طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

هذا هو عبدالمجيد الرافعي… صرخ أنا لا أؤذي عصفوراً ولكن والله أقتل خالد بيدي إن قتل رشيد كرامي… قال لطفلة تتألم «يا ريت أنا ولا أنتِ»… لحماية صمود طرابلس تأمين المواد الغذائية والأدوية والخبز مجاناً لمن يشاء

لتعرف الأجيال الحالية والمستقبلية أية أخلاق وأية وطنية بل أي إنسان كان نائب طرابلس السابق د. عبدالمجيد الرافعي. و«ليدخل الجميع إلى قلب ونفس» هذا الإنسان: سأروي أحداثاً وقعت كنتُ طرفاً فيها أو شاهداً عليها:
…وصرخ إن خالد قتل رشيد كرامي سأقتله
1- في صيف 1958 وأثناء الثورة ضد كميل شمعون والأحلاف الإنكليزية الاستعمارية إتصل بي المرحوم (خالد خ . ا) – كنت أسمع به ولكن لا أعرفه – وطلب ان نلتقي وإتفقنا على اللقاء في بيت شقيقته في شارع مارمارون. بناية د. كبارة.
إلتقينا وجرى الحوار التالي:
– خالد: «بتعرف يا أستاذ أني كنت في «سجن الرمل» وقد أصدر الرئيس كميل شمعون عفواً خاصاً عني وقال لي – شمعون لخالد – «إذهب إلى طرابلس ورتب لي رشيد كرامي».
– تابع خالد: «وقلت له أنا فتيشة ورشيد كرامي هرم شو أنا… ».
– شمعون: «قلت لك رتب لي ياه.. ظبطه و(…) (نائب سابق) ناطرك ليساعدك.. ياللا..».
تابع خالد وأنا أستمع:
– شمعون «ألو» علييّ لذلك قررت أن أقتل رشيد كرامي وطلبي منكم فقط ان تؤمنوا إنتقالي بعد قتله إلى الحاجز العسكري اللبناني في «العبدة» (وكانت تلك المنطقة لا تزال بيد الجيش التابع لشمعون)».
– فقلت له: «أي تريد أن ترتكب الجريمة وتحملنا إياها، ولماذا «العبدة» فمدرسة ملحم قربك وفيها مركز للجيش..». تابعت: «على كلٍ هل تريد الجواب الآن؟».
– فقال: «لا.. بل جواب الحزب».
– فقلت له: «من الآن إلى أن يأتيك جواب الحزب إياك أن ترتكب أي خطأ.. لأن الثمن سيكون غالياً».
ونقلتُ ما جرى بالتفصيل إلى قيادة الحزب وكان الدكتور عبدالمجيد يستمع وفجأة رأيته يثور غاضباً صارخاً: «أنت بتعرف أني لا يمكن ان أؤذي عصفور، ولكن والله إن أقدم «خالد خ.أ على قتل رشيد كرامي سأقتله أنا وبيدي.. ».
صراخ الدكتور عبدالمجيد الرافعي هذا جاء ونحن في قمة الخلاف والصراع السياسي مع الرئيس رشيد كرامي. وبهذا الموقف الحاسم حمى الله وحدة طرابلس ورشيد كرامي، ومنع خالد من إرتكاب جريمة لا تُغتفر..
قال الرافعي نشكر ناظم غندور ونعتذر عن قبول «هديته»
2- في إنتخابات 1960 إتصل بي المرحوم ناظم غندور (أبو عبدالله) والتقينا في «معمل السكر» وقال لي: «بدي إدعمكم بوجه رشيد كرامي وسأقدم لكم مبلغ 300 ألف ليرة هدية واعلم أن وضعكم المالي صعب..».
– فقلت له: «سأجيبك بعد مناقشة ما ذكرت».
ولما أبلغت القيادة بالعرض، قال لي د. عبدالمجيد الرافعي: «طبعاً.. أبو عبدالله مشكوراً وفعلاً نحن بحاجة، ولكن مقابل ماذا سيقدم «الهدية» وكيف سنسدد له وفي أي مجال؟.. نعتذر.. ولا يمكننا تسديد هكذا دين..».
