طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

«الشعب يريد عبدالمجيد»

عبدالقادر الأسمر
إنه من صنف الرجال الذين وهبوا أنفسهم لخدمة مجتمعهم بدون غايات شخصية أو وصولية ودليلنا على ذلك أنّه أمضى سحابة عمره في خدمة المواطن وغرس بذور العروبة الأصيلة التي تطمح إلى لمّ شمل العرب في أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة أكرِم بها من رسالة وأعظم به من رسول.
لقد كان الدكتور عبد المجيد الرافعي حريصاً على أن يستعيد العرب حضارتهم وموقعهم بين الأمم فهم الذين أثروا المعمورة باختراعاتهم واكتشافاتهم والتي ما وجدت سبيلاً إلى الظهور لولا هامش الحريّة التي أصبحت حلماً وعملة نادرة بفضل طغاة وجبابرة وعملاء راحوا يسعون إلى تدجين الشباب العربي الثائر وتطويعه لصالح الحاكم بأمره صنيعة المخابرات الأميركية ورضى الصهيونية العالمية.
وقد أطلّ الدكتور عبدالمجيد الرافعي على مدينته طرابلس أواسط الخمسينيات طبيباً حذقاً هاله ما تتعرّض له مدينته من قمع للحريات وسيطرة من يفترض فيهم أن يكونوا حُماة الطرابلسيين في المجلس النيابي إلى مشاركين في تغييب هذه المدينة عن موقع القرار وعزلتها عن المشاركة في التعيينات وحرمانها من وظائف الفئة الأولى لا بل الثانية حتى الثالثة. وأصبح الطرابلسيون على هامش الحياة السياسية وصمت نوابها عن حقوق المدينة كما قالت إحدى اللافتات الموزعة على جدران المدينة والتي تقول «إنهم خُشبٌ مسنّدة». وذهبت هذه العبارة الجريئة مضرب مثل في أداء نواب المدينة المشين.
وفوجىء الطرابلسيون في منشورات وإعلانات ورقيّة كبيرة تسرد مطالب المدينة العاصمة الثانية للبنان، وانتبه أهل المدينة إلى لافتة تدعو إلى إقامة جامع في طرابلس كان في حينه مطلباً مستحيلاً ولكنّه تحقّق. ولن تنسى طرابلس الحكيم الرافعي وثلةٌ من رفاقه في الإشارة إلى المتآمرين على شباب المدينة وحرمانهم للعبِ دورٍ سياسيّ إجتماعيّ.
ولم يتوقّف الحكيم عن احتضان المرضى الفقراء الذين يعرف أسماءهم فرداً فرداً ويعلم أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية الصعبة ويتذكرهم على الدوام ويذكر أسماءهم كلما التقى بأحدهم ويسأله عن صحة الوالدة وحال الوالد، يطمئنّ على أحوال العائلة.
لقد كان الدكتور الرافعي مثالاً للإنسان العربي النبيل الذي يبذل ما عنده من أجل نصرة أخيه على المستويات كافة.
ولا يزال الطرابلسيون يذكرون كيف أن الحكيم يسعى ولو ليلاً للإشراف على الولادة أو الاهتمام بحالة مرضيّة حتى ولو في ظروف صعبة.
ونشط سعاة الفتنة في التشهير بالدكتور الرافعي وبحزبه الذي عُرف بـ «البعث العراقي» الذي صان العراق ورفع من مقامه إلى مصاف الدول المتقدمة.
وشهد العراق نهضة علمية وثقافية وفتحت الجامعات العراقية أبوابها لطلّاب التعليم الجامعي من الطرابلسيين ليعودوا إلى طرابلس ليساهموا في تصويب الحياة السياسية في لبنان.
وكان شباب الحزب يعتمدون ندوات التوعية.
وشهد الطربلسيون مسيرات لشباب الحزب من نخبة المجتمع الطرابلسي ينشدون:
«يا شباب العُربِ هيا وانطلق يا موكبي
وارفع الصوت دويا عاش البعث العربي»
وتنادى الطرابلسيون الأوادم إلى ترشيح الدكتور الرافعي إلى النيابة في إنتخابات 1957 وجمعوا له بدل الترشيح فلم يحالفه الحظ.
وانتخابات 1960 أعلنوا فوزه ثم أعلنوا عدم فوزه وكان السبب واضحاً معروفاً من الجميع وهو تدخّل المخابرات السافر.. وخرج الطرابلسيون يهتفون: «الشعب يريد عبد المجيد».
وفي انتخابات 1968 أكّدت الأنباء نجاح الدكتور الرافعي لكن إسهامات المكتب الثاني الفجّة أخفت عدّة صناديق ورغم ذلك تابع ترشّحه في دورة العام 1972 دون أن ننسى دور الرئيس سليمان فرنجية في منع تدخّل المخابرات ليفوز الرافعي وينال 17517 صوتاً. وراح الدكتور الرافعي يلاحق مطالب المدينة ويتصدى لأكلة الجبنة في الوظائف والمشاريع وحقّ المدينة في الميزانية العامة.
وتندلع في لبنان حرب أهلية اتّخذت طابعاً طائفياً من أجل تشويه سمعة لبنان لصالح الصهيونية العالمية. ولم تتوانَ قوات الردع السورية عن قصف المدينة وإجباره على مغادرة طرابلس في 31/8/1983 ليمكث في بغداد زهاء 19 سنة و8 أشهر.
وشعرت طرابلس بالفراغ بعد مغادرة ابنها المناضل الّذي لم يتخلّ عن مدينته.
فكان يسعى إلى الاجتماع بالطرابلسيين الذين أدخلهم إلى الجامعات العراقية.
وكان العراقيون يرحبون بهم عندما يعرفون أنهم من طرابلس مدينة الدكتور الرافعي.
ويعود الدكتور الرافعي إلى طرابلس ليستقبله أهل المدينة من كل الانتماءات، وقد التقيته ساعة وصوله إلى مدينته وأجريت معه حديثاً مطولاً وسط حشود الزائرين حيث أعرب عن مقدار شوقه إلى طرابلس الحبيبة.
وكانت دارة الحكيم في أبي سمراء تستقبل الوافدين من كافة مناطق طرابلس الّذين أقرّوا بأنّ الرافعي أكبر من مجرّد شخصية حزبية بل إنه شخصية وطنية تتميز بالأخلاق واحترام المخالفين لرأيه.
كان الرافعي علامة فارقة إنسانية ووطنية وهذا ما قرّب الناس إليه وإعجابهم بشخصيته المميزة والمحببة إلى قلوب الجميع.
وتفتح «التمدن» صفحاتها لتحركات الحكيم ومواقفه منذ قدومه إلى طرابلس طبيباً مناظراً.
وينبري عميد «التمدن» فايز سنكري في تبنّي مواقف إبن المدينة الأصيل وفخر طرابلس الذي لن يتكرر على ساحة الفيحاء.
رحمه الله وألهم محبيه الصبر والسلوان والتحلي بأخلاقه واستيعابه للأزمات التي كانت تحيط به.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.