طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

حتى النفس الأخير ذهن حاضر وإبتسامة لم تغب

د. عبدالإله ميقاتي
ودعت طرابلس رجلاً إستثنائياً بكل معنى الكلمة، هو الدكتورعبدالمجيد الطيب الرافعي. وكان بحق وداعاً استثنائياً لم تشهد طرابلس مثيلاً له من قبل إلا القليل.
فقد عرفته المدينة بكل أطيافها حكيماً للفقراء، في زمن عزّ فيه وجود الأطباء في المدينة.
كان يزور المرضى الفقراء في بيوتهم مهما تواضعت، ويصعد سلمها مهما طوابقها ارتفعت، ويمشي في أزقتها القديمة مهما ضاقت، ويُلبي اتصالاتهم مهما تأخرت حتى ولو كانت في منتصف الليل.
شارك في النضال المطلبي لأهل المدينة منذ ريعان شبابه، فكان له في كل جولة حضور وصولة.
كما ورث عن والده حبه للوطن واستقلاله وشاركه في ذلك جمهور واسع في المدينة، آمن معه بالمبادئ الوطنية، ورفض الإحتكار، كما عمل وسعى لأجل الإستقرار والإزدهار.
كان أول من أسس مستوصفاً شعبياً طبياً في منطقة الزاهرية ثم في منطقة الميناء، وتوسعت هذه الظاهرة بعد ذلك وتعددت المستوصفات الطبية في مختلف مناطق المدينة.
«ومن سنّ سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة».
شارك «الحركة الوطنية اللبنانية» في أهم مراحلها، فكان نائباً لرئيسها كمال جنبلاط.
وعندما دخل الندوة البرلمانية، كانت كلماته في معظم جلساتها حيوية وبالغة الأهمية في حينها، كما في أيامنا هذه، كما أشار إلى ذلك الرئيس نجيب ميقاتي في كلمته خلال حفل تكريم الدكتورعبدالمجيد الرافعي الذي أقامته «جمعية العزم والسعادة الإجتماعية» في 30/11/2016.
وعند غيابه القسري عن المدينة، زاد حبه لها، وشغفه للقاء أهلها، وخدمة أبنائها كلما زار أحدهم بلاد الرافدين. وعمل على إرسال المساعدات إليها كلما تسنّى له ذلك، سواء كانت تلك مساعدات غذائية أم منحاً دراسية جامعية لأبنائها.
وعندما أتيحت له العودة إلى المدينة كان شوقه للقاء محبّيه الكثر كبيراً وقد بادلوه هذا الشوق الكبير.
زرته في دارته العامرة قبل حوالي ثلاثة أسابيع من رحيله.
كان حاضر الذهن تماماً.
وكان ذاكراً للموت الذي لا بدّ منه يوماً ما، و أنه ناهز التسعين من العمر.
ولم تغب ابتسامته عن ثغره الجميل. كما لم تغب إحاطته الشاملة والمعتادة بضيوفه أبداً.
غاب الدكتور عبدالمجيد الطيب الرافعي عن المدينة جسداً، وصعدت روحه الطاهرة بإذن الله إلى بارئها، وارتفعت أصوات المحبين الكثر بالدعاء للفقيد طالبة له الرحمة والغفران وجنات النعيم. وبقيت أعماله وخدماته حاضرة في ذهن الناس وأنا على يقين بأن الكثير ممن كتبوا أو قالوا في رحيله كلمات مؤثرة، قالوها بصدق.
وأرجو إلى الله العلي القدير أن تكون في ميزان حسناته فهو يستحق كل ما قيل وكتب، بل وأكثر، خصوصاً وأن ألسنة الخلق أقلام الحق.
رحم الله الفقيد الغالي، وأسكنه فسيح جناته وواسع رضوانه، وألهم أهله وأهل المدينة جميعاً الصبر والسلوان. وإنّا لله وإنّا اليه راجعون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.