من أبرز أعمدة طرابلس
عبدالله خالد
في الثاني عشر من تموز ودعت طرابلس أحد أبرز أعمدتها على الصعيد الوطني والقومي ابن الشعب الدكتور عبدالمجيد الطيب الرافعي عن عمر ناهز التسعين عاماً قضاها في خدمة مدينته ووطنه وقوميته على امتداد الوطن العربي الكبير.
وكعادته في كل مرة نفقد فيها عزيزاً على قلوبنا طلب مني الصديق فايز سنكري أن أسطر بعض الكلمات بمناسبة رحيل الطيب المجيد عنا فلم أتردد….
وتعود بي الذكرى إلى نهاية 1956 وبداية 1957 حين رأيت الدكتور عبدالمجيد في مهرجان أقيم في «سينما روكسي» كان من أبرز خطبائه الشيخ نديم الجسر وقام يومها الدكتور عبدالمجيد بدور عريف الحفل. وعرفت يومها إنه عاد حديثاً من سويسرا بعد أن أنهى دراسة الطب وإنه يعمل في «المستشفى الاسلامي».
1957 رشحه الحزب
وفي عام 1957 رشح «حزب البعث العربي الاشتراكي» الدكتور عبدالمجيد ليمثله في الندوة النيابية فلم يحالفه الحظ. ولكنه برز كشاب وطني عروبي كله حيوية ويتمتع بقدرات تؤهله للقيام بدور مركزي في عملية التغيير وصولاً إلى إقامة دولة الوحدة والحرية والاشتراكية.
وحدة 1958: الحزب ينظم رحلة لدمشق للقاء عبدالناصر
في عام 1958 ومع قيام أول وحدة عربية معاصرة بين مصر وسوريا عرفت بإسم «الجمهورية العربية المتحدة» وكان الدكتور عبدالمجيد من أكثر المتحمسين لها.
واذكر إنه مع مجيء الرئيس جمال عبدالناصر إلى سوريا نظم الحزب في طرابلس رحلة إلى دمشق ضمت مئات السيارات للتهنئة بالوحدة ولقاء الرئيس عبدالناصر.
وقد كنت في عداد الوفد الذي تقدمه الدكتور عبدالمجيد.
وما زلت أذكر أننا في طريقنا إلى دمشق توقفنا في «ميسلون» لنستذكر معاً بطولات الجيش العربي السوري بقيادة الشهيد البطل يوسف العظمة الذي سقط في معركة مواجهة سلطة الانتداب لأنه رفض ان يسجل التاريخ ان الاستعمار الفرنسي إحتل سوريا دون مقاومة. وما زلت أحتفظ في أرشيفي بصورة تجمعني والدكتور عبدالمجيد وبعض الرفاق في «ميسلون».
1960 فاز ولكنهم زوروا واعتقلوا 100 مناصر
في عام 1960 ترشح الدكتور عبدالمجيد للانتخابات النيابية مرة ثانية وأعلنت إذاعة بيروت فوزه. ولكن الشبكة الحاكمة رفضت الاعتراف بذلك وقامت بعملية تزوير للنتائج استلزم إعلانها اعتقال أكثر من 100 مناصر للحزب والدكتور عبدالمجيد كنت في عدادهم، ونُقلنا إلى ثكنة القبة حيث نمت ليلة واحدة فيها.
وخرجت بفضل فؤاد دعبول
وكان خروجي من الثكنة مبكراً بفضل صديقي فؤاد دعبول الذي طلب من موريس الفاضل التوسط للإفراج عني وهذا ما حصل فعلاً.
1963 ثورة البعث في العراق وثورته في سوريا
في 8 شباط 1963 قامت ثورة البعث في العراق وقامت ثورة البعث في سوريا في 8 آذار 1963.
ولكن الثورة الأولى لم تدم طويلاً إذ انقلب عليها عبدالسلام عارف فيما استمرت ثورة الثامن من آذار.
في الذكرى الأولى لثورة آذار نظم الحزب في طرابلس وفداً إلى دمشق لتهنئة القيادة في سوريا كنت في عداده إلى جانب الدكتور عبدالمجيد وخالد العلي وآخرين، وأذكر أننا زرنا الأمين العام للحزب الأستاذ ميشيل عفلق في منزله وكذلك الرئيس أمين الحافظ وأعضاء القيادتين القومية والقطرية وحضرنا العرض العسكري الذي نُظم بهذه المناسبة.
1966 الإطاحة بالقيادة القومية
في 23 شباط 1966 حصلت حركة 23 شباط التي أطاحت بالقيادة القومية بقيادة حافظ الأسد وصلاح جديد كنت وقتها أميناً لفرع الحزب في طرابلس فاخترنا أن نكون إلى جانب القيادة القومية.
1968 ثورة البعث الثانية في العراق
ومع قيام ثورة البعث في العراق للمرة الثانية في 17 تموز 1968 آثرت الانكفاء لأن نشرة للقيادة القومية كانت قد وصلتنا تشير إلى ان عبدالرزاق النايف يستعد للانقلاب على عبدالرحمن عارف بمساعدة بريطانية.
وهكذا آثرت ان ابتعد وإن بقيت على علاقة جيدة مع الجميع وفي مقدمتهم الدكتور عبدالمجيد، علمأ إنني لم انضم للطرف الآخر. كما ان البعث في العراق استكمل حركة 17 تموز بحركة أخرى في 31 تموز أبعدت النايف وجماعته.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق حاولت ان أجري مصالحة بين سوريا والدكتور عبدالمجيد كانت بوادرها في حرب تشرين 1973 حين تطوع الدكتور عبدالمجيد ورفاقه لنصرة سوريا وتقديم المساعدة لها حين ذهبنا إلى حمص لهذه الغاية حيث تم تقديم مساعدات مادية ومواد غذائية وأدوية.
والواقع ان المحاولة الثانية (لإجراء مصالحة) كادت ان تنجح لو لم تواجه بعض العقبات في اللحظة الأخيرة.
وفي مؤتمر الطائف الذي شارك فيه الدكتور عبدالمجيد الرافعي بصفته نائباً عن طرابلس وكنت في عداد الصحفيين الذين غطوا المؤتمر التقيت الدكتور عبدالمجيد وتبادلنا القبلات وسط تصفيق رجال الصحافة اللبنانية.
وحين عاد لطرابلس
وحين عاد الدكتور عبدالمجيد إلى طرابلس، كنت في طليعة من زاره في منزله بل اني تطوعت لمرافقة من يرغب بزيارته.
كما دعوت الدكتور عبدالمجيد للمشاركة في الأنشطة السياسية التي أقمتها في طرابلس ثلاث مرات إحداها في المركز الثقافي في طرابلس والثانية في مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي والثالثة في منتدى طرابلس.
غياب الدكتور عبدالمجيد الرافعي خسارة كبيرة لطرابلس ولبنان والعروبة، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله ورفاقه الصبر والسلوان.