لمناسبة «اليوم العالمي للغة الأم» 43% من اللغات المحكية في العالم معرّضة للإندثار في عصر العولمة
تشير الإحصاءات الدولية إلى أن ما لا يقل عن 43 في المئة من اللغات المحكية في العالم، في عصر العولمة، معرّضة للإندثار.
وعليه، حذّرت «اليونيسكو» (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) من أن الكثير من هذه اللغات (الأم) بدأت في الإندثار.
ويأتي هذا المقال لمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، الذي يقع في 21 شباط من كل عام. ونسعى في هذه المقالة ان نبين الواقع المرير للغات في العالم، في عصر العولمة الزاحف على العالم منذ أواخر القرن العشرين المنصرم ولا يزال مستمراً بقوة هائلة.
ماذا نعني باللغة الأم؟
نعني باللغة الأم تلك اللغة التي يتحدث بها أبناء مجتمعات أصلية في بلادها الأم، وتتركز هذه المجتمعات، وهي أقلية من حيث العدد، في البلدان الكبيرة والمتوسطة الحجم من حيث السكان والمساحة. وهذه اللغة الأم هي مهمة للأشخاص الذين يتحدثون فيها، بطبيعة الحال.
أهمية اللغة في حياة البشر
ولعل الإحتفال بـ «اليوم العالمي للغة الأم» في كافة بلدان العالم يرمز إلى أهمية اللغة الأم في حياة البشر. كما يشير إلى التنوع الثقافي والعرقي ما بين أبناء الإنسانية المعاصرة، الذي تلخّصه اللغات الأم في تنوعها وقدراتها الهائلة، على ترميز الحياة والوجود، كما جاء في تقرير نشرته منظمة «اليونيسكو»، لمناسبة «اليوم العالمي للغات».
ماذا يعني إندثار اللغات الأم؟
وفي هذه السنة 2019 يأتي الاحتفال باليوم العالمي للغة الأمّ، في الوقت الذي حذرت فيه منظمة «اليونيسكو» من ان الكثير من اللغات قليلة الإنتشار، بدأت في الإندثار.
وهذا يعني إندثار لغة محكية، الكثير من غياب تراث ثقافي وحضاري كامل، وكذلك العديد من الآثار الفكرية والمعرفية، التي تتعلق، بما هو وراء هذه اللغة، في ارتباطها بالناس، وبالأمكنة وبالتاريخ، على حد تعبير «اليونيسكو» في بيانها الآنف الذكر.
وتشير الإحصاءات الدولية إلى ان ما لا يقل عن 43 في المئة من اللغات الأم في العالم كله، والتي يبلغ عددها حوالي 7000 لغة معرضة للإندثار في عصر العولمة، الذي لا يرحم اللغات الأصلية. ولعل المستفيد الأول من هكذا إندثار هي اللغة الانكليزية، التي تُهيمن على العالم في الوقت الحاضر.
التنوع اللغوي والتنمية المستدامة
وقد جاء في موقع «اليونيسكو» على الإنترنت، في 6 شباط 2019، إنه، عبر الإحتفال بـ «اليوم العالمي للغة الأم» تدعم المنظمة الدولية في «الأمم المتحدة» تعليم اللغة الأم، كما تدعم التعليم متعدد اللغات. وأما في العام الماضي 2018 فقد نظمت «اليونيسكو» «اليوم العالمي للغات» تحت عنوان «الحفاظ على التنوع اللغوي»، وبالتالي تعزيز التعدد اللغوي، وذلك من أجل دعم أهداف التنمية المستدامة في العالم.
قصة «اليوم» بدأت في باكستان وبنغلادش
بعد كل ما تقدم، السؤال: ما هي قصة هذا «اليوم العالمي للغة الأم»؟
تعود قصة هذا اليوم إلى العام 1948، وذلك عندما قام رئيس دولة باكستان، ومؤسسها محمد علي جناح بفرض لغة «الأورودو» كلغة وطنية في كل باكستان بشطريها في ذلك الوقت. غير ان الشطر الشرقي من باكستان (بنغلادش حالياً) إعترض على مبادرته، وجاء ذلك بشكل حركة شعبية. يُذكر ان باكستان الشرقية إنفصلت عن دولة باكستان وأصبحت تُدعى «بنغلادش» وعاصمتها «دكّا»، وذلك في 26 آذار عام 1971.
الشرطة تقتل 5 من الطلبة المتظاهرين
وفي عودة لأصل هذا اليوم نذكر أنه في 21 شباط لعام 1952 فتحت الشرطة الباكستانية النار على متظاهرين من الطلبة الذين خرجوا مطالبين بالإعتراف بلغتهم الأم البنغالية. وجرى ذلك في دكّا وعاصمة بنغلادش (الآن)، مما أدى لمقتل خمسة من الطلبة المتظاهرين.
فتحول «اليوم» إلى حدث -ذكرى
فماذا جرى بعد ذلك؟
لقد تحول يوم مقتل الطلبة المتظاهرين في مدينة «دكّا» إلى حدث – ذكرى على مستوى بنغلادش، وذلك في إطار تعزيز اللغة الأم.
وهو الإقتراح الذي تقدمت به «بنغلادش» لتوافق عليه «اليونيسكو» في سنة 1999. وقد نتج عن ذلك إعلان 21 شباط من كل سنة «اليوم العالمي للغة الأم»، ومن ثم أقرته «الجمعية العامة للأمم المتحدة» بموافقة 28 دولة (يومذاك) أعضاء في الأمم المتحدة.
وتم الاحتفال للمرة الأولى به في 21 شباط لعام 2000. والآن نذكر حالة «اللغة الأم» في دولتين.
في أثيوبيا 86 لغة
ونذكر الآن واقع اللغات العديدة في أثيوبيا، حيث ينتشر فيها 86 لغة في كافة مناطقها. وعليه، نجد ان بعض العاملات الأثيوبيات الموجودات في لبنان مثلاً، لا يتحدثن بلغات عاملات أثيوبيات أخريات.
في المكسيك 56 لغة أصلية في 286 لهجة
وفي المكسيك، فإن الاسبانية فقط هي اللغة الرسمية في تلك البلاد، والمكسيك بلد متعدد اللغات الأصلية ولهجاتها.
ويصل عدد اللغات الأصلية فيها إلى 56 لغة، في 286 لهجة مختلفة، وذلك طبقاً لاحصاء عام 1990.
هذا يعني ان 8٪ فقط من سكان المكسيك يتحدثون باللغة الأم.
وهناك نسبة 2٪ من سكانها لا يتحدثون اللغة الاسبانية.
وبالايجاز، نأمل أن يُعزز الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم هذه اللغات في بلدانها الأصلية على الأقل.
وتعود كثرة عدد اللغات الأم في العالم إلى حقيقة مفادها ان هناك ما لا يقل عن خمسة آلاف ثقافة متنوعة ومختلفة على مستوى مجتمعات العالم.