طرابلس لبنان - سياسية مستقلة

مواقف ومحطات هامة مع المناضل الكبير الدكتور عبدالمجيد الرافعي

هشام حسن إزمرلي
أول لقاء لي مع المناضل الكبير الدكتور عبدالمجيد الرافعي كان منذ ما يزيد عن 60 عاماً، وكنت أُشرف على حلقات ثقافية حزبية في منطقة باب التبانة آنذاك.
اللقاء الأول
وفي إحدى هذه الحلقات وأذكر من الحاضرين أحمد الريفي «أبو أشرف» ورحمي الضابط.
وبعد إنتهاء وقت هذه الحلقة قال لي رحمي الضابط «سأعرفك الليلة على شخص مهم سيأتي إلى منزلي لمناسبة طبية»، وقد أجبته بالموافقة. 
وفعلاً حضر الدكتور عبدالمجيد وتناقشنا في الشأن العام وأوضاع المدينة ووجدته مُلماً بكل شيء ويتمتع بصفات وشخصية فكرية وثقافية وطبية قوية.
وطُرحت فكرة ترشيحه للإنتخابات 1957
وقد إختمرت في رأسي منذ هذه المقابلة فكرة ترشيحه للإنتخابات هذه السنة 1957 للتخلص من سيطرة الإقطاع السياسي وتغيير هذا الوضع القائم المتردي.
طرحت هذه الفكرة على قيادة الحزب في طرابلس «وكانت في وضع شعبة صغيرة» فتبنت بترحيب هذا الموضوع. 
وافقت القيادة القطرية
ثم أرسلت تقريراً بذلك إلى القيادة القطرية في بيروت فوافقت بعد ممانعة حيث كان الحزب قد قرر سابقاً عدم ترشيح أحد، وقد تولى دعم هذا الموضوع في القيادة المهندس المرحوم حسان مولوي وكان عضواً في القيادة. 
وقد جرت الانتخابات ولم يوفق الدكتور ونال حوالي 2500 صوت.
وإنتسب للحزب
وبعد هذه الانتخابات قررت القيادة القطرية توطيد العلاقة مع الدكتور عبدالمجيد. 
وزار طرابلس المحامي جبران مجدلاني والمهندس حسان مولوي موفدين من القيادة وتم تنسيب الدكتور إلى الحزب.
وفصلوه من المستشفى الإسلامي
بُعيد إعلان نتائج إنتخابات سنة 1957 وكان الدكتور، بعد ان أصبح عضواً رسمياً في الحزب، زاد من نشاطه السياسي واتصالاته مع القوى الشعبية والفاعلة في المدينة فاصطدم بالقوى السياسية النافذة والمسيطرة على مرافق المدينة مما أدى إلى فصله من العمل في «المستشفى الإسلامي» حيث كان يعمل كطبيب مقيم.
تأسيس المستوصفات الشعبية
فاتجه إلى فكرة تأسيس المستوصفات الشعبية في الأحياء وأصبح قوة جماهيرية فاعلة في المدينة.
الترشح في 1960 وإسقاطه بعد فوزه
وفي سنة 1960 أعلن ترشيحه، وقد كنت المسؤول الإعلامي عن هذه الانتخابات، وخضنا صراعاً سياسياً حاداً مع القوى السياسية النافذة. وكنت أصدر كل يوم بياناً شعبياً بالاتفاق مع الحكيم. 
وكان ما كان من ظروف وملابسات أدت إلى سقوطه بعدما كان قد أُعلن فوزه!!
كان يحضر إلى منزلي في القاهرة للقاء الطلبة
وفي سنوات 1958-1959-1960 كنت مقيماً في القاهرة أتابع دراستي هناك، وكان الدكتور عبدالمجيد يحضر في هذه السنوات من فترة إلى أخرى إلى منزلي في القاهرة ليجتمع بالطلبة اللبنانيين الذين كانوا يدرسون هناك وكان يحضر بصفته موفداً من «الاتحادات الشعبية العربية».
وليشارك في المؤتمرات التي كانت تُعقد في القاهرة.
وفي سنة 1961 وقع الانفصال بين مصر وسوريا مما أحدث هزة عميقة في كيان الدكتور عبدالمجيد وعارض المواقف السلبية للحزب سيما توقيع المرحومين أكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار على وثيقة الانفصال.
