هل سنتحول من بشر يفكرون بحرية إلى نملٍ أو نحلٍ مبرمجة دماغياً؟ (3/11)
هناك برنامج في الولايات المتحدة إسمه «Compus» يستعين به القضاة عندما يطلب الموقوف أو المسجون إخلاء سبيله، هذا البرنامج لا يحكم (حتى الآن)، إنما يستعين به القاضي لتكوين قرار مبني على شخصية المحكوم لمعرفة إذا كان مستعداً لارتكاب جرم بعد إخلاء سبيله أم لا!!!
أي قاض يجرؤ على مخالفة ما «يحكم به» الحاسوب!!!
غداً سوف يتطور هذا البرنامج وحتماً سيكون حاضراً عند إصدار أي حكم محللاً الدعاوى آخذاً بيد القاضي.
هذا يأتي بعد الكلام عن استعمال السلطة لما يسمى بالأمن الاحترازي، أي إصدار قرار بتوقيف أشخاص أبرياء لم يرتكبوا أي جرم أو مخالفة، فقط لأن برنامج المراقبة الخاضعين له (بسبب أفكارهم التي لا تُعجب السلطة) أفاد أنهم يشكلون خطراً قد يحدث، يعني التوقيف بالظن والشبهة.
رب قائل أن التجسس على الأفراد ومراقبة تصرفاتهم ليس أمراً جديداً. هذا صحيح، ولكن هنالك فرقاً هائلاً بين الإحتكام إلى فرد يُمثل السلطة والتفاهم معه ضمن قانون يحدد المسؤوليات والشكوى إلى كومبيوتر.
غداً عندما تقدم سيرتك الذاتية للحصول على العمل سوف ينظرون إلى علمك وتجربتك وباقي مؤهلاتك ولكن أيضاً إلى الأمراض التي من المتوقع أن تصاب بها وعدد سنوات حياتك المنتجة!! وذوقك وميولك.
في أواسط القرن العشرين تم وضع برنامج لآلة الكومبيوتر كي تلعب الشطرنج مع أحد أهم اللاعبين العالميين وكان الحاسوب يربح في معظم الأحيان، ثم عندما تم تطوير «الذكاء الإصطناعي» (AI) أخذت الآلة بواسطة «Deep Learning» تلعب مع ذاتها، إذا أمكن القول، وتتعلم كيف تتفادى أخطاءها وهكذا استطاعت الفوز على جميع اللاعبين في كل المرات!!
ثم حدث نفس الأمر مع لعبة صينية إسمها «Go» وهي أصعب من الشطرنج وتعتمد على الاستراتيجية إعتماداً كبيراً، وفي عام 2016 بواسطة التعليم المعمق (Deep Learning) تعلمت الآلة اللعبة وهزمت أهم لاعب «Go»، ومنذ ذلك الحين لم يعد بالإمكان الفوز عليها بل لم يعد للعب معنى لأن الفوز يأتي بسرعة… انتهى عهد اللاعبين الأذكياء.
عندما نفكر بأن هناك «ذكاءً إصطناعياً» لا يُخطىء نتساءل: هل سنتحول من بشر، نفكر بحرية ونخطىء ثم نعود إلى ما قمنا به ونصلحه، أم سنتحول إلى نمل أو نحل مبرمجة دماغياً مثل الحشرات المبرمجة جينياً.
النمل لا يخطىء! والنحل لا يخطىء! كلاهما مبرمج، من منا لم يراقب مدهوشاً أسراب النمل تعمل مثل الآلة من مكان إلى آخر دون أن تتصل حشرة بأخرى كأنما هناك دماغ واحد عام يسيطر على الجميع.
في عام 2017 تم تطوير برنامج «Libatus» لتعليم الآلة لعب الـ «Poker» (الميسر) وهي لعبة قائمة على الأرجحيات (Probability) أي أن فيها حيزاً كبيراً للاحتمالات وللمخيلة… وهنا أيضاً تعلمت الآلة أن تشغل مخيلتها وجرت مباراة في الولايات المتحدة بين الآلة وأهم اللاعبين المحترفين دامت عشرين يوماً تم فيها توزيع 120 ألف ورقة من أوراق اللعب وبالطبع انتصرت الآلة وربحت رمزياً حوالي مليوني دولار.
إن ما يحدث من تطور في التكنولوجيا لا يسير بوتيرة واحدة مستقرة ومتشابهة بل التطور يخضع لهزات اسمها في «علم الرياضيات» (Singularité)، أي ان فجأة وفي وقت قصير جداً جداً يتغير اتجاه مسار البيانات ويحدث ما لم يكن متوقعاً وتحدث ثورة في المسار. ويقول العالم «فريدمان» ان في عام 2007 هناك حدث مصيري غيّر مجرى الكثير في حضاراتنا وهو انه لأول مرة أصبحت الآلة بذكاء الإنسان… وهي الآن… تسبقه.
يتبع