في احتفال تجلى خلاله بعده الإنساني المرهف وشاعريته الحساسة… «جامعة التكنولوجيا والعلوم التطبيقية اللبنانية الفرنسية» (U.L.F)… كرّمت الراحل الدكتور عبدالمجيد الرافعي في العام 2013

كان المرحوم الدكتور عبدالمجيد الرافعي مناضلاً صلباً ورجل قيادة وسياسة، حازماً في قراراته وعلاقاته، لا يعرف اللين ولا التهاون وهذا ما سيذكره الجميع، ولكن، إضافة إلى هذه الصورة من شخصيته التاريخية، هناك صورة الطبيب الإنساني الذي عافى المحتاج وأعطى المثال الأعلى في إخلاصه لمهنته الإنسانية، كذلك هناك في كل إنسان شيء داخلي خاص به مستور لا يعرفه بعض الأحيان حتى أقرب الناس إليه.
هذا المكنون الداخلي تحدث عنه الأدباء في الثقافة الغربية المتأثرة بعلم النفس وسمّوه «الحديقة السرية» (Le Jardin Secret) يركن إليه المرء مرتاحاً سعيداً عندما يعود إلى نفسه فيدع ذاته تعيش سعادة داخلية في سريرته.
لقد تجلى هذا البعد عندما تأثر الدكتور عبدالمجيد في حفل تكريمه الذي أقامته له «جامعة التكنولوجيا والعلوم التطبيقية اللبنانية الفرنسية» في شباط 2013، وقد نشرت وقائعه «التمدن» في عددها الصادر في 23/2/2013.
فبعد ان رحّب به وتكلم عن سيرته التاريخية رئيس الجامعة د. محمد سلهب، ثم تبعه د. نزيه كبارة الذي تحدث عن ذكريات رفقة الشباب والنضال.
وبعد تكريمه بدرع لهذه المناسبة، اعتلى المنصة المرحوم الدكتور عبدالمجيد والقى قصيدة من تأليفه عنوانها: «هذا أنا».
وهي في الحقيقة «الحديقة السرية» الدفينة في أعماقه والتي حتماً ركن إليها مراراً ومراراً، انها البعد الإنساني المرهف والشاعري الحساس لهذا المناضل، ولقد نشرت في حينه مع حفل التكريم بشكل مميز متوسطة الصفحة.
ولقد أبدى رحمه الله إعجابه بما نُشر معلقاً هاتفياً عدة مرات على ذلك.
رئيس الجامعة د. محمد سلهب
بدأ الحفل بالسيدة نورما عرب التي قدمت نبذة عن حياة المكرم ثم دعت رئيس الجامعة د. محمد سلهب إلى المنصة فألقى كلمة مما جاء فيها:
إذا كان على الجامعة تكريم رجالات مميزين نسترجع منهم قدوة ومثالاً للأجيال الصاعدة في عملها التربوي، فإنه عليها أيضاً مهمة تقديم المثال واستخلاص التميّز.
الدكتور عبدالمجيد الرافعي هو الإنساني الطبيب والعالم والسياسي الوطني العروبي والفرنكوفوني الرفيع المثقف المولع بالشعر العربي وآدابه.
إلاّ ان هذا الفيض وهذه الغزارة وللأمانة يجعلان التقديم ضرباً من ضروب السهل الممتنع.
هو ابن بيئته طرابلس يحبها وهي تحبه، وهو المتواضع بترفع، المترفع بتواضع، المقدام بخدمة وطبابة وبلسم، الجسور بحكمة، والصلب بإنفتاح ومحبة.
نحن اليوم بحاجة إلى الدكتور عبدالمجيد وإلى إستخلاص العبر من تجاربه الغنية.
والأمثولة التي علينا أن نستخلصها من تاريخه الحافل والمشرف هي المستمدة من قول مأثور للشاعر العربي الكبير زهير بن أبي سلمى:
ومن يك ذا فضلٍ فيبخل بفضله
على قومه، يستغن عنه ويذمم
وأسمح لي يا دكتور أن أضيف هذا البيت لشاعر عربي أصيل هو اسامة ابن منقذ، المعروف بالأمير الفارس.
