حاجة طرابلس إلى شبكات مواصلات حديثة: «جسر النخيل» والجدوى منه
لا شك أن شبكات المواصلات الحديثة هي الشريان الحيوي في أية منطقة في العالم، فكيف الحال مع مدينة طرابلس التي تفتقر إلى هكذا شبكات عصرية تواكب المشاريع الموعودة وتساهم في النمو الاقتصادي والاجتماعي. وإذا كانت المدينة على موعد مع شبكات طرقات حديثة وردت في مؤتمر «سيدر 1» وما نتج عنه، فإن هناك بعض الأفكار لمشاريع في هذا الإطار في مقدمها تلك التي تقدم بها المهندس د. خيرالدين غلاييني في محطات عديدة كان آخرها في «الكتاب الأبيض».
ومن بين مشاريع د. غلاييني، التي تنشرها «التمدن» تباعاً، مشروع «جسر النخيل» في منطقة الضم والفرز – بساتين طرابلس، هذا الجسر، إذا ما نفذ، ستكون له فوائد عديدة في مقدمها إحياء الضفة الغربية لمنطقة الضم والفرز (غرب الحزام الغربي)، إذ ان هذه المنطقة التي تكاد تخلو من المشاريع العمرانية والمؤسسات، باستثناء «الملعب الأولمبي» ومباني «جامعة بيروت العربية»، سوف تشهد نهضة واسعة وتفتح الباب واسعاً أمام الراغبين بالاستثمار في منطقة هادئة وملاصقة لشاطىء البحر، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود مشاريع حيوية، قيد الإنشاء، على مقربة منها، مثل: «المنطقة الاقتصادية الخاصة»، و«مدينة الابتكار والمعرفة» في «معرض رشيد كرامي الدولي»، مع إمكانية إقامة مشاريع سياحية على شاطىء البحر الممتد لبضعة كيلومترات.
د. خيرالدين غلاييني: «جسر النخيل» في منطقة الضم و الفرز – بساتين طرابلس
متابعة لعرض المشاريع المقترحة من أستاذ الإنشاءات في «كلية الهندسة – الجامعة اللبنانية – طرابلس» د. خيرالدين غلاييني والتي تدخل في إطار الخطة الإنمائية الاقتصادية للمدينة، أجرت «التمدن» حواراً مع د. غلاييني تناول فيه «مشروع جسر النخيل في منطقة الضم والفرز – بساتين طرابلس» ومما قاله:
«تمتاز طرابلس بوسط تاريخي مملوكي يعود لأكثر من 800 عام بُني إنطلاقاً من «الجامع المنصوري الكبير» وحول ساحته الواسعة في قلب «منطقة النوري».
وتمتاز أيضاً بوسط تاريخي ثانٍ عثماني يعود تاريخه لأكثر من 300 عام، تشكل حول «ساحة التلّ» حيث كانت المجمعات الإدارية والتجارية والتعليمية، كالسرايا، برج الساعة، مبنى البريد، «المدرسة الرشدية العسكرية»، «مسرح الإنجا»، وعقدة المواصلات لخط الترامواي المُنطلق من ميناء طرابلس مروراً بساحة التلّ وحتى التبانة.
والمُشاهد لصور طرابلس حتّى الأمس القريب والتي تكاد أن تنطق بكل معاني الجمال، يرى كيف أن أبا الطيب المتنبي لم يُبالغ كثيراً حين قال عن تلك المدينة:
«أكارِمٌ حَسَدَ الأرْضَ السّمَاءُ بهِم وَقَصّرَتْ كلُّ مصرٍ عن طَرَابُلُس»
طرابلس الجديدة دون رؤية إستراتيجية
أضاف: «في الصورة رقم (1) نلاحظ أن طرابلس «الجديدة» والتي حلّت مكان البساتين، والمعروفة بمنطقة «الضمّ و الفرز» قد وُجدت واتَّسعت حول معرض «رشيد كرامي الدولي» وامتدت حتّى البحر، و لكن دون رؤية واضحة وإستراتيجية مُتدرِّجة ومتماسكة للتواصل بين أحيائها. ويظهر ذلك جلياً في تخطيط وتنفيذ الأوتوستراد الدولي طرابلس – بيروت (الحزام الغربي) وعلى إمتداد منطقة «الضمّ والفرز» بطول 3 كلم إذ أنه قسّم المنطقة تماماً إلى «شرقية» بين الأوتوستراد والمعرض، بوجه أخرى «غربية» بين الأوتوستراد والبحر.
