طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

إصدارات في طرابلس: البركان آمن

المطمئن المتواطىء

أيها البركان الهادئ جداً
أيها العملاق المطمئن المتواطئ مع الايمان, ولكن.. لماذا يختفي الايمان في الصخور؟ فإني أشعر ثقلها في داخلي في أعماقي, دغدغت الصخور.. قبلتها.. احتضنتها, لا ريب أنها صحيحة الاستلقاء في ضميري
أيها الصديق الكبير.. أرجوك كتمان ما أبوح به لك وحدك في منأى عن هياكلهم ومعاقلهم, بل لا بد من مكاشفتك بما ترتكب الاحجام الثقيلة في ضمير صديقك, لقد مضغت الصخور قبل أن تهضمني.. لقد آمنت بنفسي الثائرة المطمئنة
طرابلس، أيلول، سبتمبر 2016
سليم الرافعي

الوردة

يا وردة أفريقيا العصماء
يا واحة آسيا المتألقة في الصحراء
ليتني أعلم.. هل أنزلت الصخور من السماء؟
ليتني أعلم.. هل غرست الأهرام في الفضاء؟
من الأرض المبللة بالربيع الأبدي
من عرق يتدفق من جباه
ليتني أعلم.. أي النهرين أشد إيماناً..
.. تدفق النيل.. تدفق العرق
يا مصر.. يا جبارة الطموح
إلى متى يتكلم صمت هياكلك المقدسة؟
سمعت وسوسة.. أبصرت هندسة
لمن هذا الجلال الفائق الارتفاع؟
لمن هذا الانحناء الواثق بالبقاء؟
يا مصر.. أنبياء آسيا يهرعون إلى واديك
يبحثون عن دثار يقيهم
تلفظهم آسيا.. ترتكبهم أوروبا
ترابك يعانق.. لماذا يعانق؟
من المآذن والنواقيس
يصرخ نداء لا يعتريه الفتور: يا أبنائي يا أحبائي
أيها الكون الملبّد بالضباب
أيها الجبابرة الهالكون في غبار الغنائم
أيها المصلون.. أنصتوا إلى أغنية فلاح
أوليس الفلاح مؤسس الهيكل؟
يا مصر.. يسمع الشرق والغرب حنيناً
يتسع حضنك لإيواء الشعوب
ما أعجب هذا التراب.. يُعطر أكمام الورود
يبث عاصفة الأمل في الخالق والمخلوق

اعتراف 

البحر أصل والجبل أصل والوادي أصل. والإنسان هو ابن الأصل، لا عجب إذا كنت استقيه وأتصعد فيه وأتحدر، فقد هداني الحس إلى أن الأشياء متلائمة، فلا بد أن تكون الحركة كذلك.
العلو أكبر نزعة، ولكني لا أعلم إذا كان معناه الهرب من الموجة، والموجة أعنف نزعة، ولكن هل هي رفض الانحباس، والاختفاء حياء.. ولكن من أي شيء؟
رأيت الإنسان يجادل، ويتطاول، ويتضاءل وأن الماء هو الحديث الدائم، لأن الماء نغمة دائمة، لا يعرف الماء حدوداً، ولكنه يضع الحدود أبداً. فلو أردت تعريف التاريخ الإنساني لقلت: ماء يسيل، يأكل التراب، يأكله التراب، إذا ارتفع أعجبه الارتفاع، إذا انخفض تمادى، فالجبل والوادي نزعتان أبديتان، فلا تصحيح في التاريخ، ولا شريعة للإنسان سواهما.
ولكن الماء يتحرك، وهذا ما يخيل أن شيئاً ما يتغير..
نراه يعلو.. كيف نؤرخ للعلو؟
وأطباء الوادي يزعمون له ما يزعمون، ويُشرعون له ما يُشرعون.
فأورثوه هذا الجدل العقيم. وقد عظم إعجابنا بهم، فكلما كنت وادياً زاد تعلقك بالجدل، لأنك تتوقع بلوغ القمة.
مرض رائع استوقفتني أعراضه في كل أمة وفي كل عصر، وكدت أنزلق في بعض الأحيان إلى حماقة من حماقات الأطباء، ثم تردني الأصالة إلى العافية.
أردت أن احطم الرأس البشري، وأعرض ما فيه من مياه وقمم وأودية، أدين للإغريق بالأولية فيما صنفوه ورتبوه، لأنهم لم يكونوا أطباء، ولم يتحدثوا عن العقاقير، أجبرونا على الاعتراف بأبوتهم للجنس البشري.
لقد تناولت العبقرية وحاولت تفسيرها فهي كرسي البحث، وأعرضت عن ثرثرة المؤرخين والمعرِّفين، فلولا العبقرية لانتهى الموضوع الإنساني منذ زمن طويل، كما انتهت الغابات بوحوشها وأدغالها.
تنطوي الشخصية في العبقرية وتبرز ملامح الطبيعة وقسمات العلو ويثرثر فيها الماء بأمواجه، فهي لذلك نصيب الطبيعة كما هي حق الإنسانية الشرعي.
لقد قدمت للعالم ثلاثين كتاباً وديوانين من الشعر وأعلنت إمارة أبي العلاء المعري إلى جانب شعراء المعلقات.

