طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

«سيدر»: ما هو، ماذا يفرض على لبنان وأين نحن اليوم؟

منذ سنة تقريباً والشعب اللبناني يسمع بمؤتمر سيدر. جميع الوعود والأحلام والآمال بغدٍ أفضلٍ للبنان باتت متعلقة بسيدر. فما هو سيدر؟ وما الذي يميزه عن مؤتمرات باريس السابقة؟

عُقد مؤتمر سيدر في نيسان الماضي في باريس بحضور أكثر من 50 دولة ومنظمة دولية وقد عرض لبنان خلاله خطته لاستقطاب الاستثمارات وتحسين البنى التحتية واستقرار الوضع الاقتصادي في البلد. بعد سماع البرنامج والخطة، تعهد الحاضرون بتقديم أكثر من 11 مليار دولار أميركي للبنان، بين قروض بفوائد ميسرة (2،10 مليار) وهبات (860 مليون)، وذلك لتمويل المرحلة الأولى من الخطة.

بالمقابل، يترتب على لبنان وحكومته القيام باصلاحات مالية وهيكلية وقطاعية طلبتها الجهات المانحة، وقد اعترفت حكومة لبنان بضرورة تطبيق تلك الاصلاحات لتعزيز قدرة البلاد على استقطاب الاستثمارات الخاصة وللحصول على أفضل نتائج ممكنة من الخطة. أما الاصلاحات المطروحة فهي مقسمة الى ثلاثة أجزاء.

الجزء الأول، الجزء المالي، يتضمن التزام من الدولة اللبنانية بتقليص العجز كنسبة مئوية من الناتج المحلي بمقدار 5٪ على مدى 5 سنوات من خلال مزيج من اجراءات تخص الايرادات (كتحسين وزيادة جباية الضرائب) واجراءات تطال النفقات (كتخفيف التحويلات لشركة كهرباء لبنان).

أما الجزء الثاني، الجزء الهيكلي، فالمطلوب محاربة الفساد وتقوية الحوكمة والمساءلة، بما فيها القسم الذي يتعلق بادارة المال العام.

أما الجزء الثالث، فهو يتعلق بالاصلاحات القطاعية وأعطيت الأولوية للكهرباء (اعادة النظر في التعرفة وزيادة الانتاج)، الماء (تفعيل قانون الماء) والنفايات (استراتيجية جديدة تتكل على اللامركزية).

نظراً الى مديونية لبنان المرتفعة جداً، رأى المجتمعون أن التمويل بشروط ميسرة والاستثمار الخاص هما الحلان الأنسبان للوصول لانجاز بنى تحتية جيدة وعصرية ولخلق فرص عمل، شرط أن يقترنا بالشروط المذكورة أعلاه.

بماذا يختلف مؤتمر سيدر عن مؤتمرات باريس التي سبقته؟

ليس مؤتمر سيدر الأول من نوعه، فقد أقيمت مؤتمرات أخرى في باريس لدعم لبنان في الأعوام 2001، 2002 و2007 وعرفت بمؤتمرات باريس 1 و2 و3. هناك الكثير من الأمور المشتركة بين جميع تلك المؤتمرات. فأولاً جميعها انتهت بتعهد الدول والمنظمات الحاضرة بتقديم المساعدات للبنان على شكل قروض ميسرة وهبات لدعم تلك القروض. كما أن لبنان قدم خلال المؤتمرات الأربعة خططاً لانتشال البلاد من ركودها الاقتصادي ولتحسين البنى التحتية وتأمين السبل للاقتصاد اللبناني للالتحاق والمنافسة في الأسواق المعاصرة وخلق فرص عمل للبنانيين. بالاضافة الى ذلك، تعهد لبنان خلال جميع تلك المؤتمرات بالقيام باصلاحات اعتُبرت منذ البداية ضرورية لنجاح الخطط ولاعادة انعاش الاقتصاد. وتضمنت تلك الاصلاحات المطلوبة البنود ذاتها من اصلاحات مالية وهيكلية وقطاعية والملفت بالأمر أنه لم يتم تطبيق أي منها على مرّ كل هذه السنين.

هذا ما أدى الى أن يطالب المجتمعون خلال سيدر بوضع آلية مراقبة ومتابعة وتنسيق بين الجهات المانحة والسلطات اللبنانية، بالتعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان الشفافية، مع اجتماعات متكررة وصفحة ويب مكرسة لملاحقة ومتابعة المشاريع وتنفيذها. هذا الاجراء جديد في سيدر ولم يكن موجوداً في المؤتمرات السابقة ولقد شدد عليه المجتمعون، مما يبين عدم الثقة لدى المجتمع الدولي بالسلطات اللبنانية.

اضافةً الى ذلك، ما هو جديدٌ أيضاً هو أن المال سيأتي مباشرةً باسم مشاريع معينة، أي أن لبنان لن يستطيع استخدام القروض لتخفيض عبء الدين العام الذي وصل الى 150٪ من الناتج المحلي والذي تأكل خدمته جزءاً كبيراً من خزينة الدولة كل عام. أما دور القطاع الخاص فكان له حصة كبيرة من النقاش في المؤتمر اذ شدد المجتمعون على ضرورة تحسين استقطاب الاستثمارات وشجعوا اشتراك القطاع الخاص في تمويل الخطة من خلال الاستثمار في المشاريع، كما أشادوا باتمام لبنان لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص مما يسهل ويوضح مشاركة القطاع الخاص في المشاريع العامة وتم تسليط الضوء على امكانية تمويل المرحلة الاولى للخطة من المال الخاص بنسبة حوالي 35٪.

