كلمتان من أصل يوناني «الأوليغا – رشية» (حكم الأقلية) (Oligarchy) أميركيون يقفون بالصف لشراء كتاب؟!
عنوان قد يجده القراء غريباً، وما الذي أقصده من خلاله!
الجواب بسيط لدي، وهو أنني قرّرت أن أنقل ما شاهدته في 7 الجاري في مطار واشنطن «دالليس» أثناء عودتي من واشنطن إلى بوسطن، فقد لفت نظري أن الأميركيين يقفون بالصف لشراء كتاب جديد بعنوان ملفت للنظر:
عنوان الكتاب
American Oligarchs the Kushners – the Trumps, and the Marriage of money and power, 2020, Andrea Bernstein
أي: «حكم الأقلية الأميركي: آل كوشنير آل ترامب، وزواج المال والسلطة».
عما يتحدث
تصفحت الكتاب سريعاً دون أن أشتري النسخة، إذ أتضح لي مضمون الكتاب من خلال المقدمة وبعض صفحاته…
الكاتب يتطرق إلى ما يقوم به «كوشنير» صهر الرئيس، مع الرئيس الأميركي «ترامب» وتسلطهما على القرار الأميركي برمته.
«ترامب» لم يصافح «بيلوسي» فمزقت خطابه
وكنت قد تابعت على التلفزيون الخطاب السنوي عن «حالة الاتحاد» الذي يُلقيه الرئيس الأميركي وفق الدستور أمام الكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ)،
وكيف أن «ترامب» لم يُصافح رئيسة مجلس النواب «بيلوبسي» عندما مدت يدها لمصافحته بعد أن سلمها نسخة الخطاب،
هذا التصرف أزعجني كما أزعج غالبية الشعب الأميركي، والذي سُرعان ما ردت عليه «بيلوبسي – الإيطالية الجذور» بتمزيق الخطاب فور إنتهاء «ترامب» من قراءته!
خطأ من «ترامب»
أنا ليس من حقي تقييم تصرفهما، لكن من الناحية المبدئية:
لا يجوز أن يبدأ «ترامب» بمعاملة رئيسة «مجلس النواب» كما فعل على مرأى من غالبية الشعب الأميركي، بغض النظر عن دورها في إتهامه من قبل «مجلس النواب» بخرق الدستور الأميركي، حيث جاءت النتيجة كما تَوَقَّعْتُها – ليس من باب الغيب بل من باب علم القانون الدستوري، كون عزل الرئيس الأميركي يتطلب وفق الدستور ثلثي أعضاء الكونغرس أي 67 شيخاً والديمقراطيون ليس لديهم سوى 47 شيخ –.
Oligos – Arkhe
المهم أن العنوان حملني للتدقيق في أصول كلمة «أوليغارشية»، فوجدت أنها من أصل يوناني وهي تتألف من كلمتين الأولى Oligos والتي تعني «القلة» والثانية Arkhe تعني «القيادة».
«أفلاطون» أول من إستعملها
كما تبين أن أول من استعمل هذا التعبير هو الفيلسوف «أفلاطون» التي قصد بها «الحكومة الأرستقراطية» التي أصبحت تحكم لتحقيق مصالحها الشخصية بعيداً عن مصالح الشعب.
و«أرسطو» بعده
وقد اعتمدها من بعده الفيلسوف «أرسطو» والاثنين قصدا من خلال تلك التسمية الحكومة التي تعمل لمصلحة مكوناتها، أما الشعب فهو آخر همومهم!!
الأميركيون تهافتوا لشراء كتاب… لماذا؟
وإذا ما عدنا الى هذا الكتاب الذي يتهافت عليه الأميركيون نجده أنه «اسم على مسمى» لأن السياسة الأميركية – وبغض النظر عن طبيعة النظام الرئاسي الأميركي الذي يجعل كل السلطات التنفيذية بيد رئيس الدولة – هي فعلاً سياسة «الأوليغارشية» التي يتحكم بسياستها الداخلية والخارجية شخصان لا ثالث لهما، الرئيس وصهره العزيز، حيث لا يهتمان سوى لمصالحهما الشخصية والتي على ما يبدو ستستمر لولاية ثانية، سيما بعد أن رفض الكونغرس إتهام «ترامب» بـ «الأيمبشمنت» وعزله، حيث نجد عدد مؤيديه بتزايد ملحوظ، إذ يعتبرونه أنقذ الإقتصاد الأميركي وباتت نسبة البطالة في عهده في أقل درجة عرفتها أميركا منذ عقود طويلة!
«الأوليغارشية» نهج حكومات نظامنا السياسي
رحم الله «أفلاطون» الذي ابتدع هذا التوصيف، الذي ينطبق بعد آلآف السنيين على آلية الحكم في أميركا، حيث يمكننا وبكل تجرّد القول بأن «الأوليغارشية» تنطبق أيضاً على الحكومات التي توالت على الحكم في نظامنا السياسي، لأنها كانت لا تهدف لتحقيق المصلحة العامة بقدر ما كانت بهدف تحقيق المصالح الشخصية لقياداتها ولتابيعها، وأخذ البلاد إلى المصير المؤلم وغير المسبوق، الذي نعيشه اليوم لا سيما بشقه الاقتصادي المالي، بنتيجة تصرفاتهم وصفقاتهم المشبوهة، التي أوصلت البلد إلى شفير الإفلاس وسرقة مُدخرات هذا الشعب الطيب!!
أيها الشعب الكريم سامحك الله على سكوتك
سامحك الله أيها الشعب الكريم، لأن سكوتك ما قبل 17 تشرين الأول الماضي، هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه!!