طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

رمضان أقبل، فيا باغي الخير هلم حقيقة الصيام والغاية منه

مسلم بوسني يقوم بتحميل مدفع الإفطار، في البلدة القديمة من سراييفو استعداداً لشهر رمضان.

العبادة علة وجود الخلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)}.

والعبادة لها أسسها وغاياتها وأهدافها.

وكل شيء لا يرتكز على أساس متين لا بد من إنهياره، ولا يمكن ان يأمر الله بعبادة عديمة الفائدة ولا هدف لها.

مُسلمات لا شك فيها ولا ريب، فذكر الله عبادة لصفاء النفس وتزكيتها، والصلاة عبادة، لتقوية الصلة بين العبد وربه ولتنهي الملتزم بها عن الفحشاء والمنكر {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر}.

وفي الآثر الشريف: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست بصلاة».

والصيام الذي نحن بصدده من العبادات العظيمة ذات الفوائد الكبيرة والأهداف الاجتماعية النبيلة والغايات المثلى.

له أثره في تزكية النفس وتهذيبها وسمو الروح واتصالها بخالقها، لذا لم يخلق الله أمة إلاّ وفرض عليها الصيام {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}.

وكُتب بمعنى فُرض على الأمم التي تقدمتنا وان اختلف شكلاً وكماً وكيفية، لكن الهدف منه واحد والغاية واحدة.

والتقوى معناها: الحذر، فالعبد يطيع ربه حذراً من غضبه، وعرّفها علماء الشريعة بأنها: «الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل».

وأكبر أثر للصيام أنه يعوِّد الصائم على – المراقبة – فالصائم يمنع نفسه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، وباستطاعته ان يأكل أو يشرب في مكان لا يراه فيه أحد، ولكن مراقبته لله وخشيته منه تمنعه من ذلك. والصائم يكون أشد عطفاً على الفقراء والمساكين، وما ان يشعر بالجوع بعد ساعات من صيامه حتى يذكر أولئك الجياع الذين أضناهم الجوع أياماً، وعندما يجلس على مائدة إفطاره وعليها ما لذ وطاب من المأكولات يذكر أولئك الفقراء المعوزين الذين لا يوجد على موائدهم الرمضانية إلاّ الجبن والزيتون، وإذا حالفهم الحظ فالبيض والحمص والفول.

صور مأساوية تمر في مخيلة الصائم فيقشعر جلده ويلين قلبه وتطيب نفسه بالعطاء ويخف لمواساة هؤلاء البؤساء.

ثم ان الصيام ليس الإمساك عن الطعام والشراب فقط إنما هو الإمساك أيضاً عن الغيبة والنميمة والافتراء والسباب والشتائم وقول الزور، ففي الآثر الشريف «فإن سابه أحد أو شتمه فليقل اني صائم». فإن لم يتقيد الصائم بهذه المسلمات فأجر صيامه زائل لا محالة كما يفيد الأثر الشريف:

«رب صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع والعطش».

ومن تعاليم الشريعة الغراء شريعة صاحب حراء صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه».

فالصائم أجاع بطنه ليكف لسانه عن البذاءة والفحش ونهش الأعراض والفساد والإفساد، وأيضاً: ليغض بصره عن المحرمات، ويمنع يده عن كل ايذاء ورجله عن السعي إلى أماكن الفسق والفجور ومواطن المنكرات.

تلك هي مقومات الصوم الحقيقي، انه مدرسة روحية بامتياز من أولى موادّها: تربية النفس على الصفات الفاضلة ليصبح الصائم إنساناً مثالياً يسعى لمنفعة البلاد والعباد.

فهل يكون شهر رمضان المبارك فرصة للعودة إلى تعاليم عقيدتنا والسير على نهجها والالتزام بتشريعاتها لننتهي من حالة الضياع التي نعاني منها على كل الصعد. ثم هل نجعل من رمضان محطة نتزود منها بطاقات تضمن ديمومة دوافع الخير العام فلا تحول بيننا وبينه طائفية ولا مذهبية ولا مناطقية، كما جاء في الأثر الشريف «خير الناس أنفعهم للناس».

وهل نجعل من رمضان فرصة للتوبة النصوح التي لا رجوع بعدها للمخالفات الشرعية استجابة لقول الله:

{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)}.

فلنجدد العهد مع الله على ممارسة الطاعات وترك المعاصي الموبقات.

هذا قليل من كثير وغيض من فيض من فلسفة الصوم وفوائده والهدف منه.

انه شهر رمضان المبارك الذي خصه الله بتلك الفضائل ففيه ابتدأت فيه نبوة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه سلم، وفيه أُنزل القرآن، الكريم وفيه ليلة القدر، وفيه انتصر المسلمون في معركة بدر الكبرى وفتحوا مكة المكرمة بلا إرقاة دماء، وفيه انتصر المسلمون على الرومان في غزوة تبوك، وكان القضاء على الزحف التتاري الظالم في معركة عين جالوت وتمَ فتح الأندلس بقيادة القائد المغوار طارق بن ياد.

إنه شهر الانتصارات في معارك الشرف والجهاد المقدس وفي ذلك تذكير لكل إنسان بوجوب الانتصار على النفس الأمارة بالسوء فلا يكون عبداً لشهواته أو لهواه ولا عبداً للدنيا والمال، ولنستجب لمنادي السماء:

يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.