إصدارات في طرابلس : صدى الإحساس ومدى الأحداث، جزئين
مقدّمة
بدأت فكرة هذا الكتاب من جملة طرحها عليِّ إبني «زياد» وفيها تساؤل عن أسباب عدم إقدامي
على جمع كتاباتي ضمن صفحات كتاب يكون ذكرى مني لأحفادي وأولادي، وقد ترعرعت هذه الفكرة في ذهني وإزدهرت، لكني بقيت منها في موقف المتردّدة!! فأنا ما أزال أكتب، وكتاباتي تُنشر في «مجلة الأفكار»، فلماذا أُقدم على خطوة لا أعرف شيئاً عن مداخلها ومخارجها؟؟ بينما يكفيني ما يخطّه قلمي من مشاعر احتفظ بها وأخبئها في أعماق خزانتي وكأنها أثمن ممتلكاتي ومقتنياتي الدنيويّة، وهي كذلك، فهي ثمرة موهبة أسبغها الخالق عليَّ فأبهجت سنوات طفولتي، وأسعدت أيام صباي، وأتعست أعوامي التالية بفاجعة فقدت فيها حبيباً تهون إلى جانب رحيله كل صعوبات الحياة، رغم أن الحبر والورقة طالما فرّجا عن صدري بعضاً من همومي، وتحمّلا معي ثقل أشجاني وأحزاني، وأتحفاني بين الفينة والأخرى بحروف ساحرة، وسطور نيّرة، وكلمات متحرّرة من قوانين اللغة، ومن دوزنات الشعر.
لكن بعد دراسة فكرية وصلت إلى مفترق الحسم، وقرّرت
جمع خواطري المتفرقة ضمن صفحات هذا الكتاب (بجزأيه: السياسة والوجدانيات)، ومن ساهم في هذا القرار هو الصديق لامع ميقاتي حين أهداني كتابه «من ساحة التل إلى الحي اللاتيني» وهو كتاب رائع وخفيف الظل كصاحبه، وقد أخذت بمشورته وسلّمت خبز قلبي ووجداني إلى الخبّاز الماهر المهندس فواز السنكري الذي يرجع إليه فضل إبصار هذا الكتاب لنور الكون رغم فقداني ل
لكثير من صفحاته القديمة خلال الترحال والسفر. وها أنا أقدّم لأحفادي وأولادي وأصدقائي ولمن تلفته قراءات ذهني: جوهرة عمري، وزمرّدة أعوامي، ودفق خواطري، وعصارة مشاعري، وكل ما أرجوه ان تنال إعجابهم، وتكون على مستوى آمالهم فيَّ ككاتبة وإنسانة تعشق القلم… ويخفق قلبها لوشوشات ودغدغات النثر.
منوّر عبدالحميد البابا
لا أستطيع إطلاق صفة محددة على خواطري وأفكاري السياسية، ولا أستطيع وضع عنوان جامع لها، لأنها نتاج أحداث مترابطة وغير متتالية لا بالقوت، ولا بالزمان، هي أشبه بغضب أُغلقت أمامه المنافذ فإضطر لإفراغ جعبة سخطه وإمتعاضه فوق الصفحات. وهي حنق على وطن لم تعد تنطبق عليه مفاهيم الأوطان لأن أصحاب السلطة توجهوا لتوريث أبنائهم الذين بدورهم سيورثون أبنائهم حتى صار البلد أشبه بالممالك التي يسرح فيها الأغراب والأعراب ويلوثون وحدته بإطماعهم وخبث نواياهم.. ويحولونه إلى مساحات حقد وبغض، وباحات متاجرة بالإنسان، ومفاخرة بالفساد والإرتهان، لكن كتاباتي ترفض الإنحناء أمام الإغراء، وتأبى الخضوع للمساومات وتتجاهلها بكل قواها العقلية والقلبية والوجدانية، ثم تدير دفة سفينتها نحو ضوء الحقيقة الساطعة والناطقة بالكلام المعبر عن صراحة فكرية وإستقلالية كتابية تسطر صفحات مطرزة بكلمات وأفكار لا لبس فيها ولا إبهام.
هذه الخواطر والأشعار المغمورة بأشعة شمس الوجدان… والمنثورة فوق أعشاب الخيال، والمنشورة على صفحات التمني هي خلاصة إحساس الكيان، ورئة أنفاس الصدر، وصدق إخلاص القلب، التي تجمعت نقطة إثر نقطة في أعماق بئر العمر، ثم إنهمرت فوق فصول الأعوام ومواسم القهر، وكأنها أمطار شتاء حزين القسمات إستطاب السكن في زوايا أضلعي، وإمتزج بشرارات وجعي، وإستبد بخلايا الشريان، وأنتج هذه الزفرات الحبرية والتأوهات الإنسانية المعبرة عن إستغاثات الحواس وتوسلات القلم الذي ساكن سنوات صِباي، وترعرع في أحضان زمن شبابي، نضجت تطلعاته مع بداية النهاية لمشواري الكئيب الرؤى والغريب الشعور والمنحوت على خشبة قدري المثقوبة بأسى التعاسة، وسقم المرارة، وصدى الآلام.
