طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

القصة الكاملة لـ «دولة المطلوبـين» في طرابلس سنة 1974 (10)

… إنها طرابلس وعلاقتها الملتبسة بـ «الدولة»، منذ نشوء الجمهورية اللبنانية، عندما صار العصيان جزءاً من هويتها، وصارت المدينة بدورها صندوق بريد سياسياً أو أمنياً يستخدمه من يستغلون مشاعر الرفض والغضب الممزوجة بالقهر والحرمان، لتنبت كل بضع من السنوات في أسواقها الداخلية ومناطقها الشعبية «دولة مطلوبين» من هنا و«دولة مطلوبين» من هناك. وما أشبه ما حدث في منتصف سبعينيات القرن الماضي، بما حدث في السنوات الثلاث الماضية في هذه المدينة.
في الاعداد التسعة الماضية نشرت «التمدن»، تسع حلقات عن قصة «دولة المطلوبين» («دولة القدور»)، مستندةً الى ملف كامل نشرته «التمدن» في عدد خاص في شباط 1975، علماً أن «دولة المطلوبين» كان قد أطلقها أحمد القدور بعد اتهامه بقتل الطالب محمد خالد بحوش في 18/3/1974، الى أن قضت الدولة اللبنانية على هذه «الظاهرة» في 5/1/1975.
في الاعداد السابقة نشرنا مشهدية دخول «الدولة» الى الأسواق، ومن هم «المطلوبون»، وما أبرز الأحداث التي حصلت خلال «حكم» «دولة القدور» الذي امتد لأكثر من تسعة أشهر، وماذا جرى في المدينة القديمة، وماذا كان على الدولة أن تفعل كي لا تتجدد «دولة المطلوبين»، ومسؤولية السلطة الحكومية بكافة إداراتها وأجهزة الأمن فيها، اضافة الى مسؤولية الشعب الطرابلسي، من جهة، والمطلوبين من جهة أخرى؟
كذلك نشرنا تفاصيل زيارة رئيس الحكومة، وقتها، رشيد الصلح لطرابلس في 12/11/1974، بعد 12 يوماً من تشكيله لحكومته (31/10/1974) وقبل حوالي السبعة أسابيع من قيام الدولة بمهاجمة «دولة المطلوبين» (5/1/1975)، ونشرنا أيضاً تفاصيل ما جرى في الاجتماع الذي عُقد في دار بلدية طرابلس بحضور النائب، وقتها، عبدالمجيد الرافعي وممثلين عن الأحزاب التقدمية والهيئات الاقتصادية ورئيس البلدية، وقتها، محمد مسقاوي، وقد حصل هذا الاجتماع في 13/11/1974 بعد يوم واحد من زيارة الصلح وبطلب منه، ونشرنا أيضاً ما قاله النائب، وقتها، الدكتور عبدالمجيد الرافعي عن هذه الظاهرة، في شباط 1975 بعد حوالي الشهر من سقوط القدور ومجموعته.
ونشرنا تحقيقاً أجراه الزميل الراحل نجيب اسكندر بعد زيارة قام بها لـ «دولة المطلوبين» وإجرائه مقابلة مع أحمد القدور، كذلك نشرنا تقاصيل معركة جرت بين الدولة و«دولة المطلوبين» ليل 7/11/1974، ومجريات ليلة رعب أخرى حدثت ليل 31 تشرين الأول ــ فجر 1 تشرين الثاني 1974.
ونشرنا واقعة مأسوية حصلت امام المسجد المنصوري الكبير، وراح ضحيتها اثنان من «القبضايات»، خضورة زبيدي ومعن برغشون، وجُرح في الحادثة 13 مواطنا. وفي ذلك اليوم نفسه، حصل اشكال مسلح في كرم القلة في طرابلس، بين نور مدلج والمواطن الزغرتاوي أديب الخوري، مرافق سليم كرم، وقد تدخل كرم ومعن كرامي لتطويق «الحادث الفردي»، خاصة ان الخوري اصيب بجروح، وكذلك أُطلقت في زغرتا النيران على مواطن طرابلسي كردة فعل. ونشرنا ايضاً ما حصل يوم سلّم مطلوبون بأحداث سياسية انفسهم، بناءً لتسوية قضت بالافراج عنهم بعد التسليم مباشرة. ونشرنا تفاصيل تفجير عمود ارسال سراي طرابلس والبنك البريطاني، إضافة الى رمي قنبلة على مخفر باب الرمل.
