طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

45 سنةً… وتستمر حرةً (2012)

 «شعب واحد في بلدين»: شعار لطالما قرأناه خلال تواجد القوات العسكرية السورية الرسمية في الداخل اللبناني، وهو شعار اطلقه الرئيس الراحل حافظ الاسد، للتأكيد على وحدة المسار والمصير، التي تربط المجموعات البشرية التي تقيم على ضفتي حدود البلدين، اللذين حُدِّدا بفعل تقسيمات اتفاقية سايكس – بيكو الشهيرة، ولم يعترض اللبنانيون بأغلبهم يوماً على معنى ومضمون الشعار.

فرغم التقسيم السياسي والإداري بقي الترابط عبر الحدود قائماً، متجاوزاً العلاقات التجارية والمصالح الاقتصادية، إلى العلاقات التاريخية العائلية والعشائرية والدينية والمذهبية.

ولكن كان الاعتراض على السياسة المتبعة في إدارة الأزمة اللبنانية، من قِبل مطلق هذا الشعار، وطريقة تنفيذها التي بلغت من البشاعة حداً كادت أن تمحو معه معالم لبنان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد أن نجحت في طمس معالم سوريا نفسها بكل ما في الكلمة من معنى.

وبينما كان يتم طمس معالم سوريا الاجتماعية بشكل متعمد، تحت شعار «حزب البعث» والاقتصاد الاشتراكي! وتمزيقها وتغيير طبيعتها السكانية والثقافية، كانت تنمو في التوازي ببطء، وبشكل سري ولكن بإصرار، جذور للعلاقات بين الطوائف والمجموعات البشرية التي تقيم على طرفي الحدود، كل واحدة وفق مجموعتها وانتمائها، وذلك لاستشعار هذه المجموعات بالخطر القادم على مصيرها بعد تفاقم التصاق النظام ببعض أقليات هذه المجموعات، على حساب أغلبيتها، وضخ هذه الأقليات بالفوائد والمميزات التي توفر لها تفوقاً في النواحي المادية التجارية والثقافية وغيرها.

واستمرت جذور هذا الفرز في التمدد، مع استمرار النظام السوري في عملية تغيير الملامح الاجتماعية للبنان عبر لعبة الطوائف ومكاسبها، مع إعطاء أولوية لبعضها وخاصة الطائفة الشيعية على الآخرين، ومع مراقبة شديدة لأبناء الطائفة السنية، ومحاولة قطع أي علاقة قد تنشأ مع إخوانهم السوريين، وخاصة محاولة منع بروز شخصيات تحمل أبعاداً عربية أو إسلامية قد تدفع في مكان ما السوريين السنة إلى التعلّق بهم أو الإقتداء بأسلوبهم في إدارة الأمور، مما يُسهل تفلتهم من قبضة النظام الصلبة.

ولم يوفِّر النظام أي أسلوب أو طريقة في محاولته ضرب أي حراك مذهبي لا يتوافق مع خططه، من الخطف إلى القتل إلى الترهيب والعزل والابعاد، وأخيراً «التهمة الجاهزة» أي «الاتهام بالعمالة لإسرائيل أو الإمبريالية»، لكل من يخالفه الرأي وبالتالي استباحة كل المحرمات في لعبة كان يدرك مغزاها جيداً ويدرك أهدافها جيداً، وهي كانت سبيله المنتقى لإبقاء سلطته وديمومتها إلى الأبد على ما كان يزعم.

وفي المقابل نمت العلاقات الطائفية الأخرى، وإن بشكل مختلف فأصبح الدرزي والمسيحي على تنوع مذاهبه ينظر إلى قادة الطوائف في لبنان على أنهم ممثلون له، وإن بشكل ضمني، وقد يشكلون له ضمانات وصمامات أمان في حال تغيير الأوضاع وهذا ما حدث.

أتت الثورة السورية المفاجئة لكثيرين لتعيد هذا الارتباط السري إلى الواجهة، فأصبحت كل طائفة على طرفي الحدود تعتبر نفسها بشكل أو بآخر امتداداً لأختها في الجهة الثانية.

واكتسب زعماء الطوائف اللبنانية نوعاً من الشرعية في التحدث عن أوضاع إخوانهم أبناء طائفتهم في سوريا، واستطاع بعضهم، وتحديداً الزعامة الدرزية، تحييد الدروز بشكل كبير عن قسوة المواجهات التي تدور، دون أن ننسى دور الكثير من القادة القوميين العرب من الدروز السوريين وأهميتهم في الثورة السورية الحالية وما سبقتها عبر تاريخ سوريا العروبة الثائرة على الظلم وعلى المستعمر.

وكذلك استطاع القادة المسيحيون اللبنانيون أيضاً، وإن متأخرين، وعلى رأسهم بطريرك الموارنة بشارة الراعي المساهمة في تخفيف تأثير الصراع على مستقبل المسيحيين السوريين فيها، رغم أن البطريرك يعمل وفق إرشاد بابوي يبدو كأنه قد تغيَّر في الفترة الأخيرة، طبعاً دون ان ننسى الموقف الشاذ لميشال عون وجماعته والذي لطالما اتخذ خيارات وقراءات خاطئة حول طبيعة وشكل الصراع في المنطقة.

ولكن يبقى موقف الثنائي الشيعي اللبناني (الحزب وأمل)، وهو يحمل مسؤولية تاريخية أخلاقية، خاصة باتجاه العلويين في سوريا، ومحاولة تحييدهم عن مصير قد يبدو مؤلماً وأسود إذا ما استمر هذا الصراع واتخذ شكل الحرب الأهلية، فهم يشكلون الخلفية الصلبة لمستقبل هذه الجماعة التي أعطوها الشرعية في تولي السلطة، ولكن يبدو حتى الآن أنهم قد اتخذوا موقفاً مختلفاً وانحازوا إلى مؤازرة النظام السوري بشكل أعمى وبدون تدقيق، وخاصة القوى الرئيسة بينهم وتحديداً حزب الله، الذي لا يراود المراقبين أي شك بأنه يقوم بهذا تنفيذاً لتوجيهات إيرانية واضحة على الرغم من اعتراض الكثيرين في صفوف الطائفة الشيعية.

إن مصير المجموعات الطائفية المتواجدة في سوريا ولبنان محكوم بالتعايش، فعلى الرغم من كثرة الأحداث المؤلمة منذ عام 1860 حتى اليوم، إلا أنها استطاعت دوماً أن تجد صيغة تتعايش فيها دون كثير ألم أو مذابح، ولكن هذه الطوائف قد  تواجه مصيراً مختلفاً تحت ثقل التدخل الإيراني وسياسته التي لا تقيم وزناً لأي اعتبارات إلا مصالحها، الخاصة بدولها ومشاريعها.

د. خالد جمال

27/8/2012

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.