«التمدن» وعبدالمجيد

كان لـ «التمدن» مع الراحل الدكتور عبد المجيد الرافعي رحلة طويلة، منذ انطلاقتها في العام 1972 حتى يومنا هذا، اي حتى رحيله المؤلم. هذه الرحلة شهدت معارك كثيرة وانتصارات وانكسارات وآمال وإحباطات، لكن شيئاً واحداً لم يتغيّر، منذ بدايتها حتى اليوم، هو محبة الجريدة لهذا الرجل، وايمانها به وبمناقبيته واخلاصه لمدينته ووطنه وامته…وما بدّل تبديلاً.
في هاتين الصفحتين ننشر البعض القليل من محطات هذه المسيرة الحافلة.
16 نيسان هو البداية
مازالت نتائج انتخابات 16 نيسان في دائرة طرابلس تتفاعل والانتصار الذي حققته الجماهير يأخذ حجمه الطبيعي وأهميته السياسية، فبالرغم من اننا نحن أبناء طرابس الذين عشنا المعركة الانتخابية الضارية التي جرت، عشناها في مواقع مختلفة، ولكننا جميعاً مشدودون إلى نتائجها.. فإن حجم المعركة وخطورتها لم تتبينا لنا فوراً، بل بحاجة إلى وقت كاف وتأمل حتى يتم استيعاب الأيام الخطيرة التي صارعنا بها الماضي وسجلنا عليه انتصاراً. ولقد اختلفت ردود الفعل على نتيجة المعركة، بحسب الزاوية السياسية والشخصية التي ينظر إليها المواطن.
ردود فعل الجماهير، كانت الفرح الكامل والرقص في الشوارع، باعتبار ان أملاً قد تحقق، بحيث أصبح للجماهير نائباً في المجلس.
أما ردود فعل الاقطاع السياسي فكانت محاولة الظهور بمظهر المبتهج رغم الهزيمة وكانت هذه المحاولة تنطلق من رغبة في المحافظة على القوى، وإشعار الأنصار بأن الهزيمة التي مني بها الاقطاع السياسي، ليست سوى مرحلة ونكسة، ويستطيع ان يحافظ على قواه.
«التمدن» 28/4/1972
برلمان شعبي بطرابلس
يوم أمس شهدت طرابلس تجربة رائدة هي الأولى من نوعها، إذ إنعقد أمس أول برلمان شعبي في لبنان. وكان ذلك بدعوة من الدكتور عبدالمجيد الرافعي الذي خرج من بين صفوف جماهير طرابلس ممثلاً لها في الندوة البرلمانية، وعاد إليها أمس طالباً منها مشاركته في المسؤولية، ومناقشة القضايا الهامة وكيفية معالجتها، تحقيقاً لما يؤمن به من ان اللقاءات الشعبية تعني المشاركة الجماهيرية وطابع التفاعل المستمر مع جماهير الشعب في هذا البلد وقطاعاته المختلفة.
مساء أمس الجمعة الواقع في 7 تموز كانت جماهير طرابلس على موعد مع اللقاء الجماهيري الذي دعا إليه نائب طرابلس الدكتور عبدالمجيد الرافعي في منزله وحضرته جموع تمثل قطاعات الشعب العاملة المختلفة والفئات الشعبية من أحزاب ونقابات واتحادات عمالية.
ابتدأ اللقاء في الساعة السابعة مساء الوقوف دقيقة صمت حداداً على شهداء العدوان الصهيوني على أرض الجنوب، واستمر لغاية الساعة العاشرة ليلاً.
«التمدن» 8/7/1972
«طلب» سوري في 1972
«كان على مدير الأمن العام انطوان دحداح، في الأيام القليلة التي سبقت انتخابات 1972، تلقي مفاجأة جديدة. اتصل به رئيس الاستخبارات العسكرية السورية العميد حكمت الشهابي ورغب إليه في الاجتماع.
في لقائهما في دمشق، باغته بالسؤال الآتي: ماذا تعتمدون ان تفعلوا في الانتخابات؟
رد: لا شيء. انتخابات حرة ونزيهة. لن نتدخل فيها من أجل سمعة العهد لأنها الأولى يُجريها.
قال: أريد فيها أمرين.
رد باستغراب: تريد أمرين بينما نحن لا نريد لأنفسنا منها شيئاً، ولا الرئيس طلب! الأحرى أن لا يطلب أحد سواه.
ثم سأله: ما هما؟
أجاب: طلبان أصرُّ عليهما هما منع انتخاب عبدالمجيد الرافعي في طرابلس ورياض طه في الهرمل.