كذلك، قبل عددين، نشرنا تفاصيل ما حدث عند الساعة الثالثة من فجر يوم الاحد في الخامس من كانون الثاني 1975، عندما «اخترقت الدولة حدود دولة المطلوبين»، ثم صدر البلاغ الاول عند العاشرة من صباح ذلك اليوم ليعلن أن الدولة مشتبكة مع دولة المطلوبين، ثم بعدما سقط قتلى وجرحى واعتُقل معظم المطلوبين أُعلن عند الثامنة من مساء اليوم نفسه، 5/1/1975، سقوط دولة المطلوبين وسيطرة الدولة على الاسواق الداخلية لطرابلس… غير ان سبعة من المطلوبين الرئيسيين كانوا ما زالوا احرارا، وهم: احمد القدور، عبد الغني كمون، فيصل الاطرش، البر حلو، مظهر الشامي، ابراهيم الصمدي ومحمد علي جمعة المسلماني . ونشرنا، في العدد الماضي ايضا، صُوَرَ مانشيتات بعض الصحف الللبنانية والعربية، الصادرة في 6/1/1975، لإظهار كيفية تعاطي هذه الصحف مع «الحدث الطرابلسي» وقتها.
وفي العدد الماضي، نشرنا تفاصيل المداهمات والملاحقات التي جرت في الايام االاربعة الاولى، التي تلت يوم انطلاق عملية القضاء على «دولة المطلوبين»، وننشر اسماء المطلوبين الذين تم اعتقالهم في اليوم الاول للحملة، ولائحة تتضمن نوعيات وأعداد الاسلحة التي تمت مصادرتها من داخل الاسواق، وبعضاً من المواقف النيابية تعليقاً على حوادث طرابلس، ومعلومات حول التحقيقات القضائية التي كانت جارية مع الموقوفين، وما توفر من معطيات، عن كيفية فرار المطلوبين الرئيسيين السبعة، والاحتمالات حول الامكنة التي لجأوا اليها او التي قد يكونون ما زالوا (حتى ذلك الوقت) مختبئين فيها ، في دهاليز المدينة القديمة وأسواقها، أو في البساتين المحيطة بها وصولاً الى المنية، أو في الجرود الشمالية… من الضنية الى عكار. وفي هذا العدد، ننشر ايضاً خبر اعتقال فيصل الاطرش (الرجل الثاني في «دولة المطلوبين») في خامس ايام الحملة، وقد كان مختبئاً في احد المستودعات.
في هذا العدد، ننشر تفاصيل ملاحقة المطلوبين بين عكار والضنية وقيام القوة الامنية بضرب طوق ليل السبت في 11/1/1975 حول منطقة وعرة ملأى بالأحراج والمغاور وتقود إلى وادي جهنم المتشعب . ثم امتداد الطوق إلى بلدتي بزال وقبعيت وإلى بلدة قرحية ومزرعة قرحية من جهة الضنية. كذلك ننشر ما جرى فجر الاحد 12/1/1957 عندما تم إحكام الطوق حول مدخل وادي جهنم وتوزُّع فرق صغيرة على الطريق التي أعتُقد أن المطلوبين سيسلكونها نحو جرود الضنية وإرسال قوات كثيفة نحو تجمع قرى جيرون والقرن وبيت حاويك وعين التينة والسفيرة ومراح السفيرة. وننشر تفاصيل القاء القبض على محمد جمعة علي المعروف بـ «المسلماني» وإصابة خلدون المصري بجروح.
المكان الذي لجأ إليه القدور ورفاقه الستة ظل حتى بعد ظهر السبت في 11/1/1957 موضع تكهنات وترجيحات، وكانت بعض آثار تنقلاتهم تتجمع لدى ضابط المخابرات في الشمال الرائد البر سماحة. وآخر المعلومات وقتها أفادت ان المطلوبين انتقلوا من طرابلس بمساعدة أدلاء قبض عليهم وفُهم من إفاداتهم ان المطلوبين مرّوا في قرية مشحة في عكار ودخلوا منزل احد ابنائها ومكثوا عنده ساعتين. ومن هناك استقلوا سيارة في اتجاه بلدة بزال حيث اختبأوا في جوارها حتى مساء الجمعة. وصباح السبت اعتقل أحد عمال الباطون من بلدة بزال وروى أنه شاهد ثمانية من المسلحين يجهلهم طلبوا منه ان يرشدهم إلى الطريق المؤدية إلى منطقة الضنية فسار معهم مدة ساعتين في اتجاه نهر موسى الذي يجري في الوادي الفاصل بين قضاءي عكار والضنية. 
