طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

إصدارات في طرابلس: «… هل نعود ونرسو بهدوء أمام واقع الحياة أم نثور عليه؟».. لونا قصير في «مرآة الروح»: مَن يربح في صراعنا مع النفس؟

«هل نحن مسيّرون أم مخيّرون؟

عندما تحلّق الروح، هناك.. حيث المحبة تغمر القلوب، والملائكة ترفرف من حولها.. نكتفي، نلاحقها كمن يركض تحت قوس قزح. محظوظ من استطاع أن يمرّ من تحته! هي أساطير وحكايات، لا نفهمها في بعض الأحيان، لكنها موجودة.. بَوحنا لأنفسنا لا يشبه أي بَوح. يرقد في خفايا قلوبنا، أو يقضي علينا بهدوء، أو يرسم بسمات على وجوهنا، فتشرق الحياة من جديد كأننا خلقنا الآن.

هل الصراع مع النفس هو من أصعب الصراعات التي تأخذنا تارة كتيارات البحر إلى أعماقه وطورًا إلى شاطىء الأمان؟ المشاعر لا يهمها كبيراً ولا صغيراً.. هل ستقضي على أبطال الرواية وعلى مَن حولهم؟ أحداث وحوارات تتخطى الواقع لتسمو إلى أفق لا حدود له. نبتسم بفرح، بمرارة، بحزن، بسخرية، هل نعود ونرسو بهدوء أمام واقع الحياة أم نثور عليه؟ ويبقى دائما الأمل هو الخلاص الوحيد لحين الوصول إلى الكمال المرتجى»..

(حول الرواية منشور على الغلاف الأخير)

في هذا العدد من «التمدن»، على الصفحتين 14و15، ننشر مقتطفات من  الرواية الجديدة «مرآة الروح»، من منشورات «مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية»، والتي سوف توقعها مؤلفتها الروائية الطرابلسية لونا قصير، يوم الثلاثاء المقبل في 13 شباط 2018، عند الساعة الخامسة مساءً في مدينتها،  في مركز الصفدي الثقافي، المعرض، شارع رمزي الصفدي. وسوف يجري التوقيع بعد ندوة حول الرواية، يتحدث فيها  كل من: الدكتور مصطفى الحلوة، الدكتور محمد سلهب والدكتورة أمل الراغب، ويديرها الأديب الياس عشي.

بين الواقع والحلم

ليلتها.. كانت تشعر بسعادة وطمأنينة…

وصلا إلى شاطىء البحر وجلسا يتأملان النجوم.. استلقيا على رماله، يخاف أن تتراجع مياه البحر وتأخذ معها بصمات جسديهما.. البحر غدار، ولا أحد يعلم مدّه وجزره، ومهما عصفت تيارات الحياة جواهره في جوفه. سطعت النجوم بعد أن فرشت جسدها على شاطىء وتدللت.. كلما مالت قليلاً شعّت نجمة جديدة تحاول أن تسترق النظر..

لا تسمع إلا صوت هدير موج خفيف وإذ بها تسأله:

– هادي هل تعلم عدد النجوم في السماء؟

– كعدد سكان الأرض. كل نجمة لشخص، البعض منها يشعّ أكثر من الآخرين والبعض الآخر منها أقرب مما نعتقد. في السماء النجوم تتمرى، وتختار شبهاءها وتتكلم معهم…

– أشر لي إلى نجمتك؟

أشار بإصبعه إلى نجمة من بين النجوم. بدأت ياسمين بالضحك على صوت عال..

– أخفض اصبعك بسرعة، يقولون يجب أن لا تشير إليها، ستصاب بمرض جلدي..

– إنها خرافات ياسمين.. نحن اخترعناها نتكلم مع النجوم والبحر والشمس، لنخفف عن أنفسنا همومنا ومشاكلنا..

راحت تضحك بصوت عال من جديد قائلة:

– ربما.. هل تدري بأنك سارق محترف، لقد أشرت إلى نجمتي!!

– لا.. لا.. نجمتي فريدة، لا تشبه أحدًا..

