45 سنةً… وتستمر حرةً (1990-2000)
ها قد انقضت الانتخابات النيابية في الشمال، وفي الدائرة الثانية منه، بعد معركة شرسة، كانت من أقسى المعارك الانتخابية في لبنان، وأسفرت عن نتائج هامة، هي بحد ذاتها إشارات، تدل على جملة وقائع سياسية، قد يكون لها مستقبلاً أبعاد قد تطال الشأن الوطني كله…
ها قد حصل ما حصل، ونجح من نجح، وفشل من فشل، وزاد رصيد من زاد رصيده، وضعُف رصيد من ضعف رصيده…
أما المعركة، فقد حكمت نتائجها جملة عوامل، لم تكن كلها بالضرورة آنية مرتبطة بلحظة نشوب الصدام المباشر، إنما كان كثير منها يمتد به الزمن، ليطال شرائح مختلفة، أحسّت انها كانت، في مراحل مختلفة، في حالة من العداء أو الاستعداء، فأرادت في هذه المناسبة ان تدلو بدلوها.
وفي المقابل، كان هناك كثير من المؤمنين بأن هناك ثوابت لا يجب أبداً الرجوع عنها، أو التخلي عن أي منها، وأن حصناً منيعاً يتوجب الدفاع عنه، حتى ولو كثُر الأعداء…
كذلك، ما بين هؤلاء وأولئك، كان من يعتبر ان توازناً ما يجب ان يحكم مدينة طرابلس ولا يُضعف أحداً، وإنما يفتح الباب أمام الجميع للحضور على الساحة.
فلا يلغي أحدٌ أحداً، أياً تكن الظروف التي تساعد هذا الأحد أو التي لا تساعد ذاك الأحد. ما لا يقطع أحدٌ الطريق على أحدٍ، أياً يكن الخطاب الذي يعتمده هذا الأحد.
إذن، حصل ما قد حصل، وكان ما قد كان، الأسباب كثيرة جداً، وهي أكثر مما يعتقد الرابحون، وأكثر مما يعتقد الخاسرون.
ومن هذه الأسباب ما كان ذاتياً، ومنها ما كان موضوعياً، ومنها ما كان يُنبىء سابقاً بما سيحصل لاحقاً، ومنها ما كان يعتقد البعض خاطئاً بأنه لا يُنبىء هذا الذي حصل، وإنما بعكسه…
ماذا نفعل الآن؟
الآن نعود أولاً لنكرر ما كنا قد دعونا إليه نواب طرابلس، مباشرة بعد انتخابات عام 1992 النيابية، لعقد لقاء كنا قد اقترحنا ان يكون عنوانه «الرؤية في اتجاه مشروع نهوض وتنمية ثابت يطال كل جوانب المجتمع».
وكنا في تلك الدعوة قد أكدنا على ضرورة ان «يقوم نواب طرابلس بواجبهم عبر إعداد مشروع انقاذ لهذه المدينة، وليسيروا بهدي هذا المشروع، وليتابعوا مجتمعين ما سيتحقق منه، بعيداً عن المحسوبية والحزازات وسياسات الزواريب الضيقة».
وكنا قد وجهنا إلى النواب يومها النداء التالي:
«إن تفرقكم حول مشاريع ومصالح طرابلس سوف يعني استمرار الحال على ما هي عليه من سوء، فلا تجعلوا من أنفسكم ومن شعبكم ومن قضايا طرابلس العالقة منذ عشرات السنين، مواد ابتزاز في أضيق أسواق السياسة. فالسياسة أرحب من ذلك بكثير وأنبل بكثير وهدفها أبعد بكثير ومعناها أعمق بكثير».
تُرى هل قرأ نواب عام 1996 ذلك النداء وتلك الدعوة؟
ولماذا لم تُلبَّ دعوتنا للاجتماع، لوضع مشروع تنمية المدينة التي تكاد تنهار مترهلة، وتكاد تختنق تحت وطأة الاهمال الشديد والكثافة المتزايدة، من دون أي أمل في خلاص ومن دون أي أفق، وبعيداً عن أية خطة لنهوض اقتصادي ما أو لوظيفة حيوية ما تعيد إلى المدينة رونقها.
الآن، ماذا؟
الآن، لعل الرئيس عمر كرامي والوزير نجيب ميقاتي قد أدركا مدى الخسارة التي قد تلحق بطرابلس مجدداً، في حال استمر مناخ التجاذب العنيف، والتراشق الكلامي المدوي، والانكفاء عن مد أيدي التعاون، والاكتفاء بالتحصن وراء متاريس تُبعد وتضر بمصالح المجتمع.
فها هو الرئيس كرامي، في أول إطلالة له بعد الانتخابات، يقول كلاماً ايجابياً، يعبر فيه عن غيرة على المدينة، وعلى الشمال وعلى مصالحها.
فلقد قال كرامي: «نحن لن نخيب أمل الذين انتخبونا، وسأمارس دوري كنائب من دون أي شك، فالقرار عند أكثرية الناس. والمهم ان يكون الناس معنا، ونحن نصحح.
نحن لم نقم بعملية انتخابية فقط، إذ انه طرح سياسي واضح، وكل من يلتقي معنا، أيدينا وقلبونا مفتوحة له»…
في المقابل أعلن الوزير نجيب يمقاتي انه سيكون «وفياً للجميع دون استثناء ، حيث انه منذ إقفال الصناديق يعتبر نفسه لجميع من منحه ثقته، ومن لم يمنحه إياها، فقد حان موعد العمل الذي يتوجب علينا جميعاً دون استثناء القيام به».
الكلام الايجابي، من قبل الرمزين الأساسيين لمعركة دائرة الشمال الثانية، وخاصة للمعركة التي دارت داخل مدينة طرابلس، كان ضرورياً جداً.
لكنه لا يكون أبداً كاملاً، إذا لم يُقرن بالعمل على الأرض، لتثبيته والانطلاق منه نحو مشروع علمي متكامل، يحمل رؤية واضحة، تؤسس لنهضة وتنمية محافظة الشمال وعاصمتها طرابلس…
فالأمر لم يعد يحتمل الانتظار.
والخوف كل الخوف، إذا لم يجرِ إطلاق ورشة التنمية سريعاً، ان نكون جميعاً كمن يجلس فوق فوهة بركان، قابل للاشتعال في أية لحظة…
ونحن، في كل الأحوال، سوف نراقب ونحاسب كل من انتُخب ليكون نائباً عن الناس، وسنكون بالمرصاد لكل مقصّر بحق الناس وبحق مدينته ومحافظته…
هذا هو دورنا الذي سنلعبه بالتأكيد، آملين بأن يلعب نوابنا المنتخبون كلهم أدوارهم أيضاً، في خدمة الشعب، الذي أودعهم صوته والأمانة، وفي خدمة المدينة والمنطقة، اللتين باتوا الآن يحملون شرف تمثيلهما حتى العام 2005.
6/9/2000