَ»، وقد وردت مع مشتقاتها في القرآن الكريم 12 مرّة، ولم تعنِ في أي منها، القتل أو ترويع الآمنين أو الاعتداء على الحرمات. وفي كل هذه الآيات كانت تعني: الخوف أحياناً (كما في الآية التي نحن بصددها)، والخشية أحياناً، كما في قوله تعالى:
}وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ{ (البقرة – 40)،
والتعبّد أحياناً أخرى، كما في قوله تعالى:
}اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ{ (التوبة – 31)،
والرهبان هم رجال الدين الزاهدون في الدنيا. لذلك كانت ترجمة كلمة «Terrorism» إلى اللغة العربية بـ «الإرهاب» خطأً ظاهراً، والأقرب لها هي كلمة الترويع. والترويع أشدّ من الخوف والفزع، وهي كلمة تقال في وصف الجرائم الكبيرة،
يقال: جريمة مروّعة،
ويقال ارتاع لمنظر الجريمة.
والترويع كما يعرّفه الباحث الدكتور عبدالله السلطان في مقالٍ له في «جريدة الحياة»، على موقعها، هو:
«انقباض يعتري الإنسان من الشيء المخيف»،
ويجب القصاص والدّية باتفاق جمهور الفقهاء إذا نتج عن الترويع جناية أو ضرر.
ولذلك نهى الإسلام عن ترويع الآمنين، سواء كان ذلك إيذاءاً حسياً أو معنوياً، قولاً أو فعلاً. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه» (رواه مسلم)، وفي حديث آخر:
«لا يحل لمسلمٍ أن يروّع مسلماً» (رواه الترمذي).
وفي دراسة حديثة نُشرت أواخر العام 2015 في المجلة الطبية البريطانية، وجد الباحثون أن مشاهدة أفلام الرعب تؤدي لزيادة تخثر الدم، مما يؤدي للإصابة بالجلطات القلبية (موقع الكحيل).
كما نهى الإسلام عن ترويع الحيوان، فما بالك بالإنسان؟!،
ومن ذلك شكوى الحمامة حينما رُوِّعت في فراخها، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال:
«فجاءت الحمّرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصيح.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
«من فجع هذه بفرخيْها؟»،
– قال: فقلنا: نحن،
– قال: «فردوهما»» (رواه أبو داود) (موقع صيد الفوائد).
– }وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ{،
وهم كل من لا تُعرف عداوته، سواء كانوا ضمن الصفوف أو خارج الصفوف. وغالباً ما يكون هؤلاء، إما من المنافقين أو من المرتبطين بأجهزة خارجية معادية.
والمنافقون هم الذين }يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ{،
وقد يكونون بين صفوف المسلمين، ولكن قلوبهم منكرة لما يجري أمامهم، تراهم مذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل }هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ{.
والمرتبطون بأجهزة خارجية معادية، يتجسّسون لصالح العدو، وينقلون أخبار المجاهدين وأعدادهم وعتادهم ومشاريعهم الجهادية الأخرى من أبحاث علمية يجري العمل عليها، أو خططٍ اقتصادية غير معلنة، أو غير ذلك حتى يأخذ العدو احتياطاته اللازمة لإحباطها. لذلك كان إظهار الإعداد القوي يجعل الأعداء يتوجّسون خيفة من القتال المباشر أو المواجهة المباشرة.
– }وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِيسَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ{،
أي وما تنفقوا من نفقة في شراء العدّة والعتاد، وكل ما يلزم من الإعداد من قوة مادية فهو في سبيل الله، وسيوفيهم الله تعالى أجورهم يوم القيامة من عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء.
أختم بالقول بأن هذه الآية قد بيّنت استراتيجية الدفاع في الإسلام من خلال الإعداد اللازم والعمل بقوة في جميع ميادين الحياة بما يخدم أهداف رفعة وقوة وأمان المجتمع الإسلامي، وإظهار ذلك، حتى يتحقق السلام العادل بين الأمم، وقد جاء ذلك في الآية التي بعدها:
}وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ (الأنفال – 61).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.