رد انطوان دحداح: لن نوافق عليهما لأننا لن نتدخل في الانتخابات.
قال رئيس الاستخبارات العسكرية السورية: لكننا لا نقبل بجواب كهذا، وفي وسعنا العرقلة.
رد: كيف تعرقلون إذا كان قرار الحكومة اللبنانية عدم التدخل في الانتخابات؟ في أي حال سينجح عبدالمجيد الرافعي لأن لديه شعبية كبيرة، وكذلك حزب البعث العراقي في ظل انحسار شعبية رشيد كرامي بعد انهيار الشهابية، أضف أن المسيحيين في طرابلس سيقترعون له. هل تريدون محاربتهم؟
أما رياض طه فسيخسر من تلقائه في الهرمل من دون تدخلنا بسبب تركيبة اللوائح هناك. هذا ما سيحصل في النهاية.
كرر حكمت الشهابي تمسكه بطلبيه، فقال محدثه: ليس لكم إلاّ ان تقبلوا بنتائج انتخابات ستكون حرة ونزيهة.
إذ ذاك لوّح بالعبارة الآتية: سأخبر سيادة الرئيس بالأمر.
فور عودته إلى بيروت أطلع مدير الأمن العام رئيس الجمهورية على وقائع الحوار.
أياماً بعد صدور النتائج النهائية لانتخابات دائرة طرابلس في 16 نيسان ودائرة بعلبك – الهرمل في 23 منه، خابر أنطوان دحداح حكمت الشهابي بالقول: هل صدَّقت؟ كل ملفاتنا وتقديراتنا كانت تقول لنا، ومن دون أن نتدخل، إن عبدالمجيد الرافعي سيربح ورياض طه سيخسر».
∎ من كتاب «سرّ الدولة – فصول في تاريخ الأمن العام 1945-1977» لنقولا ناصيف.
النجاح الضروري
فايز سنكري
اليوم، بعد ما أصاب مدينة طرابلس من تهميش لدورها، ومن تشويه لسمعتها، ومن تسخيف لاهتماماتها، ومن تجويف لقلبها الذي كان دائماً نابضاً يدافع عن قضايا الانسان في لبنان والعالم العربي والعالم كله، ومن تسطيح لخطابها السياسي والاجتماعي، ومن إفقار لأهلها ومحاولة تصويرهم وكأنهم مجموعات بلا قرار وبلا مشروع يتحكم بهم ؟هواة؟ شاء الزمن الرديء ان يُدفعوا الى «الواجهة»..
اليوم، بعد القصف العشوائي والمتواصل، والذي يستهدف ايمان الناس في المدينة بقضاياهم القومية والوطنية، وثقتهم بأنفسهم، وحرصهم على كراماتهم، والذي يُراد منه ان يضيع الناس البوصلة…
اليوم، بعد هذا كلّه، يبدو ان انتخاب شخص مثل عبد المجيد الرافعي، ليعود نائباً عن طرابلس، بات ضرورياً، فالنائب السابق أصبح حاجة في هذه المرحلة تحديداً، بناءً على قِيَمه وفهمه لمتطلبات المدينة وأهلها، وعلى تاريخه النضالي الطويل في مقاومة الظلم والحرمان وفساد السلطة، وفي الدفاع عن قضايا الوطن والامة.
وهذا التاريخ النضالي نفسه يشهد ان الحاجة اليوم الى «الحكيم» في المجلس النيابي صوتاً يواجه كل الظالمين والمتاجرين بالبلاد والعباد، هي حاجة ماسة، وتلبيتها لم تعد تحتمل التأجيل، والفرصة الآن مؤاتية جداً، والناس مدعوون لعدم إضاعتها، وهم لن يخذلوا الذي لم يخذلهم يوماً.
«التمدن» 10/6/2005
أيها «الحكيم»… شكرا
فايز سنكري
أيها «الحكيم» الدكتور عبد المجيد الرافعي… شكراً.
لأنك أقدمت وخضت معركة كنت تعرف مدى صعوبتها، في هذا الوقت الحرج جداً من تاريخ لبنان ووطننا العربي، خاصة بعد استشهاد رجل كبير واستثنائي وعظيم هو الرئيس رفيق الحريري.
وشكراً، لأنك أردت ان تثبت للكثيرين ممن ظنوا ان المدينة تغيّرت جذرياً، وخلعت ثوبها نهائياً، وتخلّت عن نبضها الى غير رجعة، واستسلمت بلا مقاومة للظروف الصعبة جداً محلياً ووطنياً وعربياً، أردت ان تثبت ان هذا الكلام غير صحيح… وقد أثبتَّ ذلك.