فأوقف الدكتور نشاطه الحزبي وأعرب عن نيته مغادرة لبنان إلى الخارج، وقد حاولت أنا والمرحوم محمد ولي الدين اقناعه بعدم المغادرة وأصر على رأيه وغادر إلى سويسرا التي كان قد تخرج منها طبيباً مستنكراً مواقف المرحومين البيطار والحوراني والعسكريين الحزبيين الذين أيدوا بيان الانفصال!
وعاد الحكيم من سويسرا التي عمل فيها في المجال الصحي إلى طرابلس وعاد إلى نشاطه الحزبي بعد ان استنكرت القيادة التوجه الإنفصالي ودعت إلى إعادة الوحدة بين القطرين الشقيقين مصر وسوريا.
طُردنا من القاهرة فذهبت إلى دمشق
وبعد طردنا من القاهرة إثر جريمة الانفصال ذهبت إلى دمشق وأقمت هناك وكنت مديراً لمكتب الأمانة العامة للقيادة القومية في دمشق.
كما كان الدكتور عبدالمجيد قد انتُخب عضواً في القيادة القومية للحزب وكانت اجتماعاتها تُعقد اسبوعياً في دمشق ويحضرها من لبنان الدكتور عبدالمجيد وكان فور وصوله يذهب إلى منزلي في «الصالحية» وكان لديه مفتاح الشقة التي كنت أشغلها مع المرحوم المناضل طارق عزيز.
وكنت أزوده واطلعه على كافة المستجدات التي تحصل أثناء غيابه في لبنان. ومن الطريف انه خلال الاجتماعات وأثناء مناقشة المسائل المطروحة كان الحكيم يُدلي برأيه وبكل المعلومات والتفاصيل مما أدهش الحاضرين سيما وانه كان غائباً عن دمشق خلال هذه الاجتماعات.
إنشقاق الحزب
وبعد الأحداث العسكرية المؤلمة التي تعرض لها الحزب في سوريا 1966 وأدت إلى انشقاق وسجن وملاحقة العديد من أعضائه.
أعلنت تجميد نشاطي الحزبي أو أعلن الحزب هذا التجميد وكنت على صلة مستمرة بالمرحوم الدكتور عبدالمجيد.
وفي أحد الأيام في هذه الفترة وكنت أعمل بالصحافة في بيروت تلاقيت في «شارع الحمراء» بالمرحوم اللواء محمد عمران مع شلة من رفاقه العسكريين يتنزهون في هذا الشارع، وانفرد بي اللواء عمران وسألني هل أنا على صلة بالدكتور؟ وقد أجبته بالايجاب، فقال لي لقد وصلت مجموعة اغتيال سورية أتت إلى لبنان ومعها قائمة اغتيال على رأسها عبدالمجيد الرافعي.
وقال لي (أي اللواء عمران) اذهب وأخبر الحكيم وحذره. 
فذهبت فوراً إلى طرابلس إلى عيادة الدكتور وكانت آنذاك في «السراي العتيقة» وأخبرته بما قال لي اللواء عمران، وقد بادرت القيادة الحزبية في طرابلس إلى اتخاذ قرار بإخفاء الدكتور لإتخاذ الحيطة اللازمة، ولكن مجموعة الاغتيال لم تتمكن من اغتيال الحكيم لإختفائه وتمكنت من اغتيال اللواء عمران في منزله بالقبة. وكان اللواء رحمه الله شجاعاً ويعتقد ان هؤلاء لا يجرؤون على اغتياله!
الفوز في 1972 بأعلى الأصوات
وفي انتخابات 1972 حيث فاز الدكتور عبدالمجيد بزخم جماهيري حاشد وكان الأول في عدد الأصوات الشعبية التي نالها. وقد كنت مع المرحوم محمد ولي الدين في الهيئة التي قادت تلك المعركة.
هذه بعض المواقف والأحداث التي كانت تربطني بالمناضل القومي الكبير عبدالمجيد الرافعي.
لقد فقدت طرابلس بموته إبناً باراً يؤمن بها ويعشقها ويعشق أهلها.
كما كان موته خسارة للحزب وطرابلس ولبنان والأمة العربية.
غفر الله له وأدخله واسع رحمته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.