ماذا يريد محمد بن سلمان؟
لم اتمَلَّق أحداً من السياسيين يوماً، ولن أفعل الآن، ولم أرتبط في أي يوم بأي نظام أو دولة ولن أُغير، لكنني أُراقب، مثل غيري من المتابعين، ما يجري في عالمنا العربي منذ خمسة عشر عاماً حتى الآن، وأرى حجم التصدعات الهائلة التي حدثت وتحدث في داخله، لاسباب منها ما هو محلي داخلي، ومنها ما هو خارجي.
وأنا أعلم أن اكثر ما يقلقنا ليس فقط حجم الانهيارات في البنية الوطنية والتي تحدث حولنا، وحجم التغييرات الجغرافية والديمغرافية، بل ما يقلقنا أكثر هو الغياب الظاهر لأي مشروع عربي يملأ الفراغ الذي نعاني منه.
والآن… راقبوا معي ما يفعله ولي العهد السعودي الامير الشاب محمد بن سلمان، وبغض النظر عن عدد الملاحظات التي قد تكون لي أو لكم على مواقفه وتصرفاته، فهو الوحيد الذي أخذ زمام المبادرة، وعلى امتداد العالم العربي، للتصدي لمجموعة من القضايا، كانت وما زالت تقلقنا وتقلق العالم من حولنا.
وأولى هذه المبادرات تتعلق بالاصلاح الديني، والتصدي لجذور الارهاب فكرياً وعملياً، فلقد نظر الرجل ومساعدوه الى التاريخ المضطرب لحركات الاسلام السياسي، ومسارها منذ السبعينيات حتى اليوم، ووصل الى استنتاج أن أصل الحركات الجهادية كلها هو “الاخوان المسلمون”، الذين اطلقوا في كل العالم العربي ما يسمى بموضوع “الصحوة الاسلامية”، التي سرعان ما فلتت من عقالها وأخذت ترسم مسارات لا علاقة لها بالاسلام، بل بالسياسة وتحديدا بالاعمال العسكرية الارهابية، التي ساهمت بشكل مباشر في انكشاف الوضع القومي العربي امام التدخلات الاقليمية والعالمية ،فكان ان اتخد موقفاً واضحاً منها وتصدي لها ولكل من يحاول أن يؤيدها ويساندها.
ثانية هذه المبادرات تتعلق بالاصلاح داخل المملكة العربية السعودية، وهذا موضوع هام جداً، لما تمثله المملكة من قيمة مثالية (قيمة المثل)، ينظر اليها معظم العرب والمسلمين في كافة اقطارهم، ويتخذون من نموذجها مثالاً في حياتهم وتصرفاتهم. فلقد تطرق الى مواضيع اساسية يناقشها العرب والمسلمون كل يوم: كاحوال المرأة وموضوع الفساد والاصلاحات الاقتصادية وأدوار الشباب في المجتمع ودور الفنون والعلوم في بناء الامم، وأخيراً المشاريع الاقتصادية العملاقة التي تشكل انفتاحاً على المستقبل بكل جوانبه.
ثالثة هذه المبدرات هي تلك المتعلقة بنوع وطبيعة العلاقة مع القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، بما تمثل من قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية هائلة، فأخذ يبني على تاريخ من العلاقات الجيدة معها ويدعمه، ويحاول ان يدفعه بالقدر الاعلى الى دعم القضايا العربية او على الاقل الى منع تدهورها الى حال أسوأ، دون ان ينسى دور القوى الاخرى في العالم وتأثيرها على قضايانا، فكان الانفتاح على روسيا والتعامل معها في مواضيع الامن والنفط والسلاح.
واخيراً، والأهم، تأتي مبادرة التصدي للعدوان الايراني السافر على العرب والمسلمين في كافة اقطارهم، مِن محاولات التدخل في الخليج العربي، الى التدخل المباشر في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، الى محاولة نشر نموذج مشوّه من الفكر الشيعي في باقي الاقطار، من السودان الى المغرب مروراً بمصر، وهو تصدٍ واضح بلا اي مواربة او مهادنة، ويطال كلَّ الوجوه، بما فيها العسكرية والفكرية والسياسية والاقتصادية، بجرأة وإرادة وتصميم.
قد تحبّه وقد تكرهه، قد توافق على أفعاله وقد لا توافق، قد يروق لك منظره وقد تستهجنه، قد تعجبك طريقته وقد لا تستمرئه، لكن وبكل تأكيد، هو اليوم الوحيد، على صعيد العالم العربي، الذي بادر ليحاول تغيير الاحوال، فيما غابت الدول والاحزاب والمفكرون وأصحاب الرؤى والنظريات.
لذلك، لا يمكنك ألاّ تحترمه، بغض النظر عن نجاحه الذي نؤمن به، او فشله الذي نسأل الله ان يجنبه إياه.