طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

إلى الرفيق الأعلى يا عبدالمجيد

الأب إبراهيم سرّوج
(كاهن رعية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس)
في الثاني عشر من شهر تموز 2017 انتقل طبيب الفقراء إلى جوار ربه راضياً مرضياً أو كما يقول الكتاب المقدس: «قد انضم إلى أبائه وأجداده بعد شيبة صالحة». 
وفي طرابلس وُلد عام 1927 وفيها دُفن بعد ان تجاوز التسعين، ولم يحنِ هامته لظالم وبقي وفياً لفقرائه ومبادئه حتى النهاية.
أول صورة نحفظها منذ القديم، أي منذ أكثر من أربعين عاماً، هي حبه للناس واحترامه لهم. 
نذكره طبيباً يعاين في عيادته القائمة في محلة «السرايا العتيقة» مقابل بائع الخرنوب، أو منطلقاً منها متأبطاً حقيبته ليداوي أحد البائسين العاجزين. 
كما نذكره – عندما كنا نعايده في دارته في أبي سمراء فوق ثانوية الحدادين – وهو أيضاً يعايدنا بدوره في دار المطرانية في الزاهرية أو قرب «مستشفى النيني» – أنه كان يعرف الصغير والكبير. يسأل بالأسماء عن أخبار الوالد والعم والخال والإخوة. 
ولا يترك شاردة أو واردة في الحياة الاجتماعية أو السياسية إلاّ ويسأل عنها.
وفي مجلسه، لا يترك الأمور تنحدر في السفاسف وسخيف القول. 
ما عدت اذكر كيف تحوَّل الحديث إلى ان يشرح للحاضرين عن فرض العين وفرض الكفاية. 
أظن انها كانت قضية فلسطين التي أحبها وناضل من أجل تحريرها واستعادتها. ففرض العين هو ما فُرض على كل إمرىء ان يعمله كالصلاة والزكاة والصوم والحج…. وأما فرض الكفاية فهو الفرض الذي يُطلب من جميع المؤمنين فإذا قام البعض بإتمامه سقط الفرض عن الباقين وإلا أثموا جميعاً.
وهنا ضرب الدكتور المثل: 
تحرير فلسطين هو فرض كفاية علينا جميعاً وعلينا ان نتابع الجهاد حتى يتم تحريرها.
هذا الفهم الإسلامي الواضح نهله عبدالمجيد عن أبيه الشيخ محمد الطيب الرافعي وأجداده الباقين وبقي محافظاً عليه حتى آخر نسمة من حياته. 
دخل المعترك السياسي منضماً إلى «حزب البعث العربي الاشتراكي». ولما انقسم الحزب الواحد. اختار «البعث العراقي» دون «السوري» الذي كان أقرب إليه جغرافياً. 
سخّر علاقاته الاجتماعية والعلمية والحزبية في خدمة أبناء مدينته وأبناء أمته. 
وهنا أذكر قولاً لأحد أبناء محلته في أبي سمراء: 
«إن الحزب هو الذي استفاد منه وما كان بحاجة للحزب». 
فيرد عليه آخر مؤكداً: 
«لولا الحزب لما استطاع ان يكون خادماً لأبناء مدينته ويرسلهم للتعليم العالي في أرض العراق. لولا هذه العلاقة لبقيت المدينة عاقراً لم تلد».
ما قام به يتلاقى مع الشهيد رفيق الحريري ومع الشهيد رشيد كرامي
وهنا يتلاقى الدكتور عبدالمجيد نائب طرابلس من 1972-1992.
مع الرئيس الشهيد المرحوم رفيق الحريري الذي ملأ الدنيا اللبنانية عِلماً ومَعرفة على أعلى المستويات. 
كما يلتقي أيضاً مع الرئيس المرحوم الشهيد رشيد كرامي الذي أبي كل منهما ان يُنشىء تنظيماً مسلحاً يكون فريقاً ضد فريق آخر في المدينة أو خارجها. 
في الإثنين يصح القول: «إن يدي لم تجلب إلاّ الخير لبلدي».
درس عبدالمجيد الطب في «لوزان» وعاد ليمارسه في مدينته منذ منتصف الخمسينيات وأبى – كموسى النبي الذي أبى أن يُدعى إبناً لأبنة فرعون واختار المشقة مع شعب الله – ان يبقى في سويسرا مؤثراً لبنان المدعو ليصير سويسرا الشرق ومدينة الفقراء طرابلس.
وكأنه أدرك مع الأديب الإيطالي البرتو مورافيا أن الشرط الطبيعي للإنسان هو الفقر أي كما تقول عامتنا يولد الإنسان عارياً فقيراً ويذهب منها عارياً. أو لا أحد يموت ويأخذ شيئاً معه.
لقد إبتغى عبدالمجيد وجه الكريم مؤثراً الرحمن في خدمة الفقراء.
وكأنه مثل المهندس المصري المبدع حسن فتحي يريد ان يقيم عمارة للفقراء. 
وهنا تشابه الدكتور عبدالمجيد بقديسينا الأطباء قوزما وداميا نوس وكيروس ويوحنا وليان الحمصي وغيرهم.
وفيه صحَّ القول الكريم الذي نردده في بعض صلوات الغروب في كنيستنا:
«الأغنياء افتقروا وجاعوا أما الذين يبتغون الرب فلا يعوزهم أي خير».
لقد سبقتنا يا أخانا عبدالمجيد إلى رب العالمين.
وقد شيعتك مدينتك إلى مثواك الأخير ليس بعيداً عن مكان مولدك ولا عن مكان عيادتك فهل يكون موتك بدءُ حياةٍ لها؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.