الدكتور عبدالمجيد الرافعي الأصالة والرحمة غاب في الحضور
الأب مارون عطاالله
غاب الدكتور عبدالمجيد الرافعيّ، وكلُّنا على درب الغياب. لكنَّه غاب في الحضور. إنَّه الحيّ الباقي، كما الشهيد، هو باقٍ معنا حيّاً، وعلينا أن نتدرَّب على حضوره بشكل آخَر.
غاب في مساء هذا الزمن، ليستيقظ على التوّ، في فجر الأبد، حيّاً مشاهداً وجهَ ربِّه. والربُّ يقول له: «تعالَ يا مَن باركَه أبي، رثِ الجَنَّة المعدَّة لك منذ إنشاء العالَم. لأنَّني كنتُ جائعاً فاطعمتني وعطشانَ فسقيتني ومريضاً فعُدتَني» (إنجيل متى 5:25):
– عرفته سنة 1972، ظاهرة إنتخابيَّة، نائباً عن الفيحاء، مميَّزاً، أصيلاً، إنساناً.
– والتقيته سنة 2000، في بغداد، يوم كنّا نحتفل بشعلة «يوبيل الـ 2000».
– وتابعت مساره في الفيحاء، بعد عودته من المنفى.
– وافتقدته أمسِ، إنساناً أصيلاً، مُشبعاً بالتراث المشرقيّ العظيم، مؤمناً بالرحمن الرحيم.
عرفته سنة 1972 في رحاب «الحركة الثقافية – انطلياس»
1- سنة الانتخابات البرلمانيَّة، يومَ خاض المعركة وخرج منها نائباً مظفَّراً، بعدد من الأصوات لافت، على مثال زميليه الطبيبين في الانتخابات عينها: د. بيار دكّاش، في قضاء بعبدا. ود. راشد خوري، شرقيَّ صيدا.
يومَها دعوناهم إلى رحاب «الحركة الثقافيَّة – أُنطلياس»، في لقاء حول هذه الظاهرة اللافتة وعرفتُ يومَها، أنَّه كان بيّ الفقير، رحيماً، مسلماً أميناً.
والمسلم إمَّا أن يكون رحيماً كما يريده، الرحمن الرحيم، وإلا فباطلاً صومه وزكاته وحجُّه والشهادة.
كالمسيحيّ، إذا لم يكن محبَّة فليس مسيحيّاً، وباطل صومه وصلاته وصدقته وقدّاسه والمسبحة.
في بغداد سنة 2000 وبتعاون مع «الرابطة الثقافية» في طرابلس
2- والتقيتُه في بغداد سنة 2000. وكنّا قد أصبحنا «إنتصارات الشباب». وبتعاونٍ وثيق مع «الرابطة الثقافيَّة – طرابلس»، ومع عدد من الأَعلام في المدينة اللبنانيَّة الأُولى: المهندس رشيد جمالي، د. نوّاف كبّارة، آل زياده الكرام..
وكنّا نُعدُّ للاحتفال بـ «شعلة يوبيل الـ 2000»
وذهبنا إلى بغداد، لإشراك شبيبة العراق في هذا الاحتفال، إلى جانب دعوة الشبيبة في سوريّا وفلسطين والأُردن ومصر. وجاؤوا كلَّهم في احتفال، في «دورة وادي قاديشا»، مدَّة ثمانية أيَّام كاملة.
بدءًا بمعرض رشيد كرامي الدوليِّ في طرابلس.
وإلى «أرز الربّ»، في محطّات لافتة: في حدث الجبَّة وحصرون وبقاعكفرا وبشريّ وإهدن ووادي قاديشا.
.. وجاء إلى «فندق الرشيد»
وفي بغداد استقبلَنا الدكتور عبدالمجيد إخوة أحبّاء، ومعه، انفتحت أمامنا، أبواب القيادة.
وفي آخِر لقاء معه، قبل، العودة، وكنَّا في فندق الرشيد. فجاء هو لعندنا وداس، في المدخل، على صورة بوش. وأخبرنا كيف أنَّ الأُمور ميسَّرة، وقام ليغادر قائلاً:
– «أنا ذاهب لأُصليّ على نية العودة إلى وطني الحبيب».
– وسألته ما المقام الأوَّل الذي تبدأ به؟
– فأجاب: «وادي قاديشا».
فعرفت أنَّه، إلى كونه قد أصبح رحيماً، كان مشرقياً تراثيّاً أصيلاً. وفهمتُ أنَّه كان مرتبطا بمجموعة أرشدها المؤسّس إلى التراث المشرقي الذي هو الحضارة العالميَّة للبشريَّة، وإنَّها حضارة الشرق والغرب، ذلك قبل قيام اليهوديَّة والمسيحيَّة والإسلام.
وكيف أنَّ هذا التراث كفيل بتوحيدنا وحافز من أجل الحداثة والتجدُّد، عندنا.
وتابعت مسيرته
3- وتابعت مسيرته في الفيحاء. فكان، في عَودٍ على بدء:
أبَ الفقراء،
محبّاً،
خادماً بوقار،
متمسِّكاً بموقفه دون زيغان. و«الموقف، يقول تشرشل، أمر بسيط بسيط ولكنَّه هو الفارق الأكبر».
فكان كلاً للكلّ، دون أي تميّيز أو تفرقة، مختلفًا، يعترف بالحقّ بالاختلاف.
ويصلني النبأ
4- ويوم وصلني نبأ غيابه وكنت أَترقَّب الفرصة لآتي لزيارته في طرابلس، شاهدت، بأُمِّ العين، برجاً يهوي وأرزة تيبس والفقراء ينوحون.
فسلام عليكَ، أيُّها الكبير، يومَ وُلدتَ ويوم مُتَّ ويوم تُبعَث حيّا.