طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

«تصطفل بولا يعقوبيان»

اذا اردت ان تدرك حجم الانهيار في النظام السياسي اللبناني، يكفيك ان تلتفت الى المرشحين الراغبين في خوض الانتخابات القادمة في 6 ايار، يعني انظر الى اعدادهم، والى خلفياتهم الاجتماعية العائلية والطبقية، والى احوالهم المادية، والى مهنهم التي كانت السبب الرئيس في بروزهم في المجتمع. ويبقى السؤال، لماذا يندفع هذا العدد الكبير من الناس الى الانتخابات النيابية، مع التأكيد على ان الدوافع متعددة ومتنوعة، الا ان الحقيقة لا تكمن في ما يدّعوه من رغبتهم في العمل على اصلاح الاوضاع في البلاد، لان لا امكانيات اغلبهم ولا قدرات معظمهم تسمح لهم بذلك، فاذا كانت المهمة الرئيسية للنائب هي التشريع والرقابة على السلطات التنفيذية المختلفة، سنجد ان هؤلاء المرشحين بمعظمهم لا يملكون القدرة ولا الادوات، لا للتشريع ولا للرقابة. اذا، اين تكمن الاجابة على الرغبة، لا شك انها تكمن في الامتيازات التي تمنحها عضوية البرلمان، المادية منها والسلطوية، بدءاً من ارقام السيارات والهواتف وانتهاءً بالصفقات والتلزيمات، وهنالك عامل آخر الا وهو الشعور بالرضى عن الذات، لان الاطفال اللبنانيين تعودوا منذ نعومة اظافرهم على سماع اهاليهم وهم يدعون لهم ببلوغ اعلى المناصب، وأعلى المناصب هو منصب الزعيم المحلي الشعبي، الذي ترغب الناس اليه بحثاً عن منفعة او استجلاباً لخدمة او درءاً لمظلمة.

الغريب في الامر ان المجلس يفقد القدرة على تنفيذ وظائفه الاساسية اي التشريع والرقابة، مع غياب الشخصيات التي كانت تملك المعرفة والقدرة، واستبدالها بنواب لا يملكون الا الالتزام بالمواقف التي يتفق عليها زعماء الطوائف وإن خالفت القوانين والاعراف والمنطق، والامثلة كثيرة، فلقد غابت اسماء مثل اوغست باخوس وغسان تويني وبهيج طبارة واخير أعلن عزوفه روبير غانم ونرجو ان ينجح بطرس حرب، وهي شخصيات كانت تملك ما يكفي من القدرات لتصويب العمل التشريعي في المجلس النيابي، ونتمنى ان ينتبه رؤساء الكتل الى ان يتمثل في فريقهم وفي حد ادنى من يملك قدرة هؤلاء الغائبين.

أما في ما يتعلق بعنوان هذا المقال، وأعني الصحافيين، في المكتوب اوالمرئي والمسموع ، فلقد بلغنا عبر الوسائل المختلفة بأن عدداً لا بأس به منهم يرغب بالترشح الى الانتخابات النيابية، ومنهم على سبيل المثال راغدة درغام وغادة عيد وسندريلا مرهج واخيرا بولا يعقوبيان، وإن كانت غادة وسندريلا لا يملكان حظوة الحضور والبروز كما راغدة وبولا، فإن الاخيرة وعلى مدى سنوات ملكت القدرة في التأثير على الراي العام بما لها من شخصية محببة وجرأة مميزة وحضور لافت، وكادت ان تنافس مرسيل غانم في برامج «التوك شو»، وهي تترك هذه المحبة لدى الناس وتندفع الى العمل السياسي عبر الترشح الى الانتخابات، والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل تظن بولا او من يشجعها ان بامكانها ان تحدث فرقاً لنقل رقابياً اكثر مما كانت تحدثه على شاشة التلفزيون؟ أنا أشك في ذلك لأن البرلمان، وبما يملك من ضوابط وتوازنات، لن يفسح لها في المجال لبلوغ ما حصلت عليه اصلا في عملها الاعلامي، ولا اظن ان شخصية اعلامية بحجم بولا يعقوبيان بحاجة الى رضى ذاتي افتقدت اليه في الاعلام وستجده تحت قبة البرلمان .

ابرز الشخصيات التي عملت في الصحافة والسياسة معاً، ودخلت الندوة البرلمانية، هي شخصيات آل تويني، حيث الجد غسان والابن جبران والحفيدة نائلة، كلهم مارسوا دورهم في العمل الصحافي والنيابي، وهنالك ملاحظتان لا بد من التطرق اليهما:

الاولى هي ان العلاقات العائلية بآل المر وآل حمادة والعلاقات مع الكنيسة الارثوذكسية ورأسها،  امتزجت مع العمل الصحافي لآل تويني، مما جعل وجودهم في البرلمان يحمل اكثر من وجه ومعنى.

والملاحظة الثانية انه على الرغم من هذه العلاقات ومن القدرات فإن وهج آل تويني بدأ بالانخفاض والتراجع من الجد الى الابن ومن ثم الى الحفيدة.

 لا شك في ان لكل تجربة خصائص وسمات مختلفة، لكن على الناس ان يتعلموا من تجارب من سبقهم، ولا اظن ان بولا ستجد نفسها على مقعد نيابي اكثر راحة من مقعدها امام خرطوم الكاميرا، أما اذا أصرّت فعندئذ… تصطفل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.