خلدون الشريف يكرّم ريما خلف: لأن فلسطين قضية حق إنتصر الناس لكِ
ماذا يعني أن يتم في مدينة طرابلس تكريم السيدة ريما خلف، الأمينة العامة التنفيذية السابقة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأسكوا)؟
ماذا يعني ان يتمّ هذا التكريم، في هذه المدينة بالذات، بعد أقل من شهرين من تقديم خلف استقالتها من منصبها الأممي، بعدما رفضت سحب تقرير أعدته «الإسكوا» وخلاصته أن «إسرائيل دولة فصل عنصري (أبرتايد)»؟
وماذا يعني أن يكون الداعي إلى الغداء التكريمي هو الدكتور خلدون الشريف، وأن يكون راعي الإحتفال الرئيس نجيب ميقاتي؟
وماذا يعني أن تجمع القاعة، التي جرى فيها احتفال التكريم، وجوهاً طرابلسية، في معظمها، وشمالية، بشكل واسع، إلى وجوه عديدة من خارج الشمال أيضاً، وأن يكون معظم هذه الشخصيات، متباعداً في السياسة، بل متخاصم بشكل حاد جداً لسنوات وسنوات… بين «14 و8 آذار»، وأن يكون الجامع المشترك بين كل الحاضرين توجيه تحية لسيدة تبوّأت منصباً أممياً رفيعاً ولم تغادره إلاّ بعد توجيه إصبع الإتهام إلى إسرائيل، بأنها «نجحت طوال العقود الماضية في فرض نظام «الأبارتايد» عبر وسيلتين: أولاً، تفتيت الشعب الفلسطيني سياسياً وجغرافياً لإضعاف قدرته على المقاومة وتغيير الواقع، وثانياً، قمع الفلسطينيين كلهم بقوانين وسياسات وممارسات شتى، وذلك بهدف فرض سيطرة جماعة عرقية عليهم وإدامة هذه السيطرة»؟
وماذا يعني أن تقدِّم ريما خلف إستقالتها من منصب الأمينة العامة التنفيذية لـ «الإسكوا» عندما طلب منها الأمين العام للأمم المتحدة ان تسحب التقرير العلمي الذي أعدته «الإسكوا» لإثبات أن إسرائيل نظام فصل عنصري.
إذاً، هذه هي السيدة التي قالت «لا»… ومَشَت.
هذه هي السيدة التي كرّمتها طرابلس، فاستهلّت كلمتها في الاحتفال بالقول: «يسعدني لقاؤنا في مدينتكم هذه، فرمزيتها لا تخفى على أحد».
هذه هي ريما خلف، وها هي الكلمة التي ألقتها في الفيحاء، تتمحور حول حق الانسان العربي في العيش بكرامة.
ها هي كلمتها المميزة والغنية بالأفكار والتوصيفات والقراءات لواقع الوطن العربي ولحال مواطنيه، الذين هم حسب ما جاء في كلمتها «غارقون في ثنائيات مهلِكة، ثنائية الإستعمار أو الاستبداد، وثنائية الجنرال أو المتشدد، فيجد الناس أنفسهم بين القاذفة والمفخخة، بين السجن والمنفى، بين عنف ظاهر وعنف متخفٍ».
وختمت كلمتها داعية الحاضرين إلى ان يتذكروا «ان المنتفضين في شوارع تونس ومصر رفعوا العلم ا لفلسطيني في عواصمهم دليلاً على هوية حراكهم المقاومة للظلم، ولندرك ما أدركوا، بل أقول لنتذكر ما أراد العالم لنا أن ننساه: إن فلسطين هي الحل لا المشكلة».
وفلسطين كانت أيضاً محور كلمة الداعي إلى الاحتفال، وصاحب مبادرة التكريم خلدون الشريف، الذي في كلمته عبَّر عن روح مدينته، وعن المناخ الوطني والعروبي الذي لطالما كان سائداً في كل مفاصل وشرايين هذه المدينة، فروى قصة معظم الذين عايشوا المدّ القومي في الستينات، ثم «النكسة»، ثم العمل الفدائي، ثم رحيل عبدالناصر، ثم الحرب الاهلية البشعة بكل مراحلها، وصولاً الى احتراف العمل السياسي اليومي دفاعاً عن قضايا مدينة مظلومة هي وأهلها.
وفي كلمته، وجه الشريف نقداً صريحاً للطبقة السياسية اللبنانية والعربية، عندما قال: «هناك سبيل أوحد لإستعادة الثقة: الناس يريدون من سياسييهم أن يحترموا القِيَم ويلتزموا بها ويظهروا احترامهم لها وتمسكهم بها قولاً وفعلاً وعندئذٍ فقط قد يسقط الخطاب الشعبوي والمتطرف من معظم الجهات. وما فعلته ريما لامس القِيَم في مكان ما في وجدان كل عربي. ولأن فلسطين قضية حق إنتصر الناس لريما خلف من خارج المؤسسات الرسمية (…) ولا بد من ان نعترف في هذه الللحظة بأننا لسنا نحن من سينقذ فلسطين، هي التي ستنقذنا من تيهنا وستنتشلنا من بحر الانقسامات والتراجعات والانحدار إلى الهاوية».
… عودٌ على بدء، ما المعنى السياسي للخطوة التي قام بها خلدون الشريف، المقرّب جداً من الرئيس نجيب ميقاتي؟ وما معنى أن يجمع الشريف في احتفال رعاه رئيس الحكومة السابق: فريد مكاري وشكيب قرطباوي، أحمد فتفت وفيصل كرامي، خضر حبيب وعبدالرحمن عبدالرحمن، مصطفى علوش وعبدالرحيم مراد، جان لوي قرداحي وأسعد هرموش، جهاد الصمد ومصباح الأحدب، روني عريجي وميشال معوض، بلال شعبان وطه ناجي، وشخصياتٍ سياسية او اقتصادية او فكرية او اعلامية كثيرة لامعة، وقادةً بارزين في المجتمع المدني، وكلهم من مشارب ومواقع مختلفة واحياناً متواجهة، فكان الحضور نوعياً ومروحته عريضة؟
… أخيراً، وفي السياسة ايضاً، كيف يمكن لهذا اللقاء الجامع ان يساعد في بلورة صورة أراد الرئيس نجيب ميقاتي منذ فترة تظهيرها تحت شعار «لا عداوة بيننا… ولن تكون»، وهو العنوان الرئيسي الذي أكد عليه في احتفال مسجد محمد الأمين في بيروت، والذي أقامته جمعية «العزم» ورعاه الرئيس سعد الحريري.
وهذا العنوان خيّم على احتفال التكريم في طرابلس، دون ان يُعلَن ذلك على الملأ، فاحترام المناسبة وصاحبتها والقضية التي تحمل، معناه تلقائياً أن «لا عداوة بيننا… ولن تكون»، ومعناه أن عدوّنا واحد، وأن علينا أن نعرف عدوّنا.
وفي هذا الاطار ربما، يمكن وضع الجملة التي استهل بها خلدون الشريف كلمته في احتفال تكريم ريما خلف، عندما قال: «ان رعاية الرئيس نجيب ميقاتي الحاضر لهذا اللقاء، تشكل علامة فارقة توغل في المبادىء وتحمل أعمق المعاني وأبلغ الرسائل».





مكاري متحدثاً الى كميل مراد









































