طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

وداعاً يا طبيب طرابلس

النائب السابق أسعد هرموش
عندما تودع طرابلس، إبنها، ونائبها، وطبيبها، الدكتور عبدالمجيد الطيب الرافعي، سليل الأرومة الطيبة، إنما تودع مرحلة تاريخية من تاريخها، وتطوي صفحة من الزمن الجميل، وتسدل الستارة على حقبة مليئة بالأحداث والمواقف والحكايات والصور.
كثيرون من الجيل الحالي، لا يعرفون عبدالمجيد الرافعي، خارج إطار الالتزام الحزبي والسياسي الذي عاشه، وعاش له.
فقلما ارتبط رجل بمدينته، كما ارتبط عبدالمجيد الرافعي بطرابلس فأحبها وأحبته.
هو ابن الشيخ محمد الطيب الرافعي، رفيق جدي لوالدتي (المرحوم بديع الناغي)، شريكه في العمل في بستان الليمون على طريق الميناء. وفي جنينة التين. قرب «ثانوية الحدادين» الآن.
في «طلعة الرفاعية» كان بيت جدي وفي نهاية الطلعة كان بيت الطيب الرافعي.
شقيق والدتي بالرضاعة
كانت علاقة ود واحترام ومحبة كبرت بين العائلتين من الأجداد إلى الأبناء وصولاً إلى الحفدة. وبحكم هذه العلاقة الحميمة، أرضعت جدتي (وهيبة بزال) الصغير عبدالمجيد من حليبها مع والدتي. فكان شقيقها بالرضاعة، وكان خالي الحبيب بين أخوالي الأحبة.
طبيب الفقراء
لكلٍ من اسمه نصيب، طيب وطبيب، في عيادته القديمة في شارع الراهبات، يستقبل كل المرضى في كل الأوقات ويزورهم في البيوت، دون موعد، ودون مقابل. طبيب الفقراء هذا، ذاع صيته، يداوي ليل نهار يوم كان الأطباء في طرابلس يُعَدُّون على الأصابع؟
سياسي ملتزم، اختلفت معه أم وافقته، لا يسعك إلاّ ان تحترمه. حزب عبدالمجيد، كان أوسع انتشاراً من «حزب البعث»، وكذلك مؤيديه ومحبيه.
وقف الناس معه، وأيدوه بوجه بطش المكتب الثاني (المخابرات)، والشهابية التي كانت تقف مع الرشيد الشهيد رشيد كرامي.
برغم تدخل أجهزة المخابرات، التي كانت تفسد كل شيء، إلاّ ان الحياة السياسية في المدينة كان لها طعم آخر، كان فيها الكثير من الإلتزام والقيم والمواقف الثابتة لم تفسدها «سياسة البترودولار».
في ثورة 1958
في ثورة 1958، ضد حكم كميل شمعون، كانت طرابلس عاصمة الثورة، حيث انخرطت كل قواها في معركة الدفاع عن عروبة لبنان واستقلاله ورفض «حلف بغداد» وسياسة الإنكليز في المنطقة.
كان لا بد من سلاح للمواجهة. وكانت «سوريا الوحدة» هي المصدر وكان الطريق إليها وعراً والنقل على البغال.
من أبي سمراء إلى مجدليا وزغرتا آل فرنجية وآل معوض. إلى الضنية الثائرة إلى أعلى «السفيرة» حيث كان بيتنا محطة الثوار في طريق الذهاب والإياب. إلى أعالي عكار وصولاً إلى بلدة «حاويك» السورية على الحدود، حيث يجلب السلاح، بنادق F.Mموديل 1936 ورشاشات وذخائر.
كان والدي واحداً من الثوار، يحمل السلاح على ظهر دابته مع قافلة الثوار.
مرة يذهب مع رفاق عبدالمجيد كونه القريب والصديق.
ومرة مع جماعة الرئيس الشهيد رشيد كرامي، حيث كان خال والدتي المرحوم الحاج حسن بزال هو مسؤول الشباب عند الرئيس كرامي.
الإستراحة والطعام
كان بيتنا في بلدة «السفيرة» محطة الإستراحة والتزود بالطعام. حيث تحكي والدتي انها أتت ابنة المدينة، التي علمتها نساء قريتنا السفيرة – ان تخبز شوالاً من الطحين دفعة واحدة، لإطعام الضيوف. فكان يجتمع في بيتنا: البعثي – والكرامي – والإخواني. فالثورة هي الثورة. والخلاف مؤجل.
وهناك تعرفنا إلى أسماء ثوار: حسن بزال – جلال نشوقي – أبو بديع وغيرهم الكثير.
في انتخابات 1972 جاء أولاً
كانت فرصة تولي الرئيس الراحل سليمان فرنجية رئاسة الجمهورية -وهو على خلاف مع المكتب الثاني الذي أسقط الحكيم أكثر من مرة .
رشح الدكتور عبدالمجيد ورشحت الجماعة الدكتور محمد علي ضناوي.
فكانت عيننا على الضناوي.
وقلبنا على الرافعي.
وحصل الاختراق الكبير 17517 صوتاً للرافعي. وجاء أولاً.
طرابلس يومها حبست أنفاسها. وتأخر إعلان النتائج خمسة أيام. وخاف الناس وانفجرت مظاهرات شعبية فرحة، تهتف: «لا تقولوا شندي بندي فختنا ليستة الأفندي».
فلبست طربوشاَ فرحاً
يومها اذكر ان الصديق غازي الأدهمي أحضر سيارة (فولز) مملوءة بالطرابيش الورقية الحمراء فرحاً بالنتيجة، فلبست طربوشاً، وكنت أضع على صدري شعار «سيف الإسلام الضاوي محمد علي ضناوي».
يا أنشودة حب
ستبكيك طرابلس، يا حبيبها، وطبيبها.
يا أنشودة حب الفقراء.
أيها الطيب ابن الطيب، سيبكيك جيراننا، حيث كنا نسكن في الحدادين (جبل النار).
وأنت تستقبل المهنئين بفوزك نائباً، استدعاك أحدهم لمعاينة مريض في «عقبة قبر الزيني» فذهبت إليه ماشياً مهرولاً على درج العقبة لتصل إليه وأنت تحمل حقيبتك الطبية الجلدية السوداء.
كنت من طراز آخر.
أحببت شعبك وأحبك، بادلك حباً بحب. فالخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.
رحمك الله رحمة واسعة.
وغفر الله لنا ولك.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.