الإنسان
د. منذر فوزي كبارة
كنتُ يانعاً في تلك الفترة، وكانت عيادته في «السراي القديمة» في الجهة المقابلة لعيادة المرحوم والدي تفصل بينهما ساحة صغيرة يجلس في زاويتها «بائع الخرنوب» الشهير، وكنت أتردد دائماً إلى عيادة الوالد وأشاهد تلك اللوحة الكبيرة السوداء أمامي وقد كُتب عليها «الدكتور عبدالمجيد الطيب الرافعي خريج جامعات سويسرا»، وقد سألت والدي يوماً إن كان يعرف الدكتور عبدالمجيد شخصياً ومما أجابني به كلمات رسخت في ذهني منذ ذلك الزمن حتى يومنا هذا:
«إنه اسم على مسمى وهو طبيب وطيّب وإنساني يشعر مع الفقراء ويداويهم بدون أجر».
ومرّت الأيام وترشح الدكتور عبدالمجيد للإنتخابات النيابية في العام 1957 ومن قبل أن ألقاه أو أتعرف على شخصه وضعتُ صورته الإنتخابية على زجاج سيارة والدي.
وإنطلقت منذ صبيحة الإنتخابات أنقل الأصحاب والأقارب إلى مراكز الإقتراع للتصويت له. ومما أذكره في تلك المناسبة أن إحدى السيدات المرموقات (شقيقة أحد المرشحين) إغتاظت من الذي كنت أصنعه وأقدمت على طرق غطاء سيارتي بكلتا يديها وصاحت بأعلى صوتها: «ما بيطلع إلاّ رشيد… ما بيطلع إلاّ رشيد».
وبعد تلك الإنتخابات التي لم يحالف بها الحظ الدكتور عبدالمجيد توطدت بيننا الصداقة وزادت المحبة واللقاءات.
وتكررت زياراته لي في إستانبول حيث كنت هناك عام 1961 وهو في طريقه إلى أوروبا وكأنها زيارات مخطط لها لتفقد الطلبة الطرابلسيين الذين يتابعون دراساتهم في الجامعات الخارجية.
اللقاءات مع الحكيم كانت دائماً مليئة بعبق طرابلس الحبيبة.