أهمية التواصل المروري في النمو
ما تقدَّم بخصوص تقسيم الضم والفرز، وأثره الإقتصادي والإجتماعي، نبّهت إليه وبشكل عام «البعثة اليابانية الدولية للمساعدة في التنمية» (ءٴةت) التّي قَدِمت إلى طرابلس عام 2000. وكيف أن النمو الإقتصادي والتطور الإجتماعي يتطلبان أن يكون الحرص على توفير إمكانية وسهولة في التواصل المروري بين أحياء المناطق، في أولوية مخططات الضمّ والفرز والتخطيطات من طرق سريعة، وما يتبع».
وتابع د. غلاييني: «لذا ولتأمين التواصل، كان إقتراحنا لهذا الجسر المحلّق فوق الأوتوستراد الدولي والذي يقع في وسط منطقة الضم والفرز ويربط القطاع الشرقي إنطلاقاً من «جادّة الملك سلمان» بالقطاع الغربي والواجهة البحرية في منطقة «الجامعة العربية».
المُحلِّق المُقترح «جسر النخيل»
الجسر المُحلّق المُقترح يقع في منطقة تمتاز بكثرة النخيل، يراعي في تصميمه عدم الحاجة إلى أيَّة إستملاكات إضافية، فهو بجميع مكوناته موجود في الفضاء العام، وأعمدته تقوم في قلب المساحات الخضراء، المُخطَّط تنفيذها على جنبات الأوتوستراد الدولي. كما أن التصميم من حيث إتساع المسافات بين الأعمدة وتدرُّج شعاع الإنحناءات الأفقية وفق «معادلة اللّوغاريتم الحلزوني»، بالإضافة إلى نظامية وتتابع الإنحناءات العامودية، كل ذلك يسمح بإتساع الرُؤية وبالتالي سرعة في العبور وإنسيابية في حركة المرور.
التصميم
وفي شكل المقاطع وصقل المقاسات الجزئية والعامّة، والنسب فيما بينها بهدف مقاربة لا بل الوصول إلى النسبة الذهبية من شأنه أن يضمن قبول الجسر في محيطه وأن يجعله مريحاً للنظر لا بل آسراً كما هو مريح وآمن في الإستخدام.
الجسر مُصمَّم من الخرسانة البيضاء، المسلَّحة المُسبقة الإجهاد ويقوم على أعمدة بالحدِّ الأدنى المسموح به من كتلة وحجم، ويرتكز على أوتاد خرسانية مسلَّحة تتطلَّب أقل حيِّز ممكن من الأساسات.
كما أن منحدرات الوصول إلى المُحلّق هي من الردميات المسلَّحة بإستخدام شبكات «البولي إيثيلين» العالي الكثافة، بهدف جعلها متماسكة، والمغلَّفة بالطّابوق الملوَّن وفق أحدث التقنيات.
الكلفة ومدة التنفيذ
الكلفة الإجمالية للمشروع بحدود الخمسة ملايين دولار وبالإمكان تنفيذه خلال تسعة أشهر، بقدرات محلِّية دون الحاجة إلى قدرات إستثنائية. وفي حال توفّر هذه القدرات الإستثنائية من إعداد وتنظيم ومعدّات، بالإمكان أن يُنجز المشروع بوقت أقل بكثيرمن ذلك.
ويبقى أنه من الضروري إستحداث أنفاق عبور للمشاة أسفل الأوتوستراد في مناطق تحدَّد لاحقاً بناءً لأماكن المدارس والمؤسسات وأبنية الحيِّز العام. وأن تكون هذه الأنفاق مجهَّزة بما يلزم من تجهيزات إلكترونية لزوم الرقابة والسلامة والأمان».
هذا ما تحتاجه طرابلس
وقال: «البنية التحتية في طرابلس بحاجة للكثير من الجسور والأنفاق حيث تَلزم وبحاجة للعناية بالأرصفة والتقاطعات وأماكن عبور للمشاة وإشارات مرور ضوئية، وما إلى ذلك، ولخطة سير، ولإزالة التعدِّيات عن الحيِّز العام ومرائب عامّة.
طرابلس بحاجة إلى نقل مشترك عصري ولائق، وبحاجة أيضاً لربط الضمّ والفرز الشرقي بالغربي لما لذلك من أثرين إقتصادي وإجتماعي على المنطقة ولإستدراك قُصور في تخطيط الأوتوستراد الدولي.
وهي بحاجة لكل ما تقدّم وأكثر.
طرابلس بحاجة أولاً لتضافر جهود أبنائها والتقدم صفاً كبُنيان مرصوص، للدخول في معادلات التنمية ومعادلات جمهورية الطائف».