وفي الثالثة والنصف بعد ظهر السبت ايضاً أبلغ آمر فصيلة حلبا الملازم أول غسان حمصي قيادة المنطقة العسكرية أنه بينما كان يتتبع آثار المطلوبين بين بلدتي بزال وقبعيت شاهد عدداً من المسلحين يتوغلون في الأحراج قرب تلة النبي دنون فاشتبك ورجاله معهم وطلب قوة مساندة لتطويق المنطقة لأنه يعتقد أنهم هم المطلوبون فتحركت قوة من سرايا حلبا وأرسلت قوة أخرى من ثكنة الجيش في طرابلس وحشد المغاوير ورجال الفرقة 18 في ثكنة طرابلس في انتظار وصول أربع طائرات هليكوبتر من بيروت لنقل القوة جواً بغية تطويق المطلوبين قبل هبوط الليل. إلاّ ان الطائرات تأخرت ولم تهبط في طرابلس إلاّ في الخامسة مما أدى إلى تعثر نقل المغاوير جواً بسبب استحالة الطيران ليلاً. إلاّ ان هليكوبتر واحدة صغيرة أقلعت ناقلة آمر المفرزة القضائية وعدداً من المغاوير وحلقت لوقت قصير فوق المنطقة ثم عادت إلى قاعدتها قبل هبوط الليل.
وفي الخامسة والربع تحركت القوة التي انتظرت ساعة ونصف ساعة في اتجاه عكار والضنية وبدأت تحوك طوقاً في الليل حول منطقة وعرة ملأى بالأحراج والمغاوير والصخور وتقود إلى وادي جهنم المتشعب الذي يقال ان مدينة تختفي فيه. وفي السابعة امتد الطوق إلى بلدتي بزال وقبعيت وإلى بلدة قرحية ومزرعة قرحية من جهة الضنية وسدت منافذ الهرب عبر النهر بمراقبة الجسرين الوحيدين اللذين يمكن الانتقال عبرهما بين المنطقتين.
وبات رجال الحملة ينتظرون انبلاج فجر يوم الاحد في 12/1/1975 لاحكام الطوق ومعرفة مكان المسلحين وحصرهم.
وفي طرابلس بدأت الحركة تعود تدريجاً إلى طرابلس الداخلية وفتحت معظم المحلات التجارية في النهار وانسحب معظم افراد القوة والآليات من الأسواق فيما أبقي على الحواجز عند المفارق والساحات الرئيسية واكتفى رجال الحملة بدهم عدد من المنازل في بعض الأحياء واعتقلوا عدداً من المشتبه بتعاونهم مع القدور وجماعته ومقاومة رجال الأمن وبينهم أمين سعد السنكري وعبدالله مسلماني ومحمد البيروتي وصادروا سبع قنابل من نوع صيني وانكليزي وفرنسي.
على صعيد التحقيق قام المدعي العام العسكري أسعد جرمانوس والمحقق الياس عساف باستجواب 19 موقوفاً بينهم فيصل الأطرش ومحمد عزمي الشريف وزكي منصور ومنتصر القدور وفاروق الشامي ورفيق ومحمد الدالاتي ومصطفى جمعة وفاروق بازيد. وفُهم ان الأطرش ادلى بكل التفاصيل عن الحوادث التي وقعت في طرابلس خلال وجود المطلوبين في الأسواق الداخلية، وتبين من أقواله ان أحمد القدور هو الذي كان يخطط للعمليات كمحاولة قتل الحارس الليلي أحمد رسلاني، التي اشترك فيها شخصياً، ثم نسف هوائي الارسال والبنك البريطاني اللذين أرسل اليهما عبدالغني كمون ومظهر الشامي.
ونقل عن الأطرش ان رشيد موسى اشترك معهما في إطلاق الرصاص على مفتشي الأمن العام واقتحام مدرسة الغزالي. وانكر الاطرش ان يكون اشترك في حادث نسف أو قتل وقال انه لم يكن يتعامل مع القدور بل كانت له جماعة خاصة به واعترف بإطلاق الرصاص على رشيد موسى الذي كان يحشش في جامع المعلق كما اعترف بالاشتراك في خطف الشاهد فاروق السنكري والشقيقين عبدالقادر واسماعيل البقسماطي.