من المطبخ

البلاغة من أدوات المطبخ. والإنسان يأكل بأذنه ويأكل بعينه كما يأكل بيده وفمه، وما تنسَّقت هذه السطور من الشعر والنثر إلاّ كما تُنسَّق الموائد.
إعداد المائدة عملية شاقة، فما تزال النفس ناتجة من الكون الكبير، تنسلخ كي تتضح، وما يزال الجهد المبذول قليلاً لتوضيح الإنسان.
وقف قس بن ساعدة على جمله الأورق في سوق عكاظ فقال للناس: من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت، ليل داج وسماء ذات أبراج..
أرأيت؟ لكل كلمة مقدار، فقد وقف إلى جانبه عامل مصلحة التلغراف يعد الكلمات.
ماذا نقول الآن في قيمة الخطبة بعد تلك القرون الطوال؟
صراع مع الطبيعة، ونضال بين الأعاصير لتسجيل موقف إنساني.
يعلم الخطيب ان سوق عكاظ ندوة للإنسانية يعرض فيها العاملون سلعهم، وان الوقت لا يتسع. تريد الآذان أن تأكل ما يصلح لها، تريد العيون أن تأكل أيضاً.
فهم يُنشدون أشعارهم ويُلقون خطبهم في السوق لا في الخلاء.
والسوق كلمة اقتصادية شديدة الدلالة، لأن الحاجة تسوق صاحبها إلى الإجتماع، فلماذا لا يكون للسوق قانونها في التبادل؟
نحن مسوقون بعوامل مختلفة: نبحث عن الغذاء في الطعام وفي البلاغة. ويحدثنا القدماء من الأدباء أن صحراء العرب كانت تتسع ولا تضيق، وأن أصوات رياحها تُصمُّ الآذان. ويحدثوننا عن أسماء رياحها المتناوحة، فكيف تتزاحم اللغتان: لغة الطبيعة ولغة الإنسان على احتلال الآذان؟
هل خرج الإنسان منتصراً أو هل خرجت الطبيعة منتصرة؟
لا نستطيع التحديد،لكننا نستطيع البت في أمر خطير هو أن الأذن الإنسانية نافذة تلتقط نزعات الطبيعة وأهواءها.
وقف الخطيب العربي، وفي فمه حفنة من الرياح والأعاصير، وكان (ارنولد توينبي) قد حضر فقال مفسراً: أسمع ريحاً.. فهي التحدي، وأسمع خطبة.. فهي الاستجابة.
أي: ليست خطبة قس بن ساعدة الأيادي إلاّ استجابة قوية.
تحدَّته الطبيعة فقبل التحدي وأنشأ خطبة مغتصبة من أصوات الرياح نفسها، وقف الآخرون يمضغونها بآذانهم.
وتابع (ارنولد توينبي) يقول: افترس الخطيب فراغاً رهيباً يحيط به من كل جهة، وأراد تحديد كائنات مترامية في كلمات قليلة.
وهنا تدخل علماء البلاغة فقالوا إنه الايجاز، يريدون أنه أوجز الطبيعة ولخص الكون.
أثار علماء البلاغة موضوع الايجاز، وتحدَّثوا فيه فأطنبوا. كما تحدثوا عن المساواة أي التركيب اللغوي المتعادل، والإطناب أي تلك الخيمة الصحراوية تُدق لها الأوتاد والأطناب.
وقد مست حاجة العرب إلى التعادلية، فما استطاعوا بلوغها، اجتمعوا فتضافروا فعبروا وتآزروا على مكافحة الطبيعة.
ولكن الإيجاز كان ملاذاً آمناً.
كان أداة المقاومة، ولو أنصفنا لقلنا: إن الإيجاز هو نداء الاستغاثة.

صوت طارق

طارق يعبر المضيق كضوء
شعّ من واحة ومن صحراء
أيها القائد العظيم.. تقوم
بنداء الهداة.. والأنبياء
كيف خلفت ذلك البحر يُرغي
من عتوّ الأمواج والأنواء؟
سُفُن أحرقت فلاح سناها
في قلوب الرواد ملء الفضاء
سمع العالمون صوتك يعلو
كنداء البنّاء يوم البناء
أيها الناس.. لا مفرّ.. فهذا
موعد الزحف داعياً للفداء
تتحلى العذراء خلف حماها
وننادي فوار س الهيجاء
صرخة تلك لو وعينا صداها
لنهضنا من مخبأ الجبناء
كيف تسمو حقيقة للبرايا
دون سر السموّ للأشياء؟
وثبة من عقيدة.. وانطلاق
في يقين وقدرة في صفاء
انها عبقرية الروح تجري
في الشرايين من رحيق الوفاء
أيها الشرق .. أيها الغرب.. ذكرى
للضعاف العجاف والبؤساء
ليس في الكون موكب يتهادى
غير ركب العطاء والعلماء

طُبع كتاب «البركان آمن»

في «دار البلاد للطباعة والإعلام في الشمال»،

والتصميم والإخراج قامت بهما شركة «Impress»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.