«تيار المستقبل»: مآلات التخلي ومسارات التنازل
إعتقد كثيرون أن أوضاع «تيار المستقبل» ستستقر وتعود المياه إلى مجاريها بمجرد عودة الرئيس سعد الحريري وتوليه زمام المبادرة، بحيث تزول مراكز القوى وتختفي التناقضات وتعود مركزية القرار، بالتوازي مع ترتيب الأوضاع التنظيمية لتعويض فترة الفراغ والغياب والخسائر التي لحقت بالتيار.
لكن الوقائع جاءت بعكس المتوقع. فالخطوات التنظيمية لم تكن كافية لتفعيل العمل السياسي، ورغم وجود الحريري على رأس الحكومة، فإن الحصاد يبدو متواضعاً قياساً إلى ما هو متوقع.
ولقد عمل الحريري على إقصاء رموز لطالما عُرفت بالحنكة والعمق السياسي والفكري وبالثبات في المواقف، وأبرز هؤلاء الدكتور رضوان السيد، الذي أخرجته انتخاباتٌ جاءت بمجموعة يسهل التحكم بها إلى المكتب السياسي لتيار المستقبل، في حين لعب السيد أدواراً مركزية في الحفاظ على الجسور بين الحريري وبين شرائحَ واسعة من المسلمين الذين يعانون من سوء التواصل مع الحريري ومن تقصيره في مختلف المجالات.
إشكالية الأداء النيابي
من أسوأ ما يعانيه نواب «المستقبل» هو تلك المركزية المتطرفة في التحكم، والمترافقة مع تراخي المواقف تجاه الإستحقاقات العامة التي يفترض فيها بالنواب أن يدافعوا فيها عن حقوق ناخبيهم الذين أتوا بهم إلى مجلس النواب. والواقع يقول: إن عدداً من النواب اعترضوا تحت ضغوط ناخبيهم على ضياع حصة السنة في مراكز كثيرة، فكان الرد بإلزامهم الصمت، فتبخـّر هؤلاء النواب واختفوا من المشهد، مما أحدث فراغاً إضافياً كان يمكن ملؤه بمتابعة شؤون الناس الحياتية والخدماتية والوظيفية.
إشكالية التوظيف والتنمية
كان يُفترض أن يُحدِث وصول الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة صدمة إيجابية واستنهاضاً للمناطق التي يمثلها ، لكن نعمة التنمية إقتصرت على افتتاح وصلة جسر في طرابلس إستغرق إنجازها قرابة العقد من الزمن لتنتهي عند عقد السير قبالة مرفأ طرابلس.. في حين يستمر مجلس الإنماء والإعمار في عقاب المناطق ذات الثقل السني بأسوأ أداء وبأدنى مستوى من المعايير وخاصة في الشمال.
في المقابل تتحرك مشاريع الإنماء في مناطق مختلفة ميزتها أنها ليست محسوبة على «تيار المستقبل». عندما يطالب المسلمون السنة بالحفاظ على وجودهم في الدولة، فإن ذلك يأتي أولاً في إطار الحق الطبيعي الذي كفله لهم الدستور، وحدّد لهم بموجبه مكاناً ومكانة في المواقع الحكومية، وثانياً لأن لبنان يشهد موجة إجتياح غير مسبوقة يقوم بها أطراف شركاء للرئيس الحريري في الحكم، في حين أنه يقف مكتوف الأيدي، وهو يشاهد ما يشبه إنقراض السنة من الوظائف الرسمية وعلى مختلف الدرجات والأوزان، وما يجري في مؤسسة «أوجيرو» نموذج لا يحتاج إلى كثير شرح.
أين تتجه بوصلة الضياع؟
في وقت تتجه فيه المنطقة إلى أنظمة حكم لامركزية سياسية أو إدارية، وخاصة في سوريا والعراق، ويتحوّل لبنان أكثر مما كان عليه فدرالية طوائف، ويتقدّم الجميع دون مراعاة للصيغة اللبنانية، يقف الرئيس الحريري عاجزاً عن الدفاع عن الصيغة، مسهماً بذلك بسقوطها عندما يقبل بانهيار التوازن الوطني الذي يشكل السنـّة عمادُه في لبنان.
(أمين عام التحالف المدني الإسلامي في لبنان)