واعترف محمد عزمي الشريف الملقب «الدعبول» باشتراكه في مقاومة رجال الحملة ساعة الاقتحام وانه أطلق النار على طالب الاحتياط هنري موسى. وذكر تفاصيل عمليات النسف والمتفجرات التي اشترك فيها.
وكشفت التحقيقات وقائع مؤلمة حول كيف كان المطلوبون الرئيسيون يستدرجون الفتيان للانضمام إليهم وارسالهم لالقاء المتفجرات في الشوارع وعلى المحلات التجارية لقاء مبلغ ضئيل ولقاء تسليمهم قطعاً من الأسلحة.

… وفي اليوم السادس بدأ الهدوء يعود الى المدينة

اليوم السادس لحملة قوى الأمن في الأسواق الداخلية في طرابلس (10/1/1975) كان أهدأ أيام الحملة، بعد اعتقال أحد المطلوبين الرئيسيين فيصل الأطرش، وقد اكتفى رجال الحملة بدهم عدد من الأحياء واعتقلوا رفيق عفيف الدالاتي وجمال بدرالدين عابدين (13 عاماً) وزياد درويش (14 عاماً) الذين اعترفوا بإلقاء متفجرات على سيرك للألعاب في بولفار طرابلس خلال عيد الفطر.
واعتقلوا 7 أشخاص كانوا يساعدون المطلوبين في الحراسة وإطلاق الرصاص على رجال الأمن وهم: عمر الخياط الملقب «عنتر» وسمير درويش المعروف بـ «الكردي» وفواز أبو لحاف وإبراهيم شريف الحولي وفاروق محمد بازيد وسعيد محمد موسى وباسم علي ياسين.
وكانت وردت بعد ظهر اليوم نفسه (10/1/1957) معلومات ان أحمد القدور شوهد في تكريت في عكار فتوجهت قوة وفتشت عدداً من بساتين البلدة ومنازلها ولم تعثر على أحد.
وفي بيروت قبض رجال فصيلة حبيش في محلة عين المريسة على المطلوب سمير درويش محمود وهو متهم بإلقاء متفجرات وبمقاومة رجال الأمن.
ومن جهة أخرى انتعشت الحركة في الأحياء الداخلية وخرج الموظفون والعمال وأصحاب المهن إلى أعمالهم في نطاق رفع حظر التجول وفتحت بعض محلات البقالة، إلاّ ان الافران بقيت مغلقة بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
وتابع نائب طرابلس الدكتور عبدالمجيد الرافعي والمغترب السيد واصف الفتال والتجمع الاسلامي في الشمال بواسطة فرق من أعوانهم توزيع الخبز والمواد الغذائية على السكان وذبحت بعد الظهر أربعة عجول ووزعت لحومها على السكان.
وفي يوم السبت (11/1/1957) توجه إلى طرابلس قاضي التحقيق العسكري الياس عساف لاستجواب فيصل الأطرش والمعتقلين الآخرين الجدد في مسرح العمليات قبل نقلهم إلى ثكنة الأمير بشير في بيروت. وأجري كشفاً جديداً على مكان مقتل الدركيين في ضوء افادات الشهود واعترافات بعض الموقوفين.
وكان المحقق استجوب 24 موقوفاً بينهم أربعة سوريين سُلِّموا إلى الأمن العام لإبعادهم وهم: محمد بكري فايت ومصطفى الصغير ومحمد ضناوي وغازي قدور. 
وأصدر مذكرات بتوقيف ثمانية جدد لثبوت علاقتهم بحوداث طرابلس ولكنهم فارون من وجه العدالة وهم: محمد رشيد كبارة وعبدالقادر وأمير البيروتي وعلي الزغبي ومحمود أحمد طالب وعبدالرحمن غنوم وقيصر رعد وجمال الدين المصري.
وأطلق 12 آخرين لعدم علاقتهم بالحوادث وهم: يحيى عبيد ومحمد خضر عبده وأحمد محمد صالح وعلي حسين زيدان وعدنان خالد الحاج يوسف ومحمود محيي الدين عواد وأحمد عرابي وعبدالقادر الهندي ومحمد عبدالله ومحمد عبدالحميد الحصني وعمر أحمد طالب ومحمد هاشم كنفاني.
وتبين نتيجة الفحص الطبي الذي أجري على 15 موقوفاً من الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاماً ان اللواط ارتكب في ثمانية منهم. وكان هؤلاء اعتقلوا لظهورهم في صور ورسوم صودرت من منازل القدور وكمون والحلو والأطرش يظهرون فيها حاملين السلاح. 