– من تشبه؟

– ربما هذه النجمة هي أنتِ في مكان آخر!

– وكيف أجلس معك إذاً؟

صمت هادي قليلاً ثم قال:

– ياسمين.. ما اسم نجمتك؟

– وهل للنجمة اسم؟ اسمها نجمة ألا يكفي..

– لا.. لكل نجمة في السماء اسم..

ثم أشار بيده إلى السماء وقال لها:

– من هنا تهبط الشهب، ما إن نشاهدها نسرع ونغمض عيوننا، ونتمنى أمنية.. من هنا نغازل النجوم كلآلئ المرجان، نختار واحدة ونسميها باسم حبيبتنا. من هنا تشرق الشمس لتتغلغل بدفء في أجسادنا، وتزيل العفنة عن جدران القلوب التي قتلها الملل..

راحت ياسمين تضحك بصوت عال وقالت له:

– يا لك من رومانسي! لكنك لم تخبرني ما اسم حبيبتك؟

– اسمها سرّي جداً ولن أبوح به لأحد.. في عقلي عالم آخر، أحبه ويحبني، نسرح معاً في دنيا أخرى بعد أن مللت من البحث عنها.. هي أحلام، أجمل ما فيها، أنها تأخذني إلى حيثما أريد وتعيدني سالماً..

– أتمنى لك أن تجدها..

ابتسم قائلا لها:

– ما رأيك؟ سأختار لنجمتي اسم ياسمين..

ابتسمت ياسمين له من غير أن تتفوه بكلمة.. اقترب منها إلى أن أصبح جسداهما شبه متلاصقين ببعضهما البعض..

– ياسمين أتتذكرين تلك الليلة؟

– أتذكرها طبعاً.. الإثم البريء..

راح يضحك بصوت عال وقال لها:

– وهل من إثم بريء؟ كم تمنيت أن أحضنك أكثر لكن كان هناك وعد بيننا، وأنا لا أخل بالوعود أبداً..

– لكنه في عقلي بريء.. ألا يكفي؟

وبدآ بالضحك كما لو كانا طفلين يلعبان على شاطىء بحر قديم.. كل منهما  يمسك بحبل من جهة وكأنهما يتبارزان على نجوم لا علاقة لها بغزل يلوح في أجواء بعيدة عن لعبة أطفال بريئة؟ من سيفوز من بينهما؟ كل منهما يمسك من جهة بطرف الحبل.. من سيتغلب على الآخر.. انقطع الحبل.. من ربح؟ في الحب لا غالب ولا مغلوب.. اللعبة  تعدّت الضحكات والهمسات..

– ياسمين دعيني ألامس روحك، من بين الحدائق المحيطة، وجهك لا يزال مملكتي.. أبحث من بين ملايين الورود عن وردة تشبه خديك الورديين، أتوق لملامسة شفتيك، أتشبث بالريح، وأركض وراء النسمات بحثاً عنك. عطري عفن مع مرور الزمن، وجسدي هرم من غير حنانك.. تزوجيني قبل الربيع قبل أن تهترىء ذاكرتي، وتضمحل مع أرض قاحلة من دون حبك.. من دونك ودوني…

– أحب رقة كلامك وحنانك.. أشعر معك وكأنني تلك الطفلة التي لم تعشق من قبل.. لا أحب أن أستيقظ منه..

– تعالي.. ارقصي يا صغيرتي، ارقصي مرة بعد، ارفعي ذراعيك ودعيهما يطيران مثل الفراشة تدور وتدور.. أنت تبحثين عمن وعما؟ ارقصي بين ذراعي، واتركيني أتوه في ثوبك الحريري المخرم الذي أعشقه، اتركيني أتوه من السعادة ومنك.. ارقصي واتركي جسدك  غارقاً في حبي حتى بزوغ الفجر في حضن عشنا الأبدي..

لم تتأفف ياسمين من غزل هادي، فضلت جنون اللقاء، لم تكن تدري ثمن الضحكات وكم ستكلفها؟ لكنها  متأكدة بأنها لن تتكرر في حياتها. من كثرة فرحها شعرت بنفسها كعصفور مهاجر، يريد أن يحلق في السماء بلا حدود ويغط حيثما يكون..