وشكراً، لأنك خضت المعركة تحت عنوان حق الاختلاف، وحق ممارسة الديمقراطية، وحق التمسك بمبادىء حملتها طويلاً وحملها معك الكثيرون ولم يبدلوا تبديلا.
وشكراً، لأنك، قبل المعركة وخلالها وبعدها، لم تغيّر خطابك الذي كان دائماً ومنذ دخولك السياسة، عالياً في الدفاع عن الناس وحقوقهم وعن الوطن وكرامته وعن الامة ومناعتها وصمودها في وجه كل المعتدين.
وشكراً لك، لأنك في حصولك على 000،75 صوت في الدائرة الانتخابية، وعلى 000،25 صوت في مدينة طرابلس، أسست من جديد قواعد ممارسة سياسية في مدينة طرابلس، تقوم على الالتصاق بالناس، والبحث الجدي عن حلول لمشكلاتهم، والتعبير الصادق عن طموحاتهم وآرائهم وتطلعاتهم ونظرتهم الى مدينتهم ووطنهم وأمتهم…
أيها «الحكيم»… شكراً.
«التمدن» 24/6/2005
التكريم
ليس حدثاً عادياً وعابراً أن يظهر في مدينة ما سياسي ملتصق بأهل مدينته وقضاياهم الصغيرة والكبيرة الى حدود الاندماج، ويحمل مع الناس همومهم المرهقة، الخاصة والعامة، بكثير من المثابرة والصبر والفرح والرضى والاندفاع، كما لو أنه يعتبر نفسه المسؤول الاول عن توفير السعادة والراحة والأمان والغذاء والدواء والتعليم لكل من يفتقد هذه الامور في مدينته.
وليس حدثاً عادياً وعابراً أن يكون هذا السياسي نظيف الكف، حسن السمعة، صادقاً، لا يغش أهله الذين يعيش معهم وبينهم، ويناله ما ينالهم.
وليس سهلاً أن تشهد مدينة ما سياسياً متمسكآً بمبادئه الوطنية والقومية حتى النهاية، والتي تشكل عنده قناعات راسخة، حتى لو كلفه ذلك تهديداً وتهجيراً وخسائر فادحة على كافة المستويات.
نعم، ليس حدثاً عادياً أن يكون الدكتور عبدالمجيد الرافعي، النائب السابق لطرابلس، قيادةً سياسية رئيسية في مدينته، لفترة طويلة، عاش خلالها مع أهله كل ظروفهم، وحمل كل مطالبهم، ورفع الصوت عالياً دفاعاً عنهم وعن احلامهم الوطنية والقومية.
عبد المجيد الرافعي، الذي له مكانة كبيرة في مدينته وفي قلوب أبنائها، لأنه هذا السياسي الملتصق بالناس وقضاياهم، كرمته «جمعية العزم والسعادة»، في احتفال حاشد تكلم فيه الرئيس نجيب ميقاتي والوزير رشيد درباس والنائب السابق ادمون رزق، إضافة الى كلمة شكر من المحتفى به، تنشر »التمدن« تفاصيله كاملة.
«التمدن» 23/11/2006
راجع
فواز سنكري
صحيح ان نائب طرابلس السابق الدكتور عبدالمجيد الرافعي قد عاد إلى لبنان قبل حوالي العامين، بعد إبعاد قسري دام حوالي العشرين سنة، لكن عودته إلى هذا الوطن، وإلى مدينته تحديداً، لا يمكن لها ان تكتمل إلاّ في حال عاد إلى لعب دور سياسي جدي وفعلي وعملي، وذلك من خلال دخول المجلس النيابي من جديد، والمشاركة في صناعة القرار الوطني، والقيام بما يمكن ان يؤثر في حياة الناس نحو الأحسن، تخطيطاً وتشريعاً وضغطاً وإشرافاً على التنفيذ ومراقبة.
وعندما قيل، قبل حوالي الستة أشهر، ان الرافعي قد يترشح للنيابة عن المقعد السني في طرابلس، كانت هناك آراء تقول ان خطوة كهذه يجب ان تُدرس على مهل، وإن قراءة متأنية للأمور يجب ان تجري، وان تركيبة السلطة والمعارضة وقتها، إضافة إلى العامل السوري، يجب ان يؤخذا في الحسبان، وإن تحالفات الشمال المختلفة في ذلك الحين ربما كانت ستؤدي إلى حصار قد يُضرب حول «الحكيم» ورفاقه في اللائحة.