وأصدر المحقق العسكري عدداً من مذكرات توقيف وجاهية في حق الذين استجوبهم بتهمة الانتماء إلى عصابة مسلحة أو الاشتراك فيها والقيام بعمليات القتل والنسف ومقاومة رجال الأمن

القدور مطوق 

إصابة أحد رفاقه واستسلام آخر

لم يظهر أحمد القدور ورفاقه حتى الثانية والنصف بعد ظهر الاحد في 12/1/1975.
وقيل أن أحد رعاة الماعز شاهدهم يتوغلون في حرج قرب جيرون يطل على مدخل «وادي جهنم» في اتجاه قرية القمامين.
ودلت آثارهم وإفادات عدد من الأشخاص الذين شاهدوهم في تلك المنطقة أنهم باتوا ليل السبت في قرية مراح السفيرة في منزل أحد ابنائها.
وقد انطلقت في أثرهم القوة التي كانت تفتش في القرى المجاورة، لكنهم تسللوا في الوادي الفاصل بين جرود الضنية وبلدة حرار في عكار في رفقة دليل من قرية جيرون قُبض عليه وأفاد ان مهمته كانت قيادتهم عبر الوادي الذي يعرف مسالكه جيداً إلى حدود منطقة عكار. 
واعترف بانه قبض منهم في مقابل ذلك 50 ليرة وقال إنه تركهم عند سفح الجبل الذي تقوم فوقه بلدة حرار، وإن القدور وجماعته كان في نيتهم الاتجاه نحو منطقة الجومة، أي في جوار بلدتي بينو ورحبة.
وأضاف الدليل: «ان حالة القدور ورجاله بالويل وهم مرهقون وجياع وتعبون وفقدوا معظم ذخيرتهم ولم يبق معهم سوى خمس قطع من السلاح بينما عددهم 7 أشخاص.
وفي الثامنة مساء أُخذ الدليل إلى المنطقة التي ترك فيها المطلوبين وضُرب نطاق محكم حولها.
ومع فجر الاحد (12/1/1975) كان رجال الحملة تابعوا إحكام الطوق الذي بدأوه ليل السبت حول مدخل وادي جهنم وتوزعت فرق صغيرة على الطريق التي أعتُقد أنهم سيسلكونها نحو جرود الضنية وعُززت الدوريات من الجهة الثانية وأُرسلت قوات كثيفة نحو تجمع قرى جيرون والقرن وبيت حاويك وعين التينة والسفيرة ومراح السفيرة. 
وعسكرت قوة كبيرة في قلعة الحصن انطلقت منها لدهم المنازل في القرى المذكورة والبساتين والأحراج المحيطة بها.
وقبض رجال الأمن على صاحب المنزل الذي نام فيه المطلوبون وعلى أولاده الثلاثة. وقبضوا على شخص آخر كانت له علاقة بالمطلوبين.
وفي العاشرة والنصف ليلاً اشتبكت القوة المطاردة مع المطلوبين المحاصرين في حرج بين بلدتي قبعيت وحرار فأصيب أحد المطلوبين خلدون المصري برصاصة في رجله واستسلم جمعة مسلماني بعدما نفذت منه الذخيرة. وتابع رجال الأمن الاشتباك مع المطلوبين عبر الحرج حتى الساعة الأولى صباحاً وسدوا عليهم المنفذ.
وتبين أن سائر المطلوبين هم: أحمد القدور وعبدالغني كمون ومظهر الشامي وإبراهيم الصمدي وسمير السيد. وكانت القوة اطلقت قنابل مضيئة فوق المنطقة التي توغل فيها هؤلاء.

السلماني يروي قصة جديدة عن فرار المطلوبين من طرابلس

هل «نفذ» أحمد القدور ورفاقه الخمسة «بريشهم» من الطوق الذي ضرب حولهم ليل الأحد في 12/1/1975 قرب بلدة حرار، على رغم ان «حالتهم بالويل» كما أفاد دليلهم؟
ولوحظ أنهم يتحركون في منطقة جردية وعرة ويحاولون تضليل رجال الحملة بواسطة مرشديهم الذين يوهمونهم انهم يسيرون في اتجاه ثم يسلكون اتجاهاً مغايراً تماماً.
