طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

أَحَبَهُ المُعْجَبون واحْتَرَمَهُ المُخْتَلِفون

د. محمد علي ضناوي
فقدت طرابلس ولبنان وبلاد الشام، شخصية لافتة جمعت التعاطف والحنان إلى نَزْعَةِ النضال، ضمن منظوره الشخصي والحزبي، وقد ارتضاه، محاولاً اقناع الآخرين بمفاهيمه على انها مفتاح تحرر الأمة ووحدتها ورقيها، عنيت به الدكتور عبدالمجيد الطيب الرافعي (رحمه الله) فقد قضَّى عمرَه المديد متشبثاً بوحدة الصف والهدف، فأحبه المعجبون واحترمه المختلفون، واجْتَمَعَتْ الكلمة على أنه شخصية تَألَف وتُؤلَف وتحاور بذكاء وتتراجع بصمت، تَعذِر وتُعذَر.
اذكر اننا التقينا في الترشيح للانتخابات النيابية عام 1972، هو في قائمة، وأنا منفرد أواجه ثلاث قوائم ومنفردين. إلا أن الإحترام ساد علاقتنا، ففاز هو مخترقاً قائمة الرئيس رشيد كرامي رحمه الله وفُزْتُ أنا في المرشحين المنفردين، وعلى جميع المرشحين في القوائم لو كانت الانتخابات جرت ضمن النظام النسبي لا الأكثري، فهنأته وهنأني ونشأت بيننا علاقة احترام متبادل، لكن كشأن المنطلقات الفكرية والسياسية المختلفة، من الطبيعي ان نلتقي في بعض الأمور ونختلف في البعض الآخر، لكنه إختلاف، والحمد لله، لم يُفسد للاحترام المتبادل قضية..
وأذكر اننا في سنتي 1981 و1982، رغم تباين في الأفكار والأهداف، إلتقينا تحت مظلة واحدة مع السيد فاروق المقدم (رحمه الله)، جمعتنا خدمة استراتيجية واحدة لإنقاذ المدينة وإخراج القوات السورية منها والوقوف في وجه استخدام فريق من أهلها (عنيت أهل جبل محسن) في مواجهة عموم أهل البلد. وسعينا بقوة لإعادة طرابلس إلى حضن الدولة، لكن من المؤسف أنّ الشرعية اللبنانية ابقت المدينة مهمشةً ولم تَرْعَ فيها إلاً ولا ذمة. تفاعلنا نحن الثلاثة مع دعوة رئيس بلدية طرابلس عشير الداية بسعيٍ لافت من الأستاذ فايز سنكري صاحب «التمدن» وعُقِدَ اجتماعٌ كبير ضم الرئيس رشيد كرامي والرئيس أمين الحافظ ممثلاً مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد والدكتور عبدالمجيد الرافعي وفاروق المقدم وكاتب هذا الرثاء بالاضافة إلى عدد من فعاليات المدينة بهدف ايجاد قيادة سياسية عليا لها، وصدر قرار بالإجماع بضرورة وقف النار وإدانة العنف وسحب المسلحين والأسلحة.
رحل الدكتور الرافعي وفي نفسه غُصص، مألوماً مكدوداً حزيناً على ما شاهده ونشاهده اليوم في أمة العرب البائسة. لكن فقيدنا الكبير لم يفقد ثقته بأمته، وبقي رغم البؤس الشديد، يحدوه الأمل بإعادة مجد الأمة التليد وأن الأمة ستقوم من بحر الدماء لتؤسس عزها من جديد.
رحم الله الفقيد الكبير وغفر له ورفع درجاته واسكنه جناته وأعظم أجر أهله ومحبيه.
وإنا لله وانا اليه راجعون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.