الطبيبُ الطيّبُ في ذمة الله
المفتي الشيخ د. مالك الشعار
لقد غيَّب الموت منذ أيام عَلَماً من أعلام السياسة والنضال القومي في طرابلس، وقامة كبيرة تحمل من القيم الإنسانية ما لا يزول بزوالها أو موتها…
هو ابنُ الشعب أولاً، لقبه الذي صحبه طوال عمره، وهو ابن طرابلس المدينة التي لا تموت، بل التي تعج حركة وفكراً وإباءً وعطاءً لا يعرف معنىً للتوقف أو الترهل، فضلاً عن التراجع..
وهو ابن أرومة كريمة متجذرة بالفضل والعلم والمعرفة والأدب والشعر والنضال الفكري والثقافي معاً عنيت به الدكتور النائب عبدالمجيد الطيِّب الرافعي، والذي لُقب أخيراً بحكيم طرابلس… هو رفيق الفقراء وملاذ المرضى والمحتاجين.
لا يكاد بيت من بيوتات المدينة إلاّ وله فيه أثر. ولا شارعٌ من شوارع طرابلس إلاّ وشهد له موقف ونداء وشعار، ملأَ سمعَ المدينة وبصرها، ومَلَكَ قلوب أبنائها.. وأعطاها كلَّ حياته… وما يقدر عليه…
رابط الجأش، عف اللسان، لا يهاب المواجهة
لقد نافس في السياسة كباراً.. لهم شأن لا يُبارى وأصلٌ وجذورٌ، وهيبة، وكان رابط الجأش دائماً، عفَّ اللسان دوماً، مبتسماً طلق الوجه، واسع الصدر، لا يهاب المواجهة ولا المعارك مهما كانت طاحنة، أديباً، ملتزماً بتربية عائلته وأبيه الشيخ الورع النقي الشيخ محمد الطيب الرافعي.
كانت السياسة عنده حضورٌ وعطاء.
والمنافسة إقدام وثباتُ والتزام دون خوف أو ضعف.
كان قليل الكلام، كثير الفعل، لازمته هذه القيم والسجايا إلى الندوة البرلمانية قبل أيّ اعتبارٍ حزبي آخر، وهذا يعني أن مدينته تكتنز من القيم والمعاني ما لا يخضع للمساومات ولا المزايدات.
قيمة رشيدة لها حضورها وهيبتها وأخلاقها
السياسة في ذلك الزمان كانت بين الكبار والعائلات الأصيلة التي كانت تُدفع إلى الواجهة ولا تستعطف أو تستجدي الزعامة والحضور والهيبة..
لذلك أقول وبهدوء تام بأن قيمة فقيدنا الراحل المأسوف على نضوجه الفكري وحضوره السياسي وقيمة سجاياه انه كان كبيراً مع الكبار، مع قيم رشيدة لها حضورها وكرامتها وهيبتها وأخلاقها ولذلك لم يكن مستغرباً، أن تشارك المدينة بقياداتها السياسية والثقافية والحزبية والشعبية وقيادات المجتمع المدني فضلاً عن المرجعيات الدينية التي شاركت في الجنازة والعزاء، لم يكن مستغرباً أبداً هذا الحضور الحاشد في تشييع الجنازة بزحام لافت، وتدافع رصين سجل الجميع فيه إقدامهم ولكن برفق وأدب جم.
هذا وتفجرت عواطف الحب والولاء مستحضرة ذكريات مضت هي أقوى من كل كلمة، وأمضى من كل قلم.
الدكتور عبدالمجيد الطيب الرافعي… بفقدانه فقدت المدينة كبيراً من كبارها، ومدماكاً من مداميك أمنها واستقرارها ربَّما يكون الأخير لزمن كانت الرجولة والنخوة فيه هي المناخ الأعم والأكثر إتساعاً وشيوعاً.
فلا يسعنا إلاّ ان نحتسبه عند ربه وخالقه الذي له ما أعطى وله ما أخذ. وهو الذي وسعت رحمته كل شيء،
فإنا لله وإنا إليه راجعون…
إلى رفيقة دربه وشريكة حياته التي شدت من أزره
ثم كلمة خاتمة المسك إلى رفيقة دربه، وشريكة عمره وحياته، صانعة القرار، والدافعة له للإقدام دوماً والتي شدَّت من أزره وعلى يديه، السيدة المصون ليلى، أو «الست ليلى» كما هو لَقَبَها، والذي يعود الفضل في كثير من حياة راحلنا الكبير إلى دفعها الهادىء، وعطائها الدائم، وسهرها المتواصل على حياته وبطولاته ومرضه حتى الرمق الأخير… وظني بعد الممات..
نُشارِكُكِ العزاء..
المستقبل والزعامة والقيادة للقيم وحدها
طرابلس يكفيك منها هذا الوفاء فهو استفتاء لا يختلف عليه اثنان.
وبذلك تكون طرابلس قد قالت كلمتها، وأعلنت موقفها…
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المستقبل والزعامة والقيادة للقيم وحدها…