حين تتمثل القيم إنسانا
رضوان ياسين
ماذا تقول الكلمات في حضرة غيابك، أيها الحاضر الذي لا يغادر الوجدان.
لنبل مشاعرك، ينحني الحرف.
لوجهك الطيب زحفت أحلامنا.
تزهر فيك الرؤى والدروب، وترقص في راحتيك الأماني. نزلت علينا كتاباً جميلاً….، كزهرة نادرة تختبىء في سكون أعماقنا، وسافرت فينا لأرض البراءة.
– راح الذي كفه في الطيب ممدود وله في دروب الخير بصمات. رحل محمولاً على محبة جيل عاش متعة زمن جميل واعد، سقى الحشد ضريحك المتواضع هاطل الحزن، وهال عليه تراب تموز اللاهب بدفء أكف الرفاق.
– تتجلد الأحاسيس وتنطلق الحناجر.
– يا مالك الحس الرهيف بطهارة القلب النظيف.
– فيحاء قد رحل الطبيب مَنْ بعده يشفي القلوب؟؟
– الآن فقط صدقت ان الطيب في طريقه إلى العالم الرحب، إلى السكينة راحة وخلود.
– رحل الطيب… لن يكون هناك مرة أخرى في دارته ينتظر محبيه ليغمرهم بدفئه، والحنين.
– ألتمس دموع الحبيب «البير» ليسألني عن الثلاثاء دون الحكيم.
– لا يمكن ان يُخدر الصبر جرحاً، قالها «أبو عمر» وانفجر باكياً وبكت معه الجدران.
– كنت الإنسان فينا أيها الطيب. كل ما فيك عميق كعمق الأرض ونقي كالغاردينيا التي أحببت.
– رحل الطيب، الذي كان يصب جام عواطفه للمدينة التي أحبها وعشقته.
– تُطَوِّع جموعها الهادرة الحديد الصامت وتحوله إلى لوحة ناطقة.
– تفتقدك الحشود لأن عالماً ليس فيه عبدالمجيد الطيب الرافعي عالم شديد الرمادية.
– ولأنك تحب الفيحاء خضراء تموج في الضوء والماء.
– ولأن رحيلك يولد فيها قلقاً عميقاً جزعاً لا يُكبح.
– فلسطين كلها والعرب تحمل قلوبها إليك.
فأنت المناضل الذي أنشب في ذاكرته أشرس مخالب التاريخ.
* لم يعرفوا أنك مذ رحلت أتيت قادماً
هل كان ينبغي للطيب أن يغيب لكي نكتشف في ضوء غيابه كم نحن هائمون الآن على وجوهنا وأقلامنا وكلماتنا، وكم المساحة الشاغرة التي خلفها وراءه لا يمكن لأحد أن يردمها من بعده؟
– يتبارون في رثائك كأنك شيء ذاهب، ولم يعرفوا أنك منذ رحلت أتيت قادم…. قادم من الريح ومنزل الجيران وجموع الأحبة ومن أزقة المدينة وأحيائها المولعة بك.
– فأنت وحدك من أخرج الجموع من صف المشاهدين.
– من الصمت واستمرار الفراغ وأظهرت حنين الفقراء الطيبين.
– ورغم الابتعاد ستبقى في العين الحزينة تزداد قرباً.
– تحمل مودة لا تزال على ألق لحظاتها الأولى، وبعض من حلم يكابد تحت أتربة الخراب والهزائم والقهر لصوتك الذي بتهدجه يمنحهم الأمان.
* مندورون للحلم وهو حقنا
في مغالبتك للمرض وإصرارك على المتابعة حتى الرمق الأخير، تستقبل الجموع كعهدك أيام العنفوان تراقب الشقائق والرقائق، وتعتني بالتفاصيل، الشاردة والواردة.
– كم كنت أكبر من الكرسي في تحديك؟
– وأقوى من المرض، ولعله كان خجولاً من نفسه، وكنت رافضاً له.
– وكان المرض يريد ان يعتذر لإرادتك.
– وكم كان مهزوماً لأنه وجد نفسه أمامك ملزماً بالتقاعد والقعود مع قامة ترنوا للاستمرار حتى الرمق الخير.
– وأما أنت فأبيت أن تتفهم شغل المرضى ونصائح الأطباء، وترد في سرك والعلانية.
«صح مني العزم والجسم أبى، والقلب يرنوا إلى العشرين».
– وكانت ابتسامة روحك تحتقر رغبة المرض الذي فشل في أن يُبعدك عن رفاقك.
– وترسم وردة حب لجموعهم التي بادلتك حباً بحب.
– وأشهد بأنك اهملت ما استطعت نصائح الأطباء بالراحة والنقاهة وملازمة الفراش وأنت تستغرب من الراحة لأنك تعاند تيار المرض.
-ةوتغلب عادتك المتدفقة بالعطاء والتواصل المتواضع الرؤوم الذي يشبه قسمات وجهك الطيب، تلمس كالعادة مكان القلب… ونقول شاكرين معك الحمد لله مازال ينبض!!
– وتتذكر وتمطر علينا عطر الذكريات والوصايا.
– تعلمنا ان الانتماء يوجد مرة واحدة في عمر الرجل.
– وإن الذاتية تسقط المناضلين.
ولأننا مندورون للحلم، لأنه حقنا وماضينا ومستقبلنا الوحيد… لأن فيه شجرة وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم تمطر الخصب، وجذور كما «البعث» تستعصي على القلع والاقصاء..
– وكأني بوصاياك ألتمس بضع أماني، لو شاء الله ان يهبني شيئاً من حياة أخرى فانني سوف استثمرها بكل قواي، ربما أقول كل ما أفكر به لكنني حتماً سأفكر في كل ما أقوله… سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله بل لما تعنيه:
– أدرك أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور.
– وسأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق.
– للطفل سوف اعطي الأجنحة لكني سادعه يتعلم التحليق وحده.
– وللكهول سأعلمهم ان الموت لا يأتي من الشيخوخة بل بفعل النسيان.
– وأن العيون ترى كل يوم وجوهاً جميلة ولكن القلب لا يفتح أبوابه إلاّ لوجه واحد…