طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

45 سنةً… وتستمر حرةً (2005)

لعل ابلغ تعبير ورد بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري ما قاله صديق الشهيد النائب باسم السبع لاحدى محطات التلفزة وجاء فيه: لم يمت رفيق الحريري محروقاً او بفعل الانفجار المريع.. رفيق الحريري مات قبل ذلك.. لقد مات مخنوقاً.

والسؤال الذي يجب طرحه جدياً، في غمرة هذا الحزن اللبناني العام والشامل في كامل مساحة الوطن: من خنق رفيق الحريري، ولماذا تم خنقه عن سابق تصوّر وتصميم، طوال سنوات منع فيها من العمل، وواجه مع كل طلوع شمس مشكلات وحملات لا حصر لها، وعراقيل «كربجت» البلد حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه؟

ولماذا خُنق الحريري، وسُمح للفاعل ان يتمادى في فعلته الى حدود اللامعقول، فسُرقت من اعمار اللبنانيين سنوات كان يُفترض ان يبدأ فيها قطف ثمار الجهد الكبير الذي قام به رجل الرؤية والطموح وآزره في هذه المسيرة الآلاف من مواطنيه؟.

يقول الوزير السابق فؤاد السنيورة ان صديقه الشهيد رفيق الحريري كان يشعر في السنوات الأخيرة وكأن «بلاطة» تجثم على صدره.

لماذا كان ينتاب الحريري هذا الشعور، هل لأنه كان مقيّد اليدين، ولأن هناك من كان مستعداً لأن يحرق البلد في سبيل اشعال سيجارة؟

ما الذي كان يواجه الحريري في سنواته الأخيرة، وتسبب بخنقه حياً حتى رحيل الجسد بعيد ظهر الاثنين الماضي: أضيق في العقل، ام حسد ساذج، ام اوهام هستيرية، ام انانية تافهة، ام كل هذه الامور مجتمعة ومزيد؟

والآن، بعدما استطاع مجرمون ان ينالوا من جسد الحريري، ماذا سيفعل الذين سبق وخنقوه على مدى سنوات، خاصة ان مشهد التعاطف الشعبي مع الشهيد ومشروعه وأحلامه وطموحاته والأمل الذي كان يبثّه اينما حلّ، كان مشهد جموع حاشدة مخنوقة هي الاخرى، بل تكاد تبدو مذبوحة من الوريد الى الوريد؟

وعندما بكوا رفيق الحريري، كان الناس يبكون فيه روح الوحدة الوطنية التي بعثها، والنجاح الذي كان يشع ويعدي، والتفاؤل الذي حمل لواءه بلا كلل او ملل، والحب الحقيقي والعميق للبنان، والقدرات الهائلة الشخصية والمادية والمعنوية التي كان يملك، والعلاقات الهائلة التي كان يبنيها حجراً حجراً.

وعندما بكى الناس الحريري، ثم تحلقوا حول نعشه فضريحه الذي اصبح مزاراً، لم يكونوا يبكون فقط جسداً احرقه انفجار خطير، لكنهم، في باطنهم، كانوا ايضاً يبكون رجلاً خُنق في السنوات الاخيرة مراراً وتكراراً، قبل ان يذهب الى حتفه ويستشهد داخل ذلك الاتون الرهيب.

كانوا يبكون رجلاً ظُلم حتى الثمالة.

18/2/2005

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.