يجب أن ترحل، ستحمل معها  عطرا لن تجرؤ حتى الذكريات على البوح به.. وإذ بهادي ينظر إليها قائلاً:

– ياسمين.. أحبك..

– هادي.. يجب أن أرحل من جديد..

– ياسمين.. هل تشعرين بالذنب؟

– لا أعلم.. جميعنا إلى زوال، وماذا سنأخذ معنا من الذكريات إلا جعبة فارغة تملأ فيها دموع الندم، كمن يحاول أن يلتقط الماء في يديه.. عطشى بين ينابيع الحياة. لم أغرف من الحياة إلا العذاب ولم أبخل عليها  من حبي لها، اسقني قطرة من حبك قبل أن أرحل، لأملأ قلبي بالحب ، وإن بكيت لن يكون بكائي سُدًى..

– ياسمين.. سأتزوجكِ، إن لم يكن اليوم، غداً..

– هادي لا أستطيع أن أتزوجك!!

– يجب أن نعيش معاً، هل يجب أن تكون مسافات البعد مؤلمة لمعرفة اليقين، هل لا بد من وجود ضحية ليلْتَئمَ الشمل!  في الحالتين لم يعد يهمني، قتلتيني.. فأنا عاشق لم أعد أقوى على العيش من غير وجودك في حياتي..

حبها لهادي كقطرات المطر، هل ستكتفي بها لترتوي حياتها، شعرت وكأنها تركض فاتحة ذراعيها لتستقبل هواء ربيع لن يأتي. انهمرت دموعها على خديها الورديين لترتطم بأرض الواقع المرير.

وقفت بسرعة، سرّحت شعرها ونظرت إليه قائلة:

– هادي.. أريد أن أذهب من فضلك!

لم يجبها، لكن بدا الإستياء على وجهه، وفي السيارة قال لها:

– ياسمين هل تعلمين كم أنت بارعة في ترداد كلمة الرحيل! اسمعيني جيدًا، أنا من سيرحل هذه المرة،  سأتركك تفكرين، صدقيني لن أزعجك بعد اليوم..

– ولكنك تعرف قراري! فلماذا تسألني في كل مرة؟ لماذا لا تريد أن تكون صديقي!

– اسمعي.. دعينا نتفق، سأبتعد لفترة، وبعد شهر نلتقي، فكري جيدًا ولا تتسرعي ارجوك، لديك حرية القرار والوقت لتقرري.. هل أنت موافقة؟

– موافقة..

– ياسمين.. استمتعي باللحظات الجميلة، كي لا تضيع من بين أيدينا، ونخسر معاً..

وقبل أن تذهب، أعطته بطاقتها وقالت له:

– هادي .. هذا رقمي الجديد، احتفظ به ولن أقبل أي حجة جديدة بعد اليوم.. واعلم أنني لن أقبل منك هذه المرة أي عذر..

– في المرة الأولى أنت من أضاع جواله، وفي المرة الثانية أنا الذي نسيت بطاقتك على طاولة المطعم..

ضحكت قائلة له:

– إذا تعادلنا الآن…

– ياسمين حفظت الرقم هذه المرة، لا تقلقي..

– وأنا حفظت رقم جوالك أيضاً.. هادي أرجوك لا تتصل، دعني أنا أتصل بك أرجوك..

– حاضر سيدتي الجميلة.. لا تتأخري، أنتظر اتصالك..

أخيراً وصلت إلى الفندق، طبعت قبلة على وجنته واختفت، ما إن ترجلت من السيارة، حتى إندلعت معركة دامية بين عقلها ومشاعرها، وانطفأت النار مع بزوغ فجر جديد في سكون مرعب.. بركان تخلى عن هدنته العابرة، تاركاً وراءه بقعة سوداء، يغطيها الرماد المتناثر وضباب دخان، إن لم تمت من الحريق، ستموت اختناقاً..