ما أهمية مؤتمر سيدر؟

لا يخفى على أحد أن وضع لبنان أصبح صعباً جداً. فالنمو شبه منعدم ونسبة البطالة عالية والبنى التحتية مهترئة والمديونية المرتفعة عائق كبير أمام الدولة ولا تترك للدولة (مع مرتبات القطاع العام) سوى هامش ضيق جداً من المال العام لتتصرف به. بنفس الوقت، لبنان بحاجةٍ الى تجديد و تطوير الكثير من القطاعات حتى يستطيع الاقتصاد اللبناني الاقلاع من جديد. فالصناعة في لبنان مثلاً تخسر من قدرتها على المنافسة جراء مصروف طاقةٍ كبيرٍ يترتب عليها، كما أن الانترنيت البطيء يضر الشركات والطرقات المهترئة تعيق الحركة و غيرها من العوائق التي يجب على أي اقتصاد متطور أن يكون قد وضعها وراءه. كل ذلك يحتاج الى مشاريع ضخمة تأخذها الدولة على عاتقها، فان أنجزت بشكل صحيح، تُخرج لبنان من حفرته الاقتصادية وتُحسّن الحياة اليومية للبنانيين وتخلق فرص عمل ويحتاج لبنان للتمويل لانجازها. اضافةً الى ذلك، انها تعطي مؤشراً جيداً وثقة أكبر للمستثمرين وللمجتمع الدولي بأن لبنان بلدٌ يمكن الاستثمار فيه وهذا أيضاً شق آخر من أهمية سيدر. ليس الوضع بميؤوس منه، هذه هي الرسالة التي خرج بها مؤتمر سيدر، وقبله كانت شركة الاستشارات العالمية مكينزي قد توصلت الى الرسالة ذاتها بعدما كلّفتها الدولة اللبنانية القيام بدراسة الوضع في لبنان والتوصل لتوصيات تمهيداً لمؤتمر سيدر وكخطوى أولية لوضع خطة يمكن تقديمها في المؤتمر. فرسمت الشركة وضع لبنان الحرج بتقريرها وبينت بالأرقام والرسوم البيانية كل مشكلات لبنان المتعددة، لكنها أيضاً أنهت بـ160 توصية للقيام باصلاحات مما يبيّن أنّه ما زال بامكان لبنان الخروج من الأزمة وتجنب الوقوع في الهاوية، مما يعطي مؤشراً جيداً وثقةً أكبر للمستثمرين وللمجتمع الدولي. ولكن الشرط الدائم والمتكرر يكون ضرورة القيام باصلاحات لا بدّ منها.

أين نحن اليوم؟

مؤتمر سيدر حدث في نيسان الماضي، أي قبل انتخابات 2018 النيابية، فأين نحن اليوم من كل الوعود والاصلاحات والمشاريع؟ لقد أوشك لبنان أن يخسر جزءاً مهماً من المال الموعود بعدما ضاق البنك الدولي ذرعاً بأزمة تشكيل الحكومة. وكانت مصادر من البنك الدولي قد أشارت الى أن هناك العديد من الدول بحاجةٍ الى ذلك المال، ان لم تكن باستطاعة لبنان حلّ هذه المشكلة. لكن لبنان تجاوز ذلك وتمكن رئيس الوزراء سعد الحريري من تشكيل حكومته في آخر كانون الثاني الماضي. أما الآن، فالمسألة الشائكة تكمن في كيفية ادارة الأموال. ان أغلبية الجهات المانحة تفضل تمرير التمويل عبر المجلس الأعلى للخصخصة عوضاً عن تمريره من خلال الوزارات، وذلك لضمان الشفافية اذ أن كثرة الجهات المشاركة في ادارة مشاريع الشراكة بين القطاع العام والخاص، بما فيها مشاريع سيدر ان تحقق ذلك المطلب، تضمن التخفيض من خطر الفساد. لكن بعض التيارات اللبنانية ترفض ذلك وتصر على أن الحق الدستوري للوزير يسمح له أن يُبقي تلك الاجراءات تحت سيطرته.

اضافة  الى مشكلة آلية ادارة الأموال، ان صبر فرنسا على وشك أن ينفد بعد اصرارها واعطائها المهل للدولة اللبنانية للبدء بالاصلاحات، على الأقل الخطوات البسيطة كالتعيينات وملء المناصب الشاغرة خصوصاً في القطاعات المذكورة خلال المؤتمر. كما شددت فرنسا عبر سفيرها بيار دوكان على ضرورة وضع موازنة العام 2019 قبل انتهاء شهر آذار لتعكس الانضباط والاصلاحات المالية المطلوبة والمضي قدماً باصلاحات القطاعات، خاصةً قطاع الكهرباء، فطلب السفير الفرنسي من الحكومة اللبنانية الجديدة اعطاء «مؤشرات ايجابية» بحسب جريدة لوريان لوجور.

فهل سيرتقي لبنان الى المستوى المطلوب لمواجهة تحديات المرحلة؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.