طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

غادرنا حامل هموم المدينة

لامع ميقاتي
أنا ممن عاصروا إنطلاق المرحوم الدكتور عبدالمجيد الرافعي في العمل العام… كانت الناصرية قد ملأت وجداننا، وكنا نحسّ ان بلاد العرب، بلادنا، بحاجة إلى ثورة اجتماعية وصناعية وأخلاقية الخ…. وأتى عبدالمجيد الرافعي، مع من حوله من شباب، يطرحون أفكاراً عقلانية حول العروبة والوحدة، متأثرين بما تعلموه من أوروبا.
أنا شخصياً لم أكن من رفاقه الحزبيين، ولكن كل الشباب كانوا معه، وأنا من رهطهم، المرحوم أخي زهير كان عقائدياً قريباً جداً منهم، وفي الحقيقة كان عبدالمجيد ومن حوله يستقطبون كل المتعلمين تقريباً، خاصة في الثانويات.
وكنت أشعر أن عبدالمجيد كان صديقي، لأنه كان صديقاً حميماً لكل طرابلسي.
في هذه المقالة أريد رواية بعض مما حدث بيني وبين الدكتور الرافعي:
– أثناء الحرب الأهلية الأولى، بعد حادثة عين الرمانة، توليت في إحدى الشركات الأوروبية وظيفة مدير إقليمي للعراق، وكان لم يغادر بعد بيته في أبي سمراء، ولكن كانت السفارة العراقية في لبنان قد أُغلقت وتهدمت فذهبت إليه فقال لي إعمل جواز السفر ولا يهمك وهكذا كان…. كنت أعطي الجواز لمكتب في طرابلس واستلمه في اليوم التالي مع التأشيرة وأدخل العراق وأحصل على إقامة تقريباً دائمة.
ثم أعاود الكرة كلما خرجت من العراق وعدت إلى طرابلس، وكان غادرها، ولكنه أعطى توجيهات واضحة مكنتني من الحصول كل مرة على التأشيرة.
في بغداد أحسست أنني في طرابلس من كثرة أبناء المدينة الذين فتح لهم باب الرزق والدراسة على مصراعيه… كانوا كثراً!!
كان سائق التاكسي من المطار إلى الفندق عند علمه أنني لبناني يسألني: طرابلسي من عند الدكتور عبدالمجيد؟!
– واذكر أيضاً في الحرب الأهلية، عندما سقطت «بلدة شكا» في أيدي المتحالفين من «كتائب» وغيرهم انتقل مدير عام الشركة التي كنت أعمل فيها إلى سويسرا، وانتقل قسم من الإدارة إلى طرابلس، وتم تكليفي باستلام ما تبقى من إدارة في طرابلس، وأُعطينا مكتباً في أحد المصارف الموجود في شارع الجميزات وكنا نستعمل وسائل اتصال المصرف، من تلكس وهواتف، مع حساب في تصرفنا، وكنا نجتمع يومياً في مكتبنا في المصرف وكان معنا مسؤول المشتريات المرحوم بيار شبطيني.
وفي أحد الأيام أتى مسلحون من إحدى الميليشيات غير التابعة لتنظيمه إلى المكتب وأخذوا بيار شبطيني للتحقيق معه… وفي الواقع خفت كثيراً لأن الميليشيات كانت فالتة وتحكم المدينة فاتصلت بالدكتور عبدالمجيد ورويت له ما حدث فقال لي «عملت منيح أنك اتصلت»… وبعد تقريباً ساعتين عاد المرحوم بيار شبطيني معززاً مكرماً، مع اعتذار كامل من قبل المسلحين الخاطفين.
– والقصة التالية أرويها في ما يلي: كنت في زوريخ سويسرا، وعلمت من صديقي في المكتب المهندس بسام عادل شهال، ان الدكتور في زوريخ، وأخذت أتلفن للفنادق حتى حصلت على مكانه… فاتصلت به عارضاً خدماتي فشكرني سائلاً «كيف لقطتني» قلت له «ولو يا دكتور»، فأجاب «أنت فلتة». وعند رجوعه الأخير إلى طرابلس كان كلما التقيته يقول لي «أهلاً بالفلتة».
آخر مرة في شباط سنة 2013 أقامت له جامعتنا، «الجامعة اللبنانية الفرنسية»، مهرجان تكريم فأتى مع السيدة ليلى رفيقة عمره، وكان بيننا لقاء حميم وفي ختام المهرجان القى قصيدة تغزل فيها بالسيدة ليلى. فنشرنا صفحة عن الاحتفال في «التمدن» وتوسطتها القصيدة فكان سعيداً جداً واتصل شاكراً مردداً «أنت فلتة»!!!
رحمة الله عليك يا حامل هموم المدينة، أيها المخلص الصادق… يا من خدمت الجميع مهما كان انتماؤهم وتعازينا إلى السيدة ليلى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.