إنعدام الشهامة، وإنفصام الكرامة
أسافر لكي أبتعد عن خطايا حكام بلدي، لكنها تأبى مفارقة ذاكرتي، وتسيطر على تحركات أصابعي وتجبرها على رسم لوحات الخيبة المرة وعلى سطر كلمات عدم الرجاء، وعندما أحاول الحوار معها ترفض منطقي وتبغض صدقي في مقاربة مبادراتها الخبيثة ومواقفها الخرقاء، فأتأملها بعيون تفيض دمعاً وجزعاً على وطني وعلى سكانه الماضين في مسيرات التجاهل لقضاياه الملحة التي لم تعد تحتمل الإهمال والتأجيل والتقصير فنراهم يصفقون لكل ساع لإفلاس بلدنا مادياً ومعنوياً، ولإستباحته عشائرياً ومناطقياً، وكأنهم غرباء عنه، لم يترعرعوا فوق أرضه، ولم يتمتعوا بصفاء سمائه ولم يأكلوا من خيرات حقوله وسهوله!!! فيهللون للمشاريع الفاشلة التي تشرذم شبابه.
الغلاء والكهرباء أصل البلاء
لم أسمع في حياتي عن شعب كالشعب اللبناني… المسيّس حتى العظم والطائفي إلى درجة تبادل الإتهامات القاسية والشتائم النابية… والمصاب بحمى الخمول الوطني والذهول الذهني والذبول الحسي… هذه الحمى تشغله عن المساءلة والفضول تجاه المواضيع الحساسة كالغلاء وإنقطاع الكهرباء التي تشعشع أنوارها في أعماق الغابات الإفريقية… ونحن نراوح مكاننا ونستنشق أبخرة المولدات السامة وننعم بأضواء الشموع الحالمة ونعتاد رويداً… رويداً على الظلمات القاتمة… فالنزعة الناقمة هي السائدة… والمحسوبية ما تزال هي الرائدة لجر البلد إلى أتون صراعات جديدة ستكون هي الوسيلة التي تستطيع إقتطاع الإمارات وتوزيع هبات المناطق على رسل الإستزلام المتذرعين بالأخطار المحيطة بنا…
منظمات… لا إنسانية النيات
سنساهم في العمليات الإنسانية… وسنضاعف المساعدات للمناطق العربية المنكوبة، وسنحاسب الكيان الصهيوني على جرائمه، وننبري للدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، هكذا قالت المنظمات الإنسانية العالمية، ولعلها شعرت بالذنب وبالتقصير اللذين برزا إلى النور بعد أن إنتشرت الأمراض وأُبيدت الطفولة ودُمرت البلاد ورد العباد، وبعد أن راجت تجارة السرقة المشروعة والإختلاس النزيه!! وتحولت نظافة الكف ونزاهة الفكر إلى معجزات لا توجد إلاّ في مخيلة الأحلام وذاكرة الأماني المنسية.
هكذا حلمت، وهكذا تمنيت وأملت، لكن المنظمات العالمية كذّبت أحلامي ومضت في مسار مشبوه
مزحة زمن
خُلقتُ وخُلق مصيري معي
ونما العذاب المرّ في أضلعي
حاولت الفرار… من حطام
سفينتي… المترنّحة…
بين أمواج هلعي وفزعي
وتحمّلت حياة… الآلام…
لكن الدنيا لم توافق
على فك حصار موانئي
طرحتني في نار المحارق
وشّحتني برداء العتب…
فبكيت كما… لم أبكِ…
طوال أعوام حياتي…
وهتفت: لا… لا…
لا للرضاء بالمصير…
لا لرفضي وإنكاري…
وألف لا لنفاق الكلام
فهل أنا مزحة زمن؟؟
وعلامات… إستفهام
أرجوكم لا تسألوني
فأنا لا أعرف ولا أنام
قطرات مرّة
كل المحيطات لا تسع
حجم عشقي لبلادي…
كل توسلاتي لا تُسمع
إلاّ من قبل جلادي…
كل جيوش… الجشع
لن تعبر حدودي…
كل خلجات… الوجع…
لن تسلبني وطنيتي…
وإخلاصي لمهد جدودي
وتبيان مدى جهودي
في تدبيج الورق…
المتحدثة عن عزيمتي
وعن وضوح آرائي…
في نصرة الحق…
وفي سحق… النفاق…
فأنا صادقة في عهودي
وصريحة في شعوري..
لكن الناس تحذّرني…
من مخاطر وفائي…
لشرانق الأرق…
ولفراشات الإختناق
شعب الجبابرة
شعب الفداء والشهادة
شعب الوفاء والإرادة…
شعب المروءة والنسب
شعب مظلوم يا عرب…
يا علّة في جسد العروبة
يا اختلاجات أمة منكوبة
كانت سيدة، الأمم…
كانت جبارة… الهمم…
فمتى تنتفض الإرادة
على سني الإستسلام
لرق زرع في العظام
ومتى ستنهض البلادة
لتنتصر على الإنهزام
وتطالب بالثأر والإنتقام
من مئة، حكم، ونظام
وتسطر أشواق الحنين
إلى الربى، والميادين
عرين أسود فلسطين
طُبع كتاب «صدى الأحساس ومدى الأحداث» بجزأيه الأول والثاني
في «دار البلاد للطباعة والإعلام في الشمال»
والتصميم قامت به شركة Impress