وهذا ما حدث وأبلغت «أبو عبدالله» شكرنا وإعتذارنا.
… وقال لطفلة تتألم من جراحها: «يا ريت أنا ولا أنتِ»
3- في أحد الأيام كنت حاضراً وهو يعالج طفلة لا يتجاوز عمرها الأربع سنوات من جروح أصيبت بها على إثر حادث..
الطفلة كانت تتوجع وتصرخ من الألم والحكيم يغيّر لها رباطات جروحها وهو يقول لها بصوت إنساني ملؤه الأسى والحنان:
– «يا ليت أنا وليس أنتِ.. ».
– سلامتك… سلامتك..
قالها وفي عينيه دموع ألم ووجع وأسى.
الطحين والغذاء والدواء لطرابلس يوم «حوصرت» والخبز مجاناً لكل الناس
4- في عام 1976 «حوصرت» طرابلس من جهاتها الأربع لتركيعها وبدأت معاناة النقص في الغذاء والدواء. ولكن وبالرغم من ذلك بقيت المدينة صامدة وإرادتها حرة وغير مرتهنة ولم تركع. وأعلن الدكتور عبدالمجيد الرافعي أن الحزب قرر تأمين كل ما تحتاجه المدينة من غذاء ودواء… وقال لي السيد هشام عبيد (أبو إبراهيم) أنه كُلف بالسفر إلى اليونان لتأمين كل ما يمكن شحنه وتحتاجه المدينة وقال: «وهكذا تم شراء وشحن – بحراً – كميات كبيرة من الأرز والسمنة والزيوت والسكر ومختلف أنواع المواد الغذائية الضرورية والمتوفرة هناك».
الخبز مجاناً ولكل الناس
ولمجابهة مؤامرة التجويع أعلن الدكتور عبدالمجيد عن تأمين الحزب كميات ضخمة من الطحين وُزِّعت على أفران في المدينة على أن يُعطى كل مواطن كمية الخبز التي يريدها مجاناً وبدون أي مقابل.
وصمدت المدينة.
الأفران التي قامت بالتقديم المجاني
الأفران التي تم تزويدها بالطحين وإدارتها بإشراف الدكتور عبدالمجيد الرافعي كانت موزعة على الشكل التالي بين المناطق:
∎ القبة
– الفرن الذهبي لصاحبه أبو طلال العجم.
∎ ساحة الدفتردار
– فرن المسلماني.
* طلعة الرفاعية
– فرن أبو معروف.
∎ الزاهرية
– فرن في الزاهرية بجانب غاليري عصمت ياسين.
– وفرن في التبانة.
– وفرن في الميناء.
مصدر خير حتى بعد وفاته 
5- رغبة منه بتكريم الراحل الكبير وعائلته ورفاقه، دعا الرئيس نجيب ميقاتي الجميع إلى مأدبة غداء في اليوم الثالث لتقبل العزاء..
فشكروه وتمنوا عليه توزيع تكاليفها على المحتاجين عن روحه وهكذا كان.
ونُقل عن أوساط الرئيس نجيب ميقاتي قولهم: «عظيم في حياته ورجل خير دائماً حتى بعد وفاته».
مواقف كثيرة
هناك عشرات المواقف التي كنتُ طرفاً فيها أو كنتُ شاهداً عليها، وكلها تؤكد أي إنسان هو عبدالمجيد الرافعي.
مسؤولية الأجيال تجاه طرابلس
«التمدن»: وعلى الأجيال الحالية والمستقبلية إدراك مدى عظمة طرابلس والأمة وأن عليهم الدفاع عن صمود المدينة وكرامتها. فهي أمانة في أعناقنا. ولن نضعف ولن نخاف. ودورنا بل واجبنا والأجيال القادمة جيل بعد جيل العمل بكل صدق وقوة من أجل: وحدة طرابلس، ولبنان، ووحدة الأمة بكل جماهيرها لأي دين أو مذهب إنتموا، فكلنا أبناء هذه الأمة ومتساوون في الغنم والغرم من أجل عزتها وسؤددها.
«المحرر»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.