أحبب من شئت فإنك مفارقه… واعمل ما شئت فإنك مجزى به
أيها الإنسان لك الخيار ان تحب من شئت، ولكن ضع في خلدك أنك مفارقه لا محالة، فإن لم يكن في الدنيا لأسباب توجب الفراق كالكذب وعدم الوفاء والإيذاء والخيانة، فإن الموت سيفرق بين الأحبة.
قد تتنازل عن كثير من حطام الدنيا لمن تحب، وهذا يدل على صدق المحبة بامتياز، ولكن إياك أن تتنازل عن عقلك فتجعله يفكر عنك ويتكلم باسمك، احتفظ بتلك النعمة التي أنعم الله بها عليك.
فإن زينة الإنسان عقله وتفكيره فهو الذي يمنحه حرية العمل والتعاطي مع أبناء المجتمع، فلا وصاية عليه، يكفي ان المرء يُثبت وجوده ويحتفظ بكرامته التي منحه الله إياها {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} فهو اللبنة الصالحة في هذا المجتمع يعمل مع أمثاله لبنائه.
وبهذا يبرز فضل العقلانية على الببغائية.
وتُميز الرجال عن أشباه الرجال.
الذين باعوا أنفسهم أو أجَّروها بثمن بخس دولارات معدودة فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير!!
هؤلاء ظلموا أنفسهم وأبقوها في المهانة والذلة وأضاعوا الجوهرة التي وهبها الله لابن آدم وفقدوا كرامتهم وأصبحوا باختيارهم من أشباه الرجال، وبذلك ارتكبوا جريمة تمُجها الشرائع السماوية وتخالف القوانين الوضعية وشرعة حقوق الإنسان وتأباها الأخلاق الكريمة والسجايا الحميدة والمثل العليا.
يوجد من مثل هؤلاء – في المجتمعات العالمية كافة وفي المجتمعات العربية خصوصاً – هؤلاء ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبنون أنهم يُحسنون صنعاً.
كبيرة والله تلك الظاهرة الخطيرة، ظاهرة الجوع المالي والجشع والرغبة بالمال بأي وعن أي طريق التي غزت لبنان والمجتمع العربي الأمر الذي جعل الانتكاسات فيه على أشدها على كل صعيد ولا سيما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية وحتى الأخلاقية والدينية!!
وأصبحنا في مجتمع يعبد المادة ويعيش من أجلها، «ولو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث»، و«لا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب».
علماً ان المحبة التي نحن بصددها إن كانت لمصلحة فأيضاً لن تدوم، لأن الود لغاية فهو مقيد بها، فمن يسبق ويتكفل بتأمينها فهو الأوفر حظاً بالاتِّباع.
وهكذا الود لمصلحة يتماشى معها ويذهب بذهابها.
أما المحبة، التي لها رابط مقدس، فهي تنمو بالصدقية وتقوى روابطها إلى ما لا نهاية، لأنها أُسست على عُرى ثابتة لا انفصام لها.
فالأخلاق الكريمة والسجايا الحميدة والأدب الرفيع وحب الخدمات العامة هي التي جمعت المحبين وألفت بين قلوبهم.
مسلمات إذا توفرت كان المجتمع المثالي والمدينة الفاضلة التي يتغنى بها الأدباء ويشدو بها الشعراء ويتمناها الحكماء لأنها حرب على الأنانية فـ «الخلق كلهم عيال الله»، والمرء يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
على ان للمحبة آداب يجب ان تُراعى:
بحيث لا تدخلنا في باطل بموافقتنا على كل ما يفعله ويقوله من نحب وننسى ان «كل ابن آدم خطّاء»، ففي الأثر الشريف:
«ثلاث من أخلاق الإيمان:
– من إذا غضب لم يدخله غضبه في باطل،
– ومن إذا رضي لا يخرجه رضاه من حق،
– ومن إذا قدر لم يتعاط ما ليس له».
وخلاصة القول: ان كل إنسان ينبغي ان يكون مع الحق أنّى كان مصدره من عدو أو صديق.
فكل امرىء مفطور على الغضب والرضا فعليه ان يتعامل مع هاتين الصفتين بوضع الحق في نصابه ولا يكون للنفس الأمارة بالسوء سلطان على العقل السليم والفكر القويم.
وليعلم كل منا انه مجزي بما يقول أو يعمل.
واعمل ما شئت فإنك مجزي به.