وإذ بدقات قوية على باب غرفتها وصوت هدى تصرخ:

– ياسمين.. ياسمين افتحي الباب؟

استيقظت ياسمين مرعوبة، لا تعلم ماذا حصل وأين كانت؟ أين هادي؟ أدركت حينها أنها غطت في حلم عميق، فهي لم تعد تتذكر متى تركت الحفل.. ترجلت من سريرها، وفتحت لها باب الغرفة. دخلت هدى وبدا عليها الخوف فقالت لها:

– ما بك ياسمين هل أنت مريضة؟

جلست على السرير محبطة وقالت لها بصوت منخفض:

– يبدو بأنني غفوت في حلم عميق.. هدى روادني حلم غريب.. لكنه جميل..حلمت بهادي، شعرت وكأنه حقيقة. هدى لا أعلم هل ما حصل بيني وبينه حقيقة أم حلم؟

– حبيبتي، اتصلت بك بعدما انتهيت من زيارة اقربائي ولحقت بكما، توجهنا ثلاثتنا إلى الشاطىء وتنزهنا على البحر وقبل مغادرتنا، أخذت منه بطاقة وهو كذلك،  ومن ثم  اعتذر مني قائلا بأنه يريد أن يكلمك على انفراد، ومن بعدها رأيته يطبع قبلة على وجهك هو ذهب ونحن عدنا إلى الفندق..

عطر الياسمين

رحل كالطير مكسور الجناحين، أغلقت الدنيا نافذة الحياة على قلبه المجروح، حتى آخر بصيص أمل لديه انطفأ..

على طريق العودة، بدأت الظلمة تشتد، توقف إلى جانب الطريق، وترجّل من مركبته، ودخل إلى حديقة مليئة بجميع أنواع الورود..

ابتسم بسخرية وبسرعة فتح الرسالة وجلس على حفة باطون وراح يقرأها بهدوء:

«هادي الحياة مثل البحر، إن كنت سباحاً ماهرًا تعلو مع أمواجه وتنجو من الغرق، وإن كنت لا تحسن العوم، يسحبك إلى قعره غير آبه بك.. لا يغرك هدوؤه، لا تدري متى يثور، لا تظن أن هناك شواطىء آمنة، جميعها تتشابه وإن كانت تقع في أماكن مختلفة.

بين القمر والشمس، ليل ونهار، وهكذا نحن، فكيف نلتقي؟ أحببتك لأنك صادق، وحنون، لكنني كنت أعلم من أول لقاء لنا، أنني لن أستطيع أن أكون معك.. هناك ظروف أقوى منا، لا نستطيع أن نتحكم بها.. لم أكن إلا مجرد حلم، لا تغرق فيه، الحياة جميلة، عشها، فأنت تستحقها.. إن توقفت أوراق الأشجار عن الاهتزاز، تغريدة عصفور تذكرك أن الهواء لم ينقطع.. هناك عصفور ينتظرك في مكان ما، لا تستسلم.. وإن تزوجت ورزقت بطفلة، سأنتظر زيارتكما، وأعلم بها من عطر الياسمين المتناثر على قبري.. سأبتسم وأدعو لكما من كل قلبي.. فأنا أحبكما»

ياسمين

راح يبكي بقوة ويردد بينه وبين نفسه: وما النفع من حديقة امتلأت بورود من مختلف الألوان، إلا اللون الذي أعشقه.. جميعها باهتة كالأحلام الوردية التي تهاوت في الأفق من غير ميعاد.

أشعل سيجارته وراح يتأمل السماء الصافية، كل شيء أوحى له بهدوء غير طبيعي، وإذ بلفحات من الهواء البارد تهب، شعر بالبرد.

رفع قبعة ردائه الرقيق، لكنها لم تمنع أصداء هدير صوت الهواء وصدى أصوات بعيدة امتزجت معاً، راح يتأمل النجوم المتلألئة اندهش من كثرتها، وإذا بالقمر يطل من خلف الجبل، لحقته بعض الغيوم، كالعروس المرتدية وشاحا أبيض، تتسلل سراً للقاء أحبائها، من بعد خصام دام شهوراً..

فجأة سطعت من بينها نجمة مختلفة، إنه يعرفها، هذه نجمته.