لكن، اليوم، وبعد التحولات الكبيرة التي جرت، والتي تلت تحديداً حادثة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبعدما تُركت المدينة في مهب رياح التجارة بدم الرئيس الشهيد، حتى من قبل ألد أعدائه السياسيين، وتُركت للسماسرة والموظفين و«الراقصين» على حبال الأجهزة على اختلاف أشكالها وألوانها ومراحلها، اليوم، بات لزاماً على «طبيب الفقراء» ان يُقدم، وبات ترشحه (الذي أعلنه في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي) ضرورياً للجم حال الانفلات على مستوى القيادة في المدينة، خاصة بعد عزوف الرئيس عمر كرامي وقراره عدم الترشح للانتخابات.
واليوم، أمام الناس، في طرابلس والشمال، فرصة نادرة لاستعادة شيء من الزمن الجميل في السياسة، ولاعادة اكتشاف معنى العلاقة الطبيعية بين النائب والشعب بمختلف شرائحه، ولمعرفة ان للسياسة وجهاً آخر، غير الذي شاهدوه في السنوات الأخيرة في مدينتهم وفي الوطن ككل، وجهاً لا يمثل استغلال كل شيء وبكل الطرق، في سبيل المصلحة الخاصة ولو على حساب المجتمع وتطوره ونموه وكرامته، وجهاً يشبه وجوه معظم الناس العاديين، ولا يعبر إلاّ عن الصدق مع الذات ومع الآخرين.
عاد الرافعي قبل سنتين واستقبلته مدينته استقبال العشيقة لعشيقها، وإذا ما عاد نائباً بعد 19 حزيران 2005 المقبل، سوف تستقبله استقبال المتعبة التي صارت مع الأسف بأمس الحاجة إلى يد طيبة تمتد إليها لتخرج من حفرة رماها فيها الكذابون والمنافقون والتابعون والانتهازيون والمستكبرون.
الرافعي راجع…. وأول مهامه العمل مع الناس كما فعل دائماً…. كي ترجع طرابلس أيضاً.
«التمدن» 27/5/2005
عبدالمجيد
فواز سنكري
في كتابه «المذكرات»، الذي صدر مؤخراً، يروي الوزير الأسبق للخارجية اللبنانية فؤاد بطرس تفاصيل حوار دار بينه وبين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد قبيل تشكيل الحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهورية الراحل الياس سركيس في العام 1976.
كتب بطرس في مذكراته ما يلي:
«سأل الرئيس السوري عن الأسماء السنية المتداولة. فاستعرضت أسماء صائب سلام ورشيد الصلح ومالك سلام وشفيق الوزان وسليم الحص وهو يصغي بانتباه كبير. وعندما انتهيت من تعدادها، قال:
«طرابلس غير ممثلة، هناك الشمال وقد قاتل وصمد، ونحن لا نستطيع أن نترك طرابلس لعبدالمجيد الرافعي ولك مصلحة في ذلك».
وطرحت اسم رشيد كرامي وأجاب بأنه لا يستطيع ان يعترض على عدم اشراكه لأنه لم ينجح أثناء توليه الحكومة، مضيفاً ان «لا محل له في طرابلس»».
… والآن، بعد ثلاثة وثلاثين عاماً على ذلك الحوار، يترك عبدالمجيد الرافعي الساحة، بعدما خذلته في انتخابات 2005، بل بعدما خذلت نفسها عندما خذلته، ومازالت حتى اليوم.
يترك عبدالمجيد ساحة يُهان أهلها وسياسيوها وتُستباح بشكل معيب.
لكن… هل هكذا تنتهي الحكايات الجميلة، وهل هكذا علينا ان نتألم، نحن الذين عرفنا معنى عبدالمجيد الرافعي، من قسوة الاستعباد والاستكبار والفوقية والإلغاء؟
وهل هكذا تكون الخيانات، ولماذا نخون أنفسنا ومن نحب، لماذا نخون من يشبهوننا، ومن يعيشون معنا كل تفاصيل الحياة بحلوها ومرّها، ومن يعرفون معنى ان تكون طرابلسياً في وطن اسمه لبنان، لمصلحة فوقيين يعتبروننا «متخلفين» نشبه «القطيع» الذي سوف يطيع صاغراً ما «أُنزل» عليه.
والمدينة التي لم «يستطع» عبدالمجيد الرافعي ان يترشح فيها للانتخابات، والتي سوف تنتخب «مُنزلين» لا يعرفونها ولا تعرفهم، ويعتبرون أنهم أكبر منها وان شعبها يُقاد بـ «الريموت كونترول»، مدينة كهذه ماذا نسميها؟
سمّوها ما شئتم، لكن اسمها ليس طرابلس.
«التمدن» 9/4/2009