هو الجواد الذي يلقاه مادحه
وإن غلى فوق ما أثنى وما وصفا
د. نزيه كبارة
الدكتور نزيه كبارة رئيس المجلس الثقافي في لبنان الشمالي إلى المنصة ألقى كلمة مما جاء فيها:
«يستحق كل ثناء وتقدير بشخصه وهو الطبيب الانساني الأصيل، والمناضل الشجاع والمبدئي، والمتفاني في سبيل العقيدة التي آمن بها، والمضحي لرفعة أمته والعمل على نهضتها، والعنيد الصامد في الحق، الكريم والطيب والوديع، الصلب في مواقفه الوطنية، والمتجذر في الايمان بقضيته التي ناضل لأجلها عقوداً ولما يزل، وهو الذي ما تخلف عن نداء الأمة والدفاع عن حقوقها».
وتكلم كبارة عن الشرف الكبير الذي يشعر به عندما يقدم الدكتور عبدالمجيد الرافعي فهو يستحق كل ثناء، وقال انه يجمع بين الطيبة والوداعة من جهة وصلابة المواقف والايمان بالرسالة التي ناضل من أجلها ولاخراجها من الجهل والعصبية من جهة ثانية، لقد لبى نداء الأمة العربية وكان وفياً للمبادىء التي اسس عليها حزب البعث.
ثم ذكر انه أثناء الثورة ضد شمعون أسس المستوصف في أبي سمراء وعالج الناس مجاناً ثم ذكر عمله أثناء الوحدة بين مصر وسوريا.
د. الرافعي
ثم ألقى المكرم الدكتور عبدالمجيد الرافعي كلمته التي شكر فيها الجميع وتكلم عن ذكرياته ومما جاء فيها:
أشكر لكم حضوركم فرداً فرداً، وأشكر لجامعة التكنولوجيا والعلوم التطبيقية اللبنانية – الفرنسية، بشخص مؤسسها ورئيسها الأخ الفاضل الدكتور محمد سلهب وعمداء كلياتها وأساتذتها هذه المبادرة الكريمة تجاه شخصي وما أمثل، والتي اعتبرها وساماً غالياً أفتخر بحمله من لدُن جامعة أكاديمية فتية، أثبتت وجودها بين الجامعات الفاعلة في لبنان.
(…) وإذا كان من قائل: ما استحق العيش من عاش لنفسه فقط، وهو الفيلسوف سقراط، منذ آلاف السنين، فإن الشاعر العربي في عصر الجاهلية، زهير بن أبي سُلمى، قد طوّر هذه المقولة ليعطيها الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية، عندما قال:
ومن يكُ ذا فضل فيبخل بفضله
على قومه، يُستغن عنه ويُذمم
إن لقاءنا في هذا الصرح الأكاديمي الكبير، يكتسب أهمية استثنائية، كونه يتحقق في وسط تعليمي متنور، يدرك أبعاد التحديات العامة التي تحيق بالوطن أولاً.
ولأن البحث عن حلول جذرية هو مسؤولية الطلائع الواعية من شبابنا وشاباتنا.
فهؤلاء هم أصحاب الغد القادم، وجيل المستقبل الواعد، الذي سيخلف الحاضر بكل ما يحمل من وقائع مؤلمة تبدأ بأحزمة البؤس التي تنتشر كالفطر حول المدن اللبنانية وداخلها، منذرة بارتفاع نسب الفقر، وحجم الكوارث الاجتماعية والاقتصادية التي ترزح تحتها نسبة عالية من الشعب اللبناني.
(…) تذكروا انكم أصحاب المستقبل، لأن الغد لكم وليس لغيركم. وكما يقول الشاعر العربي:
وما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
ولقد آمنت بهذا القول المأثور منذ نعومة أظفاري.
أوجه التحية لمدينتي طرابلس الحبيبة، مدينة العلم والعلماء، والجو الوطني والقومي، ففيها تعلمت منذ نعومة أظفاري، هذه الأبيات التي لا ازال أذكرها:
بلاد العُرب أوطاني من الشام لبغدانِ
ومن نجدٍ إلى يمنٍ الى مصرَ، فتطوانِ
ثم اعتلى المنصة الرئيس سلهب وقدم للمكرم درعاً تذكارية وتلاه ممثل اللواء ريفي الذي قدم للمكرم باقة من الورود.