«دعوا الأطفال يأتون إليَّ » ومن خلالهم تصفو النيات وتنجلي الرؤيا
بقلم اللواء د. أمين عاطف صليبا
هو قول للمخلص المسيح وارد في الانجيل المقدس (عيسى عليه السلام)، لأن براءة الأطفال لم تخدشها مساوىء الدنيا ومزلاتها المتعددة، الأطفال أنقياء ومقاربتهم تُغني جوهر الإنسانية.
لقد أخترت هذا العنوان، بعد ان شاهدت تلك الطفلة الباكية بين يدي الرئيس «سعد الحريري» عند استقباله المهنئين في «بيت الوسط» بعد عودته إلى بيروت، هذه الطفلة البريئة إنما كانت تذرف دموع المحبة والنقاء بين يدي الرئيس الحريري.
وبعفويتها تلك وبراءتها الصافية، عبّرت عن الإجماع اللبناني بفرحة عودة الرئيس الحريري، الممزوج بغصة، رسمت إطارها تلك الدموع البريئة.
بعد هذا التقديم الإنساني والذي يجب ان يمهد للوصول إلى مخرج ما يُعيد لم شمل البلد بما فيه مصلحة لبنان العليا، ومن دون المساس بالعلاقات اللبنانية العربية وتحديداً اللبنانية الخليجية وفي مقدمها العلاقة مع السعودية.
من هنا أقول ان الخطوة التي أقدم عليها الرئيس سعد الحريري بالاتفاق مع رئيس الجمهورية وبمباركة من الرئيس نبيه بري، لجهة طريقة الخروج من مأزق الاستقالة.
والتي عاد وأكد عليها من أمام «قصر الاليزيه» في باريس. قد أخرجت الأزمة من عنق الزجاجة وبالطبع بتوافق دولي عربي وقبول سعودي.
خطوة التريث لاقت قبولاً من غالبية القوى السياسية في لبنان، وهي خطوة لا تنطوي على أي مخالفة دستورية لأن المادة 69 التي تُعدّد الحالات الست التي في حال تحقق إحداها تُعتبر الحكومة مستقيلة، حيث جاء في البند (أ) منها:
حق لرئيس الحكومة وحده
«إذا استقال رئيسها. لم تحدّد طريقة وآلية تقديمها وبالتالي اعتبارها نافذة، ولذلك كان العرف الدستوري قائماً على ان رئيس الحكومة له – وحده – حق القرار بإعلان استقالته دون تدخل أي طرف آخر معه في هذا القرار المستقل المرتبط بحرية قراره».
لكن الأعراف والأصول المتبعة تقضي بأن يتبع خطوة الإعلان عن إستقالة الحكومة من خلال إستقالة رئيسها، أن يتوجه الرئيس المستقيل إلى القصر الجمهوري لتقديم استقالته مباشرة إلى الرئيس (كون الحالات الخمس الأخرى لا تفرض توجه رئيس الحكومة إلى القصر الجمهوري لتقديم إستقالة الحكومة، لأنها أصبحت مستقيلة بنص الدستور) ومن دون ان يتطرق الدستور إلى أي شكليات تتعلق بكيفية تقديم رئيس الحكومة إستقالته، شفهية أم كتابية، إلى رئيس الجمهورية.
لكن منطق الأمور يقضي بأن يكون الإعلان الرسمي عن الإستقالة بعد التفاهم مع رئيس الجمهورية، لأن المسألة ليست بتلك السهولة التي يراها البعض، كونها تتعلق بالمصير السياسي وحتى الاقتصادي والأمني للدولة اللبنانية، أضف إلى ذلك انه بعد دستور الطائف أصبح موقع رئيس الجمهورية كشريك في إدارة الحكم، وليس «الآمر الناهي» كما كان قبل تعديل الطائف -.
وهنا لا بدّ من كلمة حق تُقال ان رئيس الجمهورية في مرحلة ما قبل الطائف لم يُطبق نص المادة 17 من الدستور القديم التي كانت تولي إليه صلاحيات مطلقة في إدارة السلطة الإجرائية في لبنان – ولهذا تفرض الأصول ان يتفاهم الشريكين الأساسيين في تأليف السلطة الإجرائية (رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، حيث من دون توقيعهما لا تولد الحكومة في لبنان).
حول مسألة أسباب الاستقالة، وما يمكن ان تنعكس على المصلحة العليا للدولة اللبنانية، ولذلك علينا ان لا نستغرب ما تمنى رئيس الجمهورية على رئيس مجلس الوزراء التريث في تقديم الاستقالة، وتجاوبه مع هذا التمني.
«مصلحة لبنان العليا تقضي بإتخاذ مثل هذا الموقف»، الذي قد يُمهد لإخراج الأزمة من عنق الزجاجة.
لأن أسباب الاستقالة المعلنة تتضمن عدة أمور خارجة عن الإرادة الداخلية اللبنانية.