وهم نجحوا حتى ذلك الوقت في تضليل رجال الأمن وإبعادهم عن المنطقة التي يريدون اللجوء إليها. غير أن نقطة ضعفتهم هي حاجتهم إلى الطعام. وكشفت هذه الساحة موقعهم، مساء الأحد، وأدت إلى وقوع «وزير دفاعهم» محمد جمعة علي المعروف بـ «المسلماني» في الأسر وإصابة خلدون المصري بجروح.
المسلماني يتكلم
والواقعة كما رواها المسلماني جرت نحو التاسعة مساء الأحد وكان المطلوبون السبعة وصلوا إلى حرار منهكين فاختبأوا تحت شجرة على بعد نحو 200 متر من أحد المنازل المنفردة.
فقال القدور: «أنت يا جمعة تذهب مع خلدون لأن الجرائد لم تصوركما ولا أحد يعرفكما إلى هذا المنزل وتطلبان طعاماً بأي ثمن، بالمال أو بالقوة إذا اقتضى الأمر، ونحن ننتظركما هنا وإذا شاهدكم أحد من رجال الأمن فليطلق أحدكما رصاصتين انذاراً لنا».
والد العريف كشفهما
فذهبا وقرع المصري باب المنزل الذي صادف انه لوالد عريف في الجيش يدعى محمود محمد عبدالكريم. ولما فتح لهما طلبا منه زاداً قائلين انهما غريبان عن المنطقة ويقصدان بلدة بيت ملات (بين بينو وتكريت) فشك الرجل في أمرهما ودخل متظاهراً بإحضار الطعام وايقظ ابنه العريف الذي قفز من النافذة شاهراً سلاحه ليطوقهما من الوراء. وعاد الوالد إلى المدخل ومسدسه في يده وراء ظهره فارتاب في أمره خلدون المصري وولى هارباً فأطلق عليه صاحب المنزل الرصاص فرد عليه المصري بينما تمكن العريف من مباغتة محمد جمعة علي وجرده من سلاحه وحجزه في إحدى الغرف وأرسل والده إلى اقرب حاجز وأخبر رجاله بالأمر. فتحركت القوة الموزعة في حرار وأسرعت فصيلة من حلبا وتحول المغاوير الذين كانوا يفتشون في الوادي والأحراج إلى اتجاه المنزل وانطلقوا في أثر القدور ورفاقه الذين تمكنوا من انقاذ المصري والتوغل به في حرج واسع بعدما تبادلوا النار مع مطارديهم.
اختفاء القدور ورفاقه
وعلى رغم القذائف المضيئة التي أطلقها الجنود تمكن القدور ورفاقه، بعد منتصف الليل، من الاختفاء ولم يظهر لهم أثر حتى مساء الاثنين في 13/1/1975. وعثر على بقع دم قرب المنزل حيث جرى الاشتباك بين المصري ووالد العريف.
ومع فجر الاثنين بدأت القوة حملة تمشيط واسعة في الجبال والأحراج والوديان المحيطة ببلدة حرار. وامتدت الحملة إلى جوار خريبة الجرد ومزرعة حبشيت وقرية شان والشيخ اسماعيل والوديان الوعرة بين قريتي حريش وممنع وواصلت الحملة حتى مشارف بزبينا ورحبة وتكريت، واشتركت طائرتا هليكوبتر في البحث عن المطلوبين طوال قبل الظهر من دون العثور على اي أثر لهم.
ونقل محمد جمعة المسلماني بالهليكوبتر إلى طرابلس وأفاد أنه جندي هارب من الجيش السوري انضم إلى المطلوبين في الأسواق الداخلية حيث تسلم رشاشاً كبيراً وأشترك في مناسبات عدة بإطلاق الرصاص على رجال الأمن وإلقاء القنابل بكثرة حتى أطلق عليه رفاقه لقب «وزير الدفاع». وأعترف المسلماني بانه كان يصنع قنابل مولوتوف ويعد رزماً من الديناميت ويحشوها بالمسامير.
وروى كيف تمكن من الهرب مساء الأحد الذي طوقت فيه الأسواق الداخلية وقال انه دخل مع القدور والبر حلو وعبدالغني كمون وإبراهيم الصمدي وخلدون المصري ومظهر الشامي الحمام المقلوب قرب الجامع المعلق وخرجوا من بابه الخلفي المؤدي إلى حي الدبابسة ومن هناك تسللوا ليلاً عبر مقبرة باب الرمل إلى بساتين طرابلس وناموا هناك ليلتين ثم هربوا عبر البداوي إلى جرود الضنية.
 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.