ابتسم بسخرية ونظر إليها قائلاً:

– أيتها النجمة… أفتقدُ حبيبتي في الصباح، وكثيراً مع كل ثانية. كل يوم أقرأ جريدتي وأرتشف فنجان قهوتي، صباح لا يأبه لوجودي، وياسمين لم تسل ولم تأت. مضى الغد  كلمح البصر، أفتقدها كل يوم أكثر.. توقفت عن العدّ، اعتقدت بأنني مع الزمن سأنسى، لكن لم تتغير إلا صورتي.. أيتها النجمة خذيني معك.. أيتها النجمة لماذا لا تجيبينني؟

لم تجبه ولم يسمع صدى صوتها، فهم هادي ان نجمة لم تكن إلا من وحي خياله، ووجدانه ليحلم بياسمين، ويتذكر قصته معها وكيف تعارفا..

نجمة كانت خلاصه الوحيد لتطلق سراح ما يكنّه في قلبه من شوق وحنين.. راح يصرخ بصوت عال: ياسمين، حبيبتي.. آه يا ياسمين، لقد إنتهى الوقت ولم أبدأ… إنتهى الكلام ولم أستطع أن أقول لك ما في قلبي. إختنقتُ وقلبي معاً، ليت العمر يبتدئ من جديد. سنلتقي في موسم ما، لم يعد يهمني إن كان خريفاً أو ربيعاً أو صيفاً أو شتاءً، فالمواسم لا تأبه لأجسادنا الباردة ولن يدفئها إلا التراب الذي سيجمعنا.

ليتك اعطيتني فرصة لأروي لك قصة لم تحك بعد، سأختار من كل رواية أجمل كلمات حب، أجمعها معاً، لعل الوقت يتوقف، وأغتنم فرصة سماعك لكلماتي، لقد أصبحت روحا بلا جسد.. ليتك تعودين لأضع وجهي على صدرك وأسرق منك خلجات قلبك وأتعلم أن أحيا من جديد. سأرتجل رقصة الحوريات، سأستعير زقزقات العصافير، سأفتح لك قلبي في ليلة باردة،  سأنتظر لحظه لقائنا ولو بعد سنين..

جلس على صخرة يتأمل نجمته، فجأة راح يتساءل: حتى وهو في المستشفى لم تفارقه ياسمين. نجمة لم تكن إلا مرآة روحها الملاك، نجمة لم تكن إلا وهماً في لحظة اشتياقه إليها.

أطفال كثيرون من قبله حلموا، وصدقوا أن الأحلام النابعة من القلب لا تخذل.. صدقوا أن الحب لا قيود له كالجنة تزهر، وإن كانت فقط في الخيال تُسعد، نعيشها وبعيداً معها نحلق..

وراح يرنم بصوت منخفض:

ياسميــــــــــــــــــن يا حبق الورد والياسمين،

لا تنسني تَذَكَّرِيني عند أول لقاء لنا، وفي آخر وداع، فالمسافة بينهما عمري. ستبقين دائماً الأجمل، وإن شَحّ النظر، فمرآة الروح لا تفرق بين قمر وقمر. سأبتسم من أجلك، رائحة الحزن تفسد العطور، لن ألوم الورود إن ذبلت قبل أوانها، ستبقين وردتي طيلة حياتي ومهما طال الزمان..

راح يتذكر حركات وجهها الصبيانية، وعينيها المشتعلتين وراء حياة مفعمة بالحب، وبسمتها التي تتحول في بعض الأحيان، إلى ضحكات متقطعة.

لن يراها مجددا.. يغمض عينيه كطفل لتنطفئ ذبذبات صوتها في الصدى البعيد، كالقصص التي ترويها الأمهات فوق مهود أطفالهن ليغفوا في طمأنينة وسكون.

سيعود إليها في وحدته، لا يهم إن كانت حقيقية أو وهماً، أو هروباً. إنها مجرد ابتسامة في خياله، لن يستطيع أن يشاركه أحدٌ بها. ياسمين مرآة روحه ، ستبقى حبيبته طيلة حياته.

اختفت نجمة من السماء وأخذت معها ياسمين، وإذ به يلمح سرباً من طيور تتغلغل في حضن الوادي، وكأنها لم تغادر في يوم، تتنصت إلى أَصْداء همساتها، وتغردها له عند بزوغ الفجر، على نافذة غرفته كما كانت تفعل كل يوم من غير أن يدري..

نظر إلى السماء قائلاَ: «يا إلهي.. كيف امتلأت السماء بنجوم عزيزة على قلبي، ونجوم لا أعرفها. لقد أصبح لدي ثلاث نجوم، لكل نجمة اسم حبيب لن يفارقني طالما أتنفس، لكن اليوم سأتوقف عن عدّها، كما كنت  أفعل في الماضي، وسأكتفي بالابتسام لها لحين اللقاء..»

سيتصل بجابر ويخبره عن قصة ياسمين. رمى سيجارته وصعد إلى سيارته. فجأة أتت بباله ماجدة، تذكر كلامها عندما طلبت منه البحث عن ياسمين وقالت له: في بعض الأحيان، لا نعترف بما يختلج في قلوبنا، نتفوه بكلمات كثيرة، إلا أهم واحدة..

ابتسم.. أدركَ ما قصدت ماجدة بكلامها له، فهي الوحيدة التي لن تتأفف منه إن أخبرها عن نجومه..

بعد عدة أعوام، عاد إلى الدير لزيارة الأم تيريزا، لتتعرف على «ياسمين الصغيرة»، وذهبوا معاً لزيارة قبر ياسمين.. عندما وصلوا بدأ ثلاثتهما يدندون معاً أغنية ياسمين..

يا حبق الورد والياسمين،

من رأى وجهك

فاح من قلبه عطرك

لا يشمّها إلا قلوب العاشقين،

ياسمين..

يا أجمل زهرة شامية

عرفتها الحقول والبساتين

ستبقين في قلبي.

أنتِ سرٌّ من أسراري

لم يروَ بعد

حتى في قصص الأساطير…..

لونا قصير

الروائية الطرابلسية لونا قصير

نشأت في لبنان، في مدينة طرابلس، وأتمّت علومها فيها. صدر لها:  كتاب «القميص الزهري» – باكورة أعمالها: وجدانيات وخواطر وقصص قصيرة، رواية »بلاد القبلات« دار «الفارابي»، رواية «فراشة التّوت» دار «أبعاد». تم اختيار «القميص الزهري» و«بلاد القبلات» و«فراشة التّوت» من قبل اللجنة الوطنية التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية لقيمتها الأدبية، وذلك خلال الاعوام: 2014 و2015 و2016 ، على التوالي. شاركت في مؤتمر لشعبة المبدعين العرب، ودعيت كأمينة للرواية والقصة القصيرة، 2014، القاهرة، مصر. دراسة أكاديمية في كتاب: «الأدب القصصي في لبنان الشمالي»، د. نزيه كبارة، 2015، لبنان. دراسة أكاديمية لرواية «فراشة التّوت» برعاية د. ايمان عبد المالك الحلو عميد كلية التربية للبنات، وبعناية الباحثين المشاركين في «المؤتمر العلمي الدولي الثالث» الذي تنظمه جامعة «الكوفة» في العراق، فقد فكك الباحثون: د.انسية أبوالقاسم خزعلي، و د. رقية رستم بور،  ود. عواد الغزي، البُنْيَة السردية في الرواية واتخذوها نموذجا للرواية المعاصرة في تجليات المتاهة السردية 2017 ، العراق.  دراسة فيزيائية: «أثر الفراشة في رواية فراشة التّوت» للأستاذة زينب لوت، الجزائر، 2017. دراسة أكاديمية لروايتَي «بلاد القبلات» و«فراشة التّوت» ونقد، في كتاب: «ثمانون كتاباً في كتاب»، د. مصطفى الحلوة، 2017، لبنان.

طُبعت رواية «مرآة الروح»

في «دار البلاد للطباعة والإعلام في الشمال»

والتصميم قامت